يقرأ حاليا
المغرب يرفع البطاقة الحمراء في وجه فرنسا.. ويرفض استغلال الكوارث لحسابات سياسية
FR

المغرب يرفع البطاقة الحمراء في وجه فرنسا.. ويرفض استغلال الكوارث لحسابات سياسية

الزلزال الذي ضرب عدة مناطق بالمغرب، هدم الآلاف من المنازل وخلف وفاة حوالي 3000 مغربي وأكثر من 5 ألف مصاب. لكن تداعياته لم تقف عند هذا الحد، بل امتدت لتصل إلى الدبلوماسية، إذ أدت هذه الهزة الأرضية إلى تعميق الأزمة بين المغرب وفرنسا.

 

شكل رفض المغرب  للمساعدات الفرنسية، صفعة قوية لباريس، فخرج بذلك ايمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي، مُخاطبا المغاربة في مقطع فيديو، ويؤكد استعداده الدائم  لتقديم يد المساعدة للمتضررين من الزلزال، والمساعدات الفرنسية تحت خدمة ملك المغرب وحكومته”.

الفيديو أثار الكثير من الجدل في المغرب، واعتبره العديد من المحللين السياسيين، أنه زاد الطين بلة، وسيعمق أكثر الأزمة بين البلدين لأنه يتنافى والأعراف الدبلوماسية، إذ لا يحق لرئيس دولة أن يخاطب مباشرة شعب دولة أخرى. فيما اعتبره بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أن ماكرون  في خطابه المباشر للمغاربة يكرس النظرة الاستعمارية الفرنسية. 

القرار المغربي بمنع دخول مساعدات فرنسية للمغرب، بعد الزلزال الأعنف الذي ضرب المملكة على مرّ التاريخ، استعملت من خلاله فرنسا وسائل الإعلام  للترويج لأخبار زائفة، كون السلطات المغربية رفضت “اليد الممدودة”، ورسم صورة قاتمة عن الأوضاع في المغرب بعد الزلزال، وبكون الضحايا الناجين يعانون من الجوع والبرد، ومحاولة تشويه مجهودات المغاربة التي انخرط فيها عموم الشعب المغربي.

وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي في العلاقات الدولية، محمد شقير في تصريح لـ “نقاش21” إن “المغرب وضع في الساعات الأولى من الزلزال الذي ضرب عدة أقاليم، خطة الإنقاذ قبل من خلالها عرض 4 دول استنادا لتجربة هذه الدول في الإنقاذ والإغاثة، في حين استبعاد دول كفرنسا والجزائر، نظرا انها لم ترغب في أن توظف سلطات هذين البلدين زلزال الحوز،  فيما يسمى لدى الأمريكيين بأزمة الكوارث للالتفاف على المعايير التي وضعها المغرب في التعامل مع شركائه وعلى رأسها الخروج من المنطقة الرمادية في موقفها من الصحراء المغربية”.

من جانبه، اعتبر أحمد نورالدين، المختص في العلاقات الدولية، في تصريح لـ” نقاش 21″، أنه  “لا يحق لفرنسا ولا لغيرها أن تحاسب المغرب على قرار سيادي لا يمسها في شيء، فهي اقترحت مشكورة المشاركة في مجهود الإنقاذ والمساعدة لضحايا الزلزال، والمغرب قدر أنه ليس بحاجة إلى ذلك الدعم، وان فتح المجال لكل الدول التي اقترحت ذلك كان سيتسبب في فوضى قد تعيق عمل الفرق المغربية للإنقاذ وفرق الدول الأربعة التي رخص لها المغرب”.

وأشار المتحدث ذاته، إلى أن “فرنسا ليست المعنية الوحيدة بالقرار المغربي بل هناك عشرات من الدول العربية  والأمريكية والآسيوية التي شكرها المغرب، ولم يرخص لها بالتدخل، وهذا أمر تنظيمي يخضع لتقدير السلطات المغربية واللجنة بين وزارية المكلفة بتنسيق عمليات الإنقاذ، ويجب على كل الدول أن تتقبل القرار بدون حساسيات”.

رسائل المغرب لفرنسا والعالم

المغرب يريد أن يعلن للعالم أنه قادر على التغلب على الكوارث، وليس هو دولة هايتي التي فتحت الباب لكل دول العالم سنة 2010 بعد الزلزال المدمر،  ليكون ذلك سبباً في كارثة صحية كان ضحيتها 10 آلاف حالة إصابة بالكوليرا، بعدما تفشت إثر نقلها من طرف فريق الأمم المتحدة الذين حلوا بهايتي للمشاركة في عمليات الإنقاذ.

واعتبرت في هذا السياق، الناطقة السابقة باسم بعثة الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، عائشة البصري، في مقال رأي لها، أن المغرب يدرك أن “إدارة الكوارث حدثٌ سياسيٌّ ودبلوماسيٌّ بامتياز، لذلك حاول إيصال رسالتين مهمتين، الأولى هي أن “علاقات المغرب الخارجية تُقاس بمدى الاعتراف الدولي بسيادته على الصحراء الغربية، أو على الأقل الإقرار بالحكم الذاتي خيارا لحلّ هذا النزاع الذي تنظر فيه الأمم المتحدة منذ 1963”.

والرسالة الثانية، حسب البصري،  أن “المغرب من خلال تحرّكه السريع وتسخيره كل الكفاءات البشرية والمادية لهذه الأزمة، يحكمه نظام ملكي عمره 12 قرنا ولا تهزّه الزلازل، وهو ليس دولة فاشلة مثل هايتي تفتح الباب على مصراعيه لكل دولةٍ تريد أن تظهر بمظهر الدولة المانِحة، بل هو دولةٌ ذات سيادة فعلية على سياساتها الداخلية والخارجية، ودولةٌ محورية في المغرب العربي، تتوفّر على شبه اكتفاء ذاتي، ومؤسّسات قوية ومجتمع مدني واسع يجعلها قادرةً على إدارة أكبر الأزمات حجما وتعقيدا، ويمكن لدول الشمال وباقي المستثمرين التعويل عليها شريكا في كبرى المشاريع الأمنية والاقتصادية الجارية والمستقبلية”.

وقد نجح المغرب في تحقيق مبتغى رسائله، إذ خرج جيمس دادريدج، الوزير البريطاني السابق المكلف بكل من حقيبتي التجارة الدولية والقضايا الإفريقي، في مقال نشر على صحيفة “ذي تلغراف” البريطانية، في عددها الصادر يوم الأحد الماضي،  ليؤكد أن “المغرب أظهر مرة أخرى صموده في الظروف الصعبة، من خلال تصرفه برصانة وعزيمة ثابتة، خلف قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، على إثر الزلزال الذي عرفته المملكة”.

وقال كاتب المقال، جيمس دادريدج، “لقد أذهلتني قدرة المغرب الرائعة على الاستجابة بسرعة وفعالية عندما يجد نفسه في مواجهة مثل هذه التحديات”، مشيرا أن “التدابير الاستعجالية اتخذت في المغرب منذ اللحظات الأولى التي تلت الزلزال، وشملت تدخل القوات المسلحة الملكية، والسلطات المحلية، وأجهزة الأمن، إلى جانب القطاعات الوزارية المعنية”.

أصل الأزمة بين المغرب وفرنسا

قد طال أمد الأزمة بين المغرب وفرنسا، على رغم من بعض الخطوات الفرنسية التي تسعى من خلالها كسب ود المملكة المغربية، وطي ملف الأزمة، وعلى رأسها الزيارة الأخيرة لوزيرة الخارجية الفرنسية للمغرب، ومحاولة إعطاء إشارات على وجود زيارة مرتقبة للرئيس الفرنسي للرباط. المغرب وجه أصابع الاتهام لفرنسا لتأجيج الاتحاد الأوروبي لإصداره  تقريره حول انتهاكات حقوق الإنسان بالمغرب ( حرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة)، هذه من بين الأسباب التي أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية  بين المغرب وفرنسا”.

وبالإضافة إلى خفض عدد التأشيرات الفرنسية التي تمنح للمغاربة، وما سببه ذلك من ردود مغربية رسمية، فإن إجماع المحللين، يؤكد على أن سبب الأزمة القوي، هو عدم خروج فرنسا من المنطقة الرمادية في ملف الصحراء المغربية، وتقاربها بشكل كبير مع السلطات الجزائرية، وتبادل الزيارات بشكل ملفت بين مسؤولي هذين البلدين”. المغرب لم يقوم بتعيين سفير جديد بفرنسا منذ شهور عدة، إذ أصبح يرفض حياد فرنسا في موقفها من سيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية، وهو الأمر الذي أكده العاهل المغربي محمد السادس بقوله ”إنّ ملف الصحراء هو النظّارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم. وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعةَ الشراكات”. 

فرنسا والصحراء

منذ اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء 2020، خرج المغرب  ليعلن لشركائه الدوليين أنهم مطالبون كذلك بموقف واضح في أهم الملفات الحساسة للمملكة، والذي يحدد حاضر ومستقبل العلاقة بين المغرب وبين باقي الدول، وهذا ما ينطبق على فرنسا التي اخترت عدم الإفصاح عن موقفها مراعاة لمصالحها مع الجزائر، عكس إسبانيا التي اخترت دعم موقف المغرب، ما أدى حسب الإحصائيات إلى ارتفاع المبادلات التجارية، وتعزيز التعاون العسكري والأمني بين مدريد والرباط.

إقرأ أيضا

ويرى الخبير في العلاقات الدولية، أحمد نورالدين، أن “ملف الصحراء على رأس القضايا التي يجب على فرنسا أن تقوم فيها بالمراجعات السياسية، والاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه الغربية، خاصة وأن فرنسا كانت شريكة لإسبانيا في جريمة تقسيم أراضي المملكة واقتطاعها سواء في الصحراء الشرقية والغربية( شمال المغرب كان مستعمرة اسبانيا، وفرنسا استعمرت جنوبه). 

وأشار المتحدث عينه، إلى أنه “لولا تدخل الجيش الفرنسي لفك الحصار عن الجيش الإسباني في العيون في معركة “إيكوفيون” سنة 1958، لكان جيش التحرير المغربي، قد استكمل تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب قبل استقلال الجزائر التي تحتضن وتمول وتسلح الانفصاليين (البوليساريو). ولكن فرنسا كانت تعلم أن تحرير الصحراء الغربية المغربية كان يعني تحول جيش التحرير المغربي نحو تحرير الصحراء الشرقية التي ضمتها باريس إلى الجزائر الفرنسية آنذاك” يقول الخبير أحمد نورالدين. 

 وبحسب أحمد نورالدين، فإن “الظروف مواتية لاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، خاصة وأن العديد من الشخصيات السياسية الفرنسية من اليمين واليسار تطالب الرئيس الفرنسي بذلك”  داعيا فرنسا للكشف عن حقيقة الأرشيف الذي يفضح كل المؤامرات الأوربية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين التي أدت إلى تقسيم المغرب، وإلى اقتطاع أجزاء كبيرة من أراضيه التاريخية”. 

ماكرون والأزمة مع المغرب!

منذ تولي ايمانويل ماكرون لرئاسة فرنسا، تدهورت العلاقات بين باريس والعديد من دول القارة الإفريقية، وتناقصت النفوذ الفرنسية بالقارة السمراء بسبب سياستها الخارجية. وقد وصلت بعض الدول الافريقية، إلى فرض سياسة الند للند وقطع العلاقات الدبلوماسية مع المستعمر السابق دفاعا عن مصالحها العليا. وفيما يتعلق  بالمغرب، قال خبير الشأن السياسي والاستراتيجي، هشام معتضد، إن “ماكرون عصف بتاريخ العلاقات الاستراتيجية بين الرباط  وباريس بشكل غير مسبوق في تاريخ العلاقات التاريخية بين البلدين”، مشيرا إلى”، أن “طيش ماكرون السياسي  وجرأته المراهقة في تدبير الرئاسة الفرنسية، أدخل علاقات فرنسا السياسية مع أفريقيا، وخاصةً دبلوماسية باريس مع الرباط في نفق مظلم وعتمة سياسية هي الأولى في تاريخ فرنسا المعاصر”.

وفي رأي معتضد، فإن “المغرب لا يختزل فرنسا في ماكرون، ويكن احترامًا كبيرًا للشعب الفرنسي وتاريخ فرنسا وللعلاقات التاريخية والتقليدية بين البلدين، لذلك فهو يحاول ان لا ينجر إلى أسلوب ماكرون السطحي في تناوله لحلحلة الأزمة السياسية بينه وبين المغرب، وذلك بالاعتماد على التضليل الإعلامي”. والقوى الحية الفرنسية، مطالبة وبشكل استعجالي لاستعادة زمام الرئاسة الفرنسية من أجل حفظ ما تبقى من احترام لهاته المؤسسة السيادية، وإنقاذ صورة فرنسا السياسية في فضائها الإقليمي والساحة الدولية”، حسب معتضد.

مستقبل العلاقات بين المغرب وفرنسا

“مستقبل العلاقات المغربية الفرنسية، سيأخذ طريقه الى الحل، أو التدبير الكامل، حسب حسن بلوان، الخبير في العلاقات الدولية، “وفق شرطين أساسيين، أولهما تراجع سياسة ماكرون عن حساباتها تجاه المملكة المغربية التي تعد شريك موثوق به، والشرط الثاني انتظار الانتخابات المقبلة من أجل التعامل مع حاكم بلاد جديد، يقدر حجم العلاقات التقليدية بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية”. 

وختم بلوان، تصريحه  ليؤكد أن “ما وقع أثناء وبعد الزلزال من تصريحات ولغط إعلامي، يؤكد أن المسؤولين من البلدين سيجدون مجموعة من الحلول لإعادة هذه العلاقات إلى وضعها الطبيعي، خاصة وأن البلدان طورا آليات لإعادة تطبيع العلاقات، رغم الأزمات التي عرفتها العلاقة بين البلدين منذ الاستقلال”.

انتقل إلى أعلى