يقرأ حاليا
“بلوكاج” المعارضة.. هل هو سباق الأحزاب نحو الغنيمة أم هروب من “المقبرة”؟
FR

“بلوكاج” المعارضة.. هل هو سباق الأحزاب نحو الغنيمة أم هروب من “المقبرة”؟

اشتد سباق الارتماء في أحضان الحكومة، بمجرد إعلان حزب الأحرار عن انطلاق مشاورات تشكيل الأغلبية. وبدأت الأحزاب تتهرب من  المعارضة، أو “المقبرة السياسية”. وإثر ذلك، دعا مجموعة من المتابعين للشأن السياسي، الأحزاب المغربية بضرورة الانخراط في المعارضة بقناعة، في ظل دستور يمنح صلاحيات واسعة، والتأكيد على أنه لا وجود لحكومة مُتماسكة بدون معارضة قوية، وعدم ترك مقعد المعارضة فارغاً للشارع.

 

 وقد منح الدستور المغربي لـ 2011، جملة من الحقوق للمعارضة، بحيث اعتبرها المُشرع، مكون دستوري في مجلس البرلمان بغرفتيه، وتشارك في وظيفتي التشريع والمراقبة طبقا للفصل 60 من الدستور.”

ولحدود اللحظة، لم يُعلن سوى حزبين، عن استعدادهما، للاصطفاف في المعارضة. ويتعلق الأمر بكل من حزب “المصباح” وحزب التقدم والاشتراكية، من جهة أخرى أعلن الجميع عن رغبتهم في دخول الحكومة، بما فيهم حزب الأصالة والمعاصرة، الذي بنى حملته على مهاجمة الأمين العام لحزب الاحرار، بعدما وجه له سيلا من الاتهامات خلال الحملة الانتخابية.”

 وقال هشام الإدريسي الباحث في العلوم السياسية، إننا “نشاهد لأول مرة، سيناريو هروب جماعي من المعارضة، في ظل دستور يضمن لها حقوقاً، ستشكل بها توازن النظام السياسي، والبناء الدستوري والمؤسساتي”.

وفي هذا السياق، أكد عمر الشرقاوي المحلل السياسي، أن “قرار التموقع في المعارضة والأغلبية ليست نزهة في حديقة بل قناعة واختيارا شاقا، ينبغي أن يبنى على عدد من الأسس منها نتائج الاقتراع وكلمة الشعب أولا، وعلى مدى التقارب الأيديولوجي والفكري ثانيا، وبناء على التقاطعات بين البرامج الانتخابية ثالثا، وتأسيسًا على سوابق العلاقة بين الأحزاب سواء داخل الأغلبيات أو المعارضات السابقة”. 

“مضاربة” على الأغلبية

صرح عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، في كلمة له خلال لقائه مع برلماني الحزب، بأن “الانتخابات وجهت رسائل ديمقراطية داخلية، واختارت بوضوح أغلبية سياسية مكونة من ثلاثة أحزاب فقط ، وقد تشكل في حالة نجاح المشاورات، أرضية مواتية وغير مسبوقة لتشكيل تحالف سياسي مشروع ومنسجم، اختارته الصناديق بكل ديمقراطية وحرية وشفافية”.

وأكد وهبي أنه قد “تجاوزنا صراع المواقع مع حزب التجمع الوطني للأحرار، ودشنا مرحلة جديدة برسائل إيجابية جيدة من هذا الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات والمكلف بتشكيل الحكومة، ونعمل حاليا على دراستها والتفاعل معها بإيجابية أكبر، خدمة للصالح العام وترسيخاً للاختيار الديمقراطي ببلادنا” على حد قوله.

وفي رد له على وهبي، عبر الاتحاد الاشتراكي، عن رفضه انضمام حزب الأصالة والمعاصرة للحكومة، مؤكدا بأنه “الأجدر لدخول الحكومة،”، مشددا في رسالة تحمل عنوان “المبادئ والأهداف في تشكيل الحكومة” إنه “تفاديا لإفراغ التناوب الجديد من محتوياته، لا يمكن إغفال صوت الناخب المغربي الذي اختار إنهاء مرحلة التردد والقطبية المصطنعة، بكل ما في الكلمة من معنى، ولا يمكن “تأثيث” التناوب الجديد بآليات قديمة، قال المغاربة كلمتهم بشأنها.”

وأضافت الرسالة المنشورة بجريدة “الاتحاد الاشتراكي” أن “تشكل المشهد الحزبي لما بعد الاستحقاقات يبين المنحنى التصاعدي لأحزاب بعينها، تضاعف عدد مقاعدها منذ الاستحقاقات السابقة، وكان الاتحاد جزءا من هذه الخارطة الجديدة، بحيث زاد عدد مقاعده بنسبة تقارب الضعف، ونفس الشيء لأحزاب أخرى، في حين تراجعت أحزاب القطبية المصطنعة، بشكل يوضح رسالة الناخب المغربي.”

  خوف الأحزاب من “المقبرة السياسية”

أكد عمر الشرقاوي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بكلية الحقوق بالمحمدية، أن  “المعارضة ليست عقابا” مؤكدا بأن “معظم أحزابنا تعتقد أن لعب دور المعارضة هو بمثابة عقاب سياسي ومكان من لا مكان له في مقاعد الحكومة بل هناك من يعتبرها مقبرة سياسية يدفن فيها موتى الانتخابات، والواقع والدستور يقولان العكس، بل يعطيان للمعارضة شأنا كبيرا لم تستوعبه طبقتنا السياسية لحد آن وليس هناك أي مؤشر استيعابه قريبا.”

 “ولولا مكانة المعارضة لما خصص لها الدستور الحالي عددا من الفصول تظهر دورها الحيوي في ضمان توازن النظام السياسي، وفعالية البناء الدستوري والمؤسساتي” يقول الشرقاوي المتخصص في الشؤون السياسية”.

وأضاف الشرقاوي، أنه “لا يعقل أن يصطف قادة الأحزاب طوابير طويلة أمام مقر الحزب المتصدر، وكأنهم مجموعة من الركاب ينتظرون أن يمر “الطوبيس” العمومي لنقلهم لوجهته، وفي خضم هذا الانتظار المقلق هناك من يريد أن يركب مجانا، وهناك من يستعطف السائق لكي لا يتركه في محطة الانتظار خوفا من القدر، وهناك من يود الصعود لسرقة شيء ثمين لا يستحقه وهناك من يختبئ وراء ظهر من يستحق الصعود ليركب كطفل تحمله أمه”.

“كفى من هاته الصورة السيئة التي تقدمون، يقول الشرقاوي، “فلم يذهب 51 في المائة من الكتلة الناخبة، الى مكاتب التصويت لتجد نفسها أمام هذا المشهد العبثي، الذي يجعل الكل كالأطفال يتسابقون لحجز مقعد في الحكومة”.

الحقائب تسيل لعاب أطر الأحزاب

قال محمد شقير، المتخصص في العلوم السياسية، إن “التموقع ضمن المعارضة لا يغري جل الأحزاب، نظرا لعدة عوامل من أهمها طموح أطر الأحزاب في تقلد الحقائب الوزارية بكل ما توفره من امتيازات واعتبار معنوي وسياسي، مشيرا إلى أنه “ما يزكي هذا رفض الوزير الاستقلالي الوفا التخلي عن منصبه، عندما قرر حزبه الانسحاب من حكومة بن كيران والنزول إلى المعارضة، كما رفض وزير الصحة أنس الدكالي، التخلي عن منصبه بعدما قرر حزب التقدم والاشتراكية المتوقع بالمعارضة”.

 “إضافة إلى ذلك الأحزاب لا ترى أي مصلحة في البقاء في المعارضة، خاصة وأنها عادة لا تمتلك أية إمكانيات عملية، رغم كل ما نص عليه دستور فاتح يوليوز من مقتضيات، حيث تجد المعارضة صعوبة في تمرير مشاريعها، او الضغط على الحكومة لتغيير قراراتها، فهناك مسطرة معقدة لطرح ملتمس رقابة يمكن أن يطيح بأغلبية حكومية”، يقول المحلل شقير. 

وأشار شقير في تصريح هاتفي لـ”نقاش 21″، إلى أن “الأحزاب اليوم لم تعد لها القدرة من تعبئة الشارع، لضعف منظومتها الموازية والنقابات والتنظيمات الشبابية والنسوية. وبالتالي فعادة ما تتحول المعارضة إلى معارضة منبرية، تحصر عملها في تقديم الأسئلة الكتابية والشفوية، دون أن يكون لذلك أي تأثير سياسي أو شعبي”، يقول المتحدث ذاته.

الدستور يمنح مهام واسعة للمعارضة

 جاء دستور 2011 ليعزز مكانة المعارضة، بحيث ضمن لها  مكانة تعطي لها حقوقاً، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية.

ويضمن الدستور، بصفة خاصة، للمعارضة الحقوق التالية: حرية الرأي والتعبير والاجتماع، وحيزا زمنيا في وسائل الإعلام العمومية يتناسب مع تمثيليتها، مع الاستفادة من التمويل العمومي وفق مقتضيات القانون.

كما ضمن  الفصل 10 من دستور 2011، للمعارضة،  “المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، لاسيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان، مع المشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، لاسيما عن طريق ملتمس الرقابة، ومساءلة الحكومة، والأسئلة الشفوية الموجهة للحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق”.

كما اعطى الدستور للمعارضة إمكانية المساهمة في اقتراح المترشحين وفي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وتمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسي البرلمان، مع رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب”. كما أشار الدستور أن المعارضة سيتم “توفير لها  وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية”.

وقد نص الفصل 82 أيضا إلى أنه: “يخصص يوم واحد على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين، ومن بينها تلك المقدمة من طرف المعارضة”. ما يعني تخويل المعارضة إمكانية تقديم مقترحات قوانين وإلزام البرلمان بدراستها. نظرا لكون منطوق هذا الفصل جاء لتعزيز مشتملات الفصل العاشر ونقلها من مجال التنصيص إلى مجال الأجرأة، خصوصا ما يتعلق منه بالمشاركة الفعلية في مسطرة التشريع عبر تسجيل مقترحات في جدول أعمال مجلسي البرلمان، ولتفادي محاصرة الأغلبية لمقترحات المعارضة تم التأكيد على ضرورة تخصيص يوم واحد في الشهر للتداول حول مقترحات القوانين  ومن بينها تلك المقدمة من قبل المعارضة”.

كما نص الفصل 67 من دستور 2011، على إمكانية تشكيل اللجان بطلب من ثلث أعضاء المجلس المعني بشرط ألا تكون وقائع تشكيلها موضوع متابعات قضائية، وبالتالي لم يعد مشكل النصاب عائقا أمام المعارضة، خصوصا بعد إعطائها نسبة من المناصب الرئيسية في اللجان كرئاستها، ومقرري اللجان توازي نسبة المقاعد النيابية التي تحتلها في المجلس، وهو ما جاء في الفصل 69 عندما نص على أنه: “مع تخصيص رئاسة لجنة أو لجنتين للمعارضة على الأقل مع مراعاة مقتضيات الفصل 10 من هذا الدستور”.

كما أن مسألة التخفيض من النصاب القانوني للتوقيع على ملتمس الرقابة يشكل سلاحا جديدا في يد المعارضة التي ستصبح بإمكانها تجميع عدد معقول من الموقعين وبالتالي سهولة تحريك مسطرة نفاذ هذه الآلية، فلقد نص الفصل 105 من دستور 2011، على أنه: “لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بالتصويت على ملتمس الرقابة ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس”. 

انتقل إلى أعلى