يقرأ حاليا
“النموذج التنموي الجديد” يُربك برامج الأحزاب قبيل الانتخابات التشريعية بالمغرب
FR

“النموذج التنموي الجديد” يُربك برامج الأحزاب قبيل الانتخابات التشريعية بالمغرب

“إذا كان المغرب حقق تقدما ملموسا، يشهد به العالم، إلا أن النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية..”، بهذه العبارات أعلن الملك محمد السادس نهاية صلاحية النموذج التنموي الذي يتبعه المغرب، متحدثا خلال افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان، شهر أكتوبر سنة 2017.
سنتان بعد ذلك؛ بالضبط في شهر ديسمبر من سنة 2019، أُعلن الملك إحداث لجنة خاصة بالنموذج التنموي الجديد، التي ترأسها شكيب بنموسى، السفير الحالي للمغرب بفرنسا، ووزير الداخلية السابق.

ورصدت اللجنة، أربع معيقات تحد من مردودية النموذج الماضي، والمتمثلة أولا في غياب الانسجام بين الرؤية التنموية والسياسات المعلن عنها وغياب رؤية استراتيجية شاملة، فيما يتعلق ثانيها في بطء التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني، وثالثها في محدودية قدرات القطاع العام في صياغة وبلورة خدمات عمومية سهلة الولوج وذات جودة تهم المجالات الأساسية للحياة اليومية للمواطنين ورفاهيتهم. أما المعيق الرابع يكمن في الهوة ما بين القوانين والواقع الاجتماعي. الشيء الذي دفع المواطنين المغاربة للتساؤل إذا ما كانت البرامج الانتخابية للأحزاب ستعتمد استراتيجية خاصة أم ستعمل على تنزيل توصيات النموذج التنموي الجديد؟

أزمة ثقة

بحسب شكيب بنموسى، رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد هناك “أزمة ثقة يعيشها المغرب، لا تقتصر على المواطنين العاديين في المناطق المعزولة بل يعبر عنها حتى مسؤولون، وأنه رغم الجهود المبذولة، هناك إحساسا بأن الأوضاع في تراجع لا في تقدم، رغم أن الناتج الداخلي الخام قد تطور في السنوات الأخيرة”، وذلك في لقاء مع رابطة الجمعيات الجهوية بالمغرب، يوم السبت 10 يوليوز 2021، بمقر جمعية رباط الفتح بالرباط.

وفي هذا السياق قال كريم عايش، باحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس في الرباط، وعضو المركز المتوسطي للدراسات والأبحاث الدولية، إنه بالرغم من “اختلاف وجهات النظر حول محاور تقرير النموذج التنموي الجديد وسبل تنزيلها، إلا أنه يُعد خطوة هامة على المستوى التدبيري والاستراتيجي الوطني والذي يجعل الدولة المغربية تتوقف للحظة أمام مرآة تقييم النقائص والمشاكل والعقبات، قصد القيام بنقد ذاتي يبسط مكامن الخلل ووضع حلول وخارطة طريق لتنزيلها على أرض الواقع”.

وترى لجنة النموذج التنموي أنه بدون تحول عميق للنظام التربوي، لا يمكن بلوغ أي هدف من الأهداف التنموية المنتظر بلوغها بحلول عام 2035، ومن أبرزها مغرب غني ومغرب يشرك المواطن ومغرب الكفاءات ومغرب مستدام، فضلا عن ازدهار المواطنين والتماسك الاجتماعي والنمو الاقتصادي والإدماج الترابي.

“التقرير عرف ترحيبا من كافة الأحزاب السياسية التي عملت على تزويد اللجنة بتصوراتها وأفكارها لمغرب جديد، حديث ومتقدم” يزيد عايش في حديثه لـ”نقاش21″ متابعا “أنها أيضا اعتبرته تقريرا أدبيا يمنح لها فضاءات واسعة قصد الاطلاع والاقتباس، إذ لم يتهمها بالقصور والنقص، وما تعيشه من أزمات داخلية فكرية وتنظيمية”.

من جهته، قال عتيق السعيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، إن “الأحزاب السياسية يُفترض أنها ساهمت في إعداد التقرير من وجهات نظرها وتصوراتها للمرحلة المقبلة سواء تعلق الأمر بالمحطة الانتخابية أو ما بعدها، وبالتالي إن الهيئات السياسية أمام تصور واضح ودقيق يُعَد خارطة طريق نحو تفعيل برامج تنموية مستدامة”.

أي مغرب نُريد؟

أشار عدد من المواطنين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أن المغرب يسير بسرعتين مُختلفتين، الأولى تضع البلاد في مصاف الدول المتقدمة في عدد من القطاعات، غير أن الثانية تشير لتدنيه بشكل كبير نحو قعر البلدان المتخلفة، خصوصا فيما يتعلق أساسا بمستوى عيش الفئات الأوسع من المواطنين في المجتمع، حيث لا تتحقق العدالة المجالية الاجتماعية وتغيب فيها أسس التوزيع العادل للثروة.

ووصف عايش الساحة السياسية المغربية إثر الانتخابات الماضية بأنها “كانت أقرب إلى حلبة مصارعة منه إلى تنافس شريف دفاعا عن مصالح المواطنين والوطن، وهنا يمكن اعتبار التقرير داهم الأحزاب ليكسب تبنيها له، واعتباره المرجع الجديد الذي يرسم الخطوط العريضة لبرامج الأحزاب في مرحلة الانتخابات”.

“برامج الأحزاب رغم تنوعها، تظل فقاعات انتخابية ووعودا تختفي بعد الوصول للبرلمان، بسبب جنوح المنتخبين للبحث عن تحالفات ومنافع، لذلك لن نقول أن التقرير أحرج الأحزاب أو أربكها لأن البرامج السياسية جاهزة في ثلاجات مكاتبها السياسية؛ لكن التقرير سيدفعها للاشتغال ليتم الانسجام بين ما تصبو إليه الأحزاب وما تضمنه التقرير من توجيهات، وسيكون ملهما لأفكار جديدة خارجة عن المألوف ربما تفاجئنا في تلك الفترة، وليس بعيد أن يتم تبني نفس النصوص من طرف أحزاب أخرى” يزيد عايش في حديثه لـ”نقاش21″.

ويقع على عاتق الحكومة المقبلة 2021 و2026 دور كبير ومسؤولية بالغة الأهمية، في تنزيل رؤية النموذج التنموي، وذلك لن يتم إلا من خلال الخروج من النمطية الكلاسيكية، والتركيز على كل من القطب التنموي، والقطب الاقتصادي والإنتاجي، ثم قطب التخطيط الاستراتيجي.

إقرأ أيضا

“التمرين المغربي”

“النموذج التنموي يعد في حد ذاته تقريرا سياسيا يتضمن في جوهره تعاقدا مع الهيئات الحزبية بغية تبني مضامينه والسعي نحو تفعيله على أرض الواقع، ولن يستقيم دون أن تكون هاته الهيئات تملك من الإرادة السياسية والنخب ما يؤهلها لتفعيله بشكل سليم” يُردف السعيد في حديثه لـ”نقاش21″ مشيرا أن البرامج الانتخابية ما هي إلا أحد المداخل لتفعيل تقرير النموذج التنموي الجديد، من المفروض أن تكون عاكسة للرؤية المُتفق عليها، كي لا نقع في تناقض ما بين التصور والرؤية.

وعلى هذا الأساس، تابع السعيد أن دور الأحزاب السياسية هو العمل على “أن تكون قوة للاقتراح والابتكار فيما يخص كيفية تفعيل النموذج التنموي الجديد، وكذا توفير مناخ سياسي محفز على النقاش العمومي الجاد” مؤكدا أن المغرب يعيش مرحلة دقيقة وتحديات مختلفة تستدعي تضافر جهود القوى السياسية من أجل تجويد الأداء السياسي وجعله يرقى لما تشهده المرحلة من متغيرات بنيوية متلاحقة.

وكان بنموسى قد وصف صياغة نموذج تنموي للمملكة بالتمرين، قائلا “إن دولا قليلة خاضت مثل هذا التمرين، ومن حسن الحظ أن هذا المشروع أطلق على أعلى المستويات في الدولة، وهو في آخر المطاف “ليس تقرير لجنة، بل يتعلق بكيف يُقدم المغاربة أنفسهم وما الحلول التي يرونها لمشاكلهم”.

وزاد إن “اللجنة لو حددت خارطة طريق، لكم أن تتصوروا النقاش الذي كان سيلي ذلك” مضيفا “كان سيُطرح كذلك سؤال الشرعية وموقع الفاعلين الآخرين ونحن قريبون من الانتخابات، التي هي الوقت الشرعي للتباري الديمقراطي بين البرامج، كما أن ذلك كان سيكون معارضا لفلسفة هذا النموذج”.

انتقل إلى أعلى