يقرأ حاليا
أزمة البيجيدي..تراجع منسوب “الدعوي” لصالح “السياسي” وحرق ورقة “القوة التنظيمية”
FR

أزمة البيجيدي..تراجع منسوب “الدعوي” لصالح “السياسي” وحرق ورقة “القوة التنظيمية”

بدأت “معركة” الترشيحات تلقي بظلالها “السوداء” على عدد من فروع حزب العدالة والتنمية، كان آخرها التوتر الذي شهدته دائرة سطات، بعد تزكية الأمانة العامة لمرشح لم يرد إسمه ضمن الأسماء التي رشحتها الفروع والأقاليم، وأيضا عدد الإستقالات التي قدمتها قيادات محلية بفرع آسفي، وقبل ذلك الوضع المتوتر جراء حل فرع الحزب بجماعة تمارة وفرض مرشح الأمانة العامة، ما دفع الكاتب الجهوي للحزب عبد العالي حامي الدين لمراسلة القيادة معددا الإختلالات التي شابت عملية الترشيح.

في هذا السياق أكد مصدر مطلع لـ”نقاش 21″ أن القواعد في سطات غاضبون بسبب اختيار الأمانة العامة مرشحا مسؤولا بإحدى الوداديات متابع في قضية نصب على منخرطين، بالإضافة إلى أن المسؤولين المحليين المعارضين لترشيحه يسوغون رأيهم بضعف حصيلته التدبيرية كرئيس جماعة ونائب برلماني.

وقد دفع قرار الأمانة العامة بتزكية المرشح المذكور كل الكتاب المحليين إلى تقديم استقالتهم احتجاجا على فرض مرشح خارج الأسماء الثلاثة التي رفعتها الفروع إلى القيادة لاختيار أحدها.

وقد عزى مراقبون ما يجري في حزب العدالة والتنمية من صراعات تنظيمية إلى استسلامه لدورة الحياة السياسية التي تصيب الأحزاب بصفة عامة بعد مرحلة التأسيس والقوة ثم التراجع حسب طبيعة كل تنظيم سياسي وهويته وبرنامجه.

 

تراجع منسوب “الدعوي” لصالح “السياسي”

الأستاذ الباحث والمحلل السياسي، حسن بلوان، أكد أن ما وصل إليه الحزب اليوم من حرب في المواقع والتزكيات والترشيحات كان منتظرا بفعل الانحراف الذي شهده عن مبادئه الأساسية ومنطلقاته الأخلاقية التي كانت سابقا مصدر قوته التنظيمية بالإضافة الى اتساع الهوة بين قيادة الحزب وقواعده الغاضبة التي فضل الكثير منها مغادرة الحزب والإلتحاق بأحزاب اخرى.

وفي نفس السياق أكد بلال التليدي، الباحث في العلوم السياسية، أن المنطق التربوي كان يشجع مبدأ عدم ترشيح الفرد لنفسه، وكانت سلطة الأمانة العامة لتغيير مخرجات هيئات الترشيح جد مقيدة، وكان التنظيم متماسكا، تقل فيه الخلافات السياسية، وكانت شرعية القيادة في أعلى مستوياتها بسبب ضمها لجميع الحساسيات، وكان جيل التأسيس والذي بعده، يدير هذه المسطرة ويستفيد منها، وربما يعتذر، وفي أحيان كثيرة، تقوم التحديات الخارجية بدفع الجسم التنظيمي إلى استيعاب الخلافات، والدفع بمقولة: “لا لجلد الذات، فالمرحلة تقتضي وحدة الصف”.

أما اليوم يتابع التليدي، فقد تغيرت هذه المؤشرات والتحقت أجيال جديدة، انتسبت للحزب بدوافع سياسية لا بدوافع حركية دعوية، وهي تؤمن بأن الديمقراطية الداخلية هي أقوى من سلطة القيادة في “التعيين عبر التزكية”، وتؤمن أيضا بتداول النخب، وأن فتح المجال لشهوة الخلود في المنصب يعطل المشروع ويقتل روحه. بالإضافة إلى أن هناك مشكلات تنظيمية وشرخ قيادي، وضعف في منسوب الشرعية والثقة بين القواعد والقيادة، وهناك فوق هذا وذاك حساسية شديدة من إعمال المساطر بطريقة لا ديمقراطية لتوسيع دائرة الولاءات أو كسر إرادة المعارضين.

تصدع القوة التنظيمية

الصراعات التي يشهدها الحزب في مجموعة من المناطق المغربية والمدن الكبرى مع قرب الاستحقاقات التشريعية والجماعية المصيرية تؤشر على بداية تصدع الماكينة الانتخابية للحزب، وخصوصا في ظل إقصاء مجموعة من الأسماء البارزة أو المثيرة للجدل من اللوائح الانتخابية كالمقرئ أبو زيد وماء العينين…يقول بلوان.

في السياق ذاته يرى التليدي، أن المسطرة المعتمدة داخل العدالة والتنمية قد استنفذت أغراضها، وذلك لسببين، يتعلق الأول بسلطة الأمانة العامة في التزكية (سلطة الإضافة) التي أضحت أكبر من سلطة الترشيح من القاعدة، أما الثاني فيهم الرصيد الروحي والتربوي الذي كان يدعم هذه المسطرة، والذي لم يعد يقوم بدوره السابق، وذلك بسبب أزمة ثقة وأزمة شرعية بين القواعد والقيادة.

إقرأ أيضا

وعاد بلوان للتأكيد على أن هناك تغيرات جذرية أصابت بنية الحزب التنظيمية، فغياب كاريزما القيادة  والتراشق الاعلامي بين تياراته وصراعات الأجنحة أصبحت ظاهرة للعيان بعد سنوات من التكتم والحرص دون انفجار هذه الصراعات في النقاش العمومي. ويجمع المتتبعون لمسار الحزب أن الخرجات والتصريحات غير المتوازنة للأمين العام للحزب السابق عبد الاله بنكيران ساهمت بشكل أساسي في هذا الترهل التظيمي والتراجع الملحوظ لقوة وجاذبية الحزب الذي أصبح مهددا بالانقسام في أكثر من أي وقت مضى، بالاضافة إلى ذلك فإن تقديم مجموعة من المسؤولين في الحزب لاستقالتهم مرات عديدة والتراجع عنها أصاب صورة الحزب في مقتل، وخاصة وأن الطريقة التي تتم بها هذه الاستقالات تشكك في نوايا هذه القيادات ( بنكيران، الرميد، الأزمي، الحلوطي).

صراع الأجيال

رغم احتكام الحزب إلى مساطر داخلية صارمة في تدبير الاختلاف والنقاش الداخلي إلا أن ضعف القيادة الحالية ساهم أساسا في تراجع قوته التنظيمية التي كان يضرب بها المثل بين الأحزاب المغربية، يوكد بلوان، مشيرا أن القيادة الحالية عرضة للانتقادات من القواعد ومن الفروع والتنظيمات الموازية خاصة الشبيبة التي تجاهر بولائها للأمين العام السابق، وقد دفعت أكثر من مرة بعقد مؤتمر استثنائي لتغيير القيادة وتجديد مسار الحزب وتصحيح انحرافاته، لكن طموح ورغبات تيار الاستوزار كانت الأقوى مما أدخل الحزب في دوامة من الخلافات و الصراعات انعكست سلبا على نتائجه في مجموعة من المحطات كالانتخابات الجزئية وممثلي المأجورين والغرف المهنية

ومن جانبه أوضح التليدي، أن واقع تقليص نسبة الحظوظ بفعل القاسم الإنتخابي الجديد، جعل المسطرة المعتمدة داخل الأمانة العامة محل تساؤل كما جعل سلوكها أيضا محل نقد واعتراض، وبالرغم من اعتذار أغلب الوزراء وأغلب أعضاء الأمانة العامة، إلا أن واقع الندرة، أجج الصراع داخل العدالة والتنمية،  وكشف وجود صراع أجيال داخل التنظيم.

وعموما يمكن القول أن هوة الصراع داخل الحزب زادت حدتها وخروج هذه الأزمات الى العلن مؤشر خطير على مصداقية الحزب الذي طالما راهن على خطاب الأخلاق والمظلومية، لكن تواضع تجربته في قيادة الحكومة وتدبير الشأن العمومي أثار غضب القواعد والأعضاء بقدر ما أثر سخط مواطنين، على حد تعبير بلوان.

انتقل إلى أعلى