يقرأ حاليا
خبير: غياب التضامن المجتمعي والعائلي والمخدرات أسباب ارتفاع أعداد المرضى النفسيين في المغرب
FR

خبير: غياب التضامن المجتمعي والعائلي والمخدرات أسباب ارتفاع أعداد المرضى النفسيين في المغرب

كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في تقرير حديث له، معاناة نصف المغاربة من اضطرابات نفسية، أو تعرضهم بشكل مسبق لها، وذلك حسب المسح الوطني للسكان من 15 سنة فما فوق.

 

وتعليقا على هذا الرقم، أوضح محمد بنزاكور، الباحث في علم الاجتماع النفسي، أنه “حينما نقول بأن 50 في المئة من المغاربة يقتضي وجود تشخيص، مشيرا إلى أن أرقام الإحصائيات لا تمكننا من حسم بوجود مرض، إذ يمكننا أن نتقبل مثل هذه الإحصائيات فيما يتعلق بالسلوك أو الاستهلاك، لكن التشخيص في علم النفس يقتضي دراسة 15 أو 20 مليون حالة على الأقل”.

وأوضح الدكتور بنزاكور، في تصريح هاتفي لـ“نقاش 21”، إلى أن “المغرب يشهد تصاعدا مستمرا في الرقم الخاص بالأمراض النفسية، لكن أن نصل إلى 50 في المائة، هو أمر مستبعد في غياب التشخيص، موضحا بأن هناك “عوامل يمكنها تفسير تصاعد الكآبة في المجتمع المغربي، وأولها التغييرات التي صاحبت المعايير الفكرية التي يستند إليها المغاربة في بناء العلاقات فيما بينهم”.

وأضاف الخبير النفسي، أن “المجتمع المغربي كان فيما مضى مبني على التضامن والوحدة والمساعدة، وبالتالي آثار المعاناة أو المشاكل سواء النفسية أو الاجتماعية وغيرها دائما ما يتم حلها بطريقة جماعية، مما يخفف من وطأة هذه المشاكل، وهذا عكس ما يقع اليوم حيث أضحى المغربي يواجه الأزمات بمفرده وتبعاتها مما يزيد من حدة الضغوط”.

 غياب التلاحم الأسري

أكد بنزاكور أن “العلاقات الثنائية داخل الأسرة النووية (الأب والأم والأطفال)، يقف فيها الأطفال منذ البداية على صراعات الآباء قبل النضج، وما يؤكد هذا المعطى هو ارتفاع نسب الطلاق التي وصلت حدود 27 ألف حالة خلال السنة الماضية، بمعنى أن هناك مؤشرات تقر بوجود عوامل مباشرة للأزمات النفسية، والهشاشة النفسية” يقول بنزاكور.

على المستوى الأسري، يضيف كذلك بنزاكور “يتم هنا الحديث عن جيل الألفين، الذي يمكن أن نقول أنهم يعانون من هشاشة نفسية سببها الاهتمام المبالغ فيه من طرف الأسرة بالطفل، إذ أصبح هو محور الأسر حيث أضحى الكل يستثمر في الأبناء، مما يزيد من بناء شخصية هشة لدى الأبناء، فبمجرد أن تواجههم بعض المشاكل رغم بساطتها إلا أنهم على الفور يصابون بنوع من الكآبة وعدم القدرة على المواجهة والاستسلام”.

تعاطي المخدرات

“العوامل الخارجية أيضا ضمن أكبر العوامل التي ساهمت في الهشاشة النفسية عند الأفراد، وهنا الحديث مباشرة عن تعاطي المخدرات التي تسبب الإدمان والإصابة ببعض الأمراض العقلية خصوصا عند تناول الحبوب المهلوسة وغيرها بشكل مفرط” يقول الخبير السوسيو- نفسي.

العلاج النفسي

أوضح بنزاكور الخبير النفسي، أن التمثلات الاجتماعية للعلاج النفسي، عند المغاربة خاطئة، حيث نجد أنه بعض المغاربة يصفون من يزور الطبيب النفسي بـ”المجنون”، إذ نجد أن بعض الحالات تتحاشي زيارة الأطباء النفسيين مخافة الوصم المجتمعي.

كما أبرز بنزاكور “الحضور القوي للشعوذة، فأول خطوة يقوم بها المصاب هي زيارة “الشوافة، والاستعانة الأعشاب، والرقية الشرعية…” وعند فشل كل هذه الحلول يلجأ إلى المعالج النفسي، وربما ما يزيد من تعقيد الأمر أكثر هو ارتفاع التكلفة وعدم وجود تحسيس بأهمية الصحة النفسية والعلاج النفسي، مشيرا إلى أنه ” مع غياب المواكبة النفسية داخل المؤسسات الكبرى فكيف يعقل وجود مدرسة تتوفر على قرابة 1000 مراهق ولا توجد مصاحب نفسية، هذا الأمر سيساعد على تقبل الطفل أو المراهق للعلاج النفسي فيما بعد واعتباره أمراً عادياً.

الاهتمام بعلم النفس

ما يكرس اللاوعي المجتمعي بأهمية علم النفس، تتحمل فيه  وزارة الصحة، جزءً كبير من المسؤولية، إذ تكرس جل أعمالها على المرض الجسدي، مع غياب الاهتمام بالجانب النفسي، فآخر تصريح أكدت وزارة الصحة أننا نتوفر على 200 طبيب نفسي فقط”.

إقرأ أيضا

“ويمكن التأكيد على أن علم النفس يحقق الاندماج داخل المجتمع،  وذلك من خلال الرجوع إلى التوازن النفسي وأي خلل على هذا المستوى يجد الشخص صعوبة في التأقلم مع الذات وفهم الذات، وبالأحرى الاندماج والإقبال على الحياة العامة وما تتطلبه هذه الحياة من مسؤوليات وتوازن نفسية القدرة على المواجهة وتحقيق الذات والمضطرب نفسيا يعجز عن ذلك” حسب بنزاكور.

وأشار بنزاكور إلى أن “المغرب في لحظة تاريخية لم يكن يستحضر البعد النفسي، وذلك لأسباب تاريخية وأنثروبولوجيا فالمريض النفسي في العقلية المغربية التقليدية كان يخلط بينه وبين الجن أو الإصابات الخارقة للعادة، لدرجة أن “بويا عمار” كان يلعب دور المصحة النفسية، إذ أصبح علماء النفس في صراع مع عقليات لا تؤمن بالجانب النفسي، مما انعكس على الجهات المعنية، التي لم تتحرك في هذا الاتجاه”.

“من المعروف أن الوزارة تخضع للطلب المجتمعي، كما أن الأحزاب السياسية في برامجها الانتخابية، هي الأخرى تحاول أن تحقق رغبة الشارع من أجل إنشاء قوانين في هذا السياق، مما يفسر ردة الفعل التي جاءت بشكل جد متأخر لدرجة أنه ولحدود 2010 لم يكن يتواجد إلا 10أسِرَّة، قبل قيام جلالة الملك بمبادرات في هذا الجانب أنشأ من خلالها المستشفيات في بعض المدن” حسب بنزاكور.

وختم بنزاكور حديثه، قائلا إن  “المعالج النفسي داخل المغرب غير معترف به قانونيا ولا توجد لديه الصفة القانونية، حيث يلجأ إلى إنشاء شركة خاصة من أجل مزاولة عمله كمعالج نفسي وهذا مطلب برلماني لرفع الحيف عن هذه الفئة”.    

انتقل إلى أعلى