يقرأ حاليا
خطاب العرش: خارطة طريق لتجديد مدونة الأسرة.. عصيد: جاء بروح مخالفة لروح الفقه التراثي القديم
FR

خطاب العرش: خارطة طريق لتجديد مدونة الأسرة.. عصيد: جاء بروح مخالفة لروح الفقه التراثي القديم

شكل خطاب العرش، لهذه السنة خارطة طريق عالجت مجموعة من المواضيع في مختلف المجالات سواء السياسية منها، الاقتصادية أو الاجتماعية، ولا يختلف اثنان حول الحيز المهم الذي اتخذته المرأة ومدونة الأسرة من مدة الخطاب.

وقد أكد  الملك محمد السادس، بمناسبة عيد العرش، عن وجوب تعزيز مكانة المرأة ومراجعة مدونة الأسرة بما يتماشى مع الشرع. فصاحب الجلالة في خطابه قال “لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”.

مقتطف يطرح العديد من الأسئلة خاصة حول الحدود التي يشملها هذا القول، هل يعنى فقط بمدونة الأسرة أم أنه يمتد ليشمل الحريات الفردية؟ وهل يمكن اعتباره حدودا تم من خلالها التعبير عن الاستعداد لدخول حقبة جديدة في تاريخ التعديلات القانونية؟

مرحلة تاريخية

في هذا الإطار أكد المحلل السياسي، حسن بلوان، في تصريحه لـ“نقاش21” أن “خطاب العرش لهذه السنة جاء مختلفا وشجاعا. كما يمكن اعتباره خطاب الاحتفاء بالمرأة المغربية والدفع نحو النهوض بوضعيتها. فالملك محمد السادس أعطى تعليماته الصارمة من أجل تطبيق مدونة الأسرة مع تغيير بعض بنودها التي لم تعد كافية”.

وأردف المتدخل قوله بأن “هناك توجه نحو بناء مدونة تقوم على أسس جديدة، فجلالته أقر بأنه لن يحلل ما حرمه الله ولن يحرم ما أحله الله، وهي نفس العبارة التي قالها بعد بإصدار مدونة الأسرة والتي اعتبرت آنذاك ثورية، وبالتالي تمت الاستجابة لمجموعة من الفعاليات النسائية والمنظمات والأحزاب”.

وجوابا حول حدود هذه التغييرات وما إذا كانت ستطال الحريات الفردية كذلك، أوضح بلوان، في تصريحه أن “هناك نقاش وطني على مستوى واسع يطالب بإعادة النظر في القانون الجنائي خاصة فيما يتعلق بالحراسة النظرية، والبندين 490 و492 المتعلقين بالحريات الفردية ثم هنالك نقاش خاص بالمدونة.

وبالتالي حسب المتدخل ذاته فإن الاتجاه يسير نحو تغيير بعض مضامين المدونة بالإضافة إلى القانون الجنائي، لكن وفق مجموعة من المحددات والشروط وأولها مراعاة التدرج والتشاركية والشمولية بإشراك الجميع، من فاعلين مدنيين وفقهاء وقانونيين وجميع المعنيين بقضايا المرأة والقانون الجنائي للاستجابة لمطالب المجتمع المغربي بكل مكوناته. مع الحفاظ على النواة الصلبة للأسرة المغربية كأساس صلب للتوازن المجتمعي في المملكة. وتحقيق المساواة والمناصفة كخيار دستوري لا رجعة فيه تضمنته الوثيقة الدستورية وباقي القوانين ذات الصلة.

“دخول المغرب غمار الحريات الفردية مسألة حتمية لينسجم مع المواثيق الدولية التي صادق عليها، وذلك لا يمكن دون تغيير وتحيين مجموعة من بنود القانون الجنائي ومدونة الأسرة التي أصبحت متجاوزة”، يقول حسن بلوان.    

في مقابل هذا لا يمكن تجاوز الهوية الوطنية المبنية على أسس الدين الإسلامي حسب ما أوضحه المحلل السياسي وذلك وفقا لما جاء به الدستور. وانطلاقا من هذه المحددات يمكننا القول إن هناك رغبة في القيام بتعديلات تخص مدونة الأسرة وتمتد لتشمل القانون الجنائي وفق مستجدات العصر ووفق متطلبات المجتمع المغربي بما يساهم في التوازن المجتمعي مع ضمان الحريات الفردية المتقدمة والجماعية الحداثية. 

روح مخالفة تطبع الخطاب

أحمد عصيد، الباحث والحقوقي، أكد بدوره في تصريحه لـ“نقاش21” على أن “خطاب العرش هذه السنة تحدث بروح مخالفة لروح الفقه التراثي القديم، هذه الروح التجديدية التي تؤطر الخطاب نعتبرها ضرورية في المرحلة الحالية، على اعتبار أن كل ما يتعلق بالحقوق والحريات وله علاقة بنصوص دينية سابقا سيقرأ قراءة اجتهادية حسب المصلحة وحسب السياق الراهن لأن الغلط الذي يقوم به المقلدون لا يأخذون بعين الاعتبار واقع الأفراد”.

إقرأ أيضا

وأردف المتدخل حديثه، بأن “الموضوع يتعلق بمدونة الأسرة بالدرجة الأولى بينما الحريات الفردية تتعلق بالقانون الجنائي، وفي الواقع فإن الاثنين يستلزمان مراجعة شاملة”.

فالمدونة أصبحت متقادمة بعد مضي 18 سنة على استعمالها في المحاكم حسب عصيد، والتي “تبين أنها تحمل ثغرات كثيرة إضافة إلى وجود مواد لا تتطابق مع الواقع فحالات النساء وواقعهن أظهر محدودية هذه النصوص، مما يجعل من الواجب القيام بمراجعة شاملة تمكن المرأة من حقوقها. والخطاب الملكي يسير نحو هذا الاتجاه من أجل تمكين المرأة من جميع حقوقها”.

وأضاف المتحدث ذاته، أن حديث الملك في خطابه عن السماحة والوسطية وعن الفكر المقاصدي والاجتهاد والانفتاح. كلها مفاهيم تعني أن المقاربة ستكون اجتهادية تقدمية منفتحة على المستقبل وليست بمنغلقة في إطار الفقه التقليدي والذي اعتبره المتحدث عينه أنه “السبب في الكثير من المشاكل خاصة المتعلقة بالمساواة بين الجنسين وما يتعلق بالحريات الفردية التي لا يمكن النظر إليها انطلاقا من المنظور التراثي مطلقا على اعتبار أن هذا المفهوم يتصف بالحداثة”.

وفي نفس السياق أشار الحقوقي، إلى أنه “يجب خلق نوع من الملاءمة بين النصوص الدينية المعتمدة في القانون والواقع الإنساني. وكل ما لم يعد يلائم الواقع لا يمكن اعتماده أو العودة إليه”، وفق تعبيره.

وختم تصريحه بالقول إن “الخطاب الملكي جاء لإعطاء خلاصة لما وصلت إليه الدولة، علاوة على إبداء موقف فيما هو مطلوب اجتماعيا أي جواب على المطالب الاجتماعية. والخطاب كان جوابا على ثلاث قضايا أساسية وأولها وجوب مراجعة مدونة الأسرة، بالإضافة إلى ما تعرفه البلاد من ارتفاع في الأسعار مع التأكيد على وجوب خفضها، كما كانت جوابا حول كل ما يتعلق بقضايا الاستثمار وعوائقه، زيادة عن الحديث حول موضوع التغطية الاجتماعية وبالتالي فالخطاب هو دائما استجابة للمطالب المطروحة اجتماعيا”. 

انتقل إلى أعلى