يقرأ حاليا
التربية الجنسية تحت مجهر الخبراء.. “حشومة وعيب” أغلال التعلُّم
FR

التربية الجنسية تحت مجهر الخبراء.. “حشومة وعيب” أغلال التعلُّم

لا تزال التربية الجنسية موضوعاً محظورا داخل مجتمعاتنا المغاربية، فهي تكاد تكون أمرا شائكا يصعب الحديث حوله، وذلك تحت ذريعة “حشومة وعيب”. وفي ظل هذا الصمت وانعدام الرغبة في إدراج التربية الجنسية ضمن المقررات التعليمية، جعلت المراهقين والشباب في حاجة إلى البحث عن بدائل تطور ثقافتهم الجنسية والإلمام بهذا العالم الذي يعتريه الغموض.

 

ومن أجل الحصول على هذا المطلب يلجأ العديد من المراهقين لمواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين إياها مساحة آمنة للنقاش حول العلاقة مع الآخر، والحب، والجنس، والزواج، بالإضافة إلى الصحة الجنسية.

فالعالم الافتراضي يسهل التخفي فيه، فهو يترك للآخر التعبير بحرية، واكتشاف معالم الحياة، وهنا يكمن الإشكال، فممارسات ناتجة عن جهل المراهق (ة)، قد تجعله معرض للتشبع بأفكار مغلوطة حول التربية الجنسية هذا إن لم يصبح ضحية التحرش أو الاعتداء الجنسي.

إذا هل يمكن اعتبار مواقع التواصل الاجتماعي مرتع آمن لتلقي المراهقين مفاهيم ومضامين التربية الجنسية؟ وكيف يمكن أن تؤثر مثل هذه الممارسات على الصحة الجنسية للمراهق؟ وما هي الآثار النفسية والمجتمعية المحتملة في حالة انتشار معلومات مغلوطة حول هذا المجال داخل العالم الافتراضي؟ 

وفي هذا السياق يؤكد محسن بن زاكور، مختص في طب النفس الاجتماعي، أنه من “الممكن الجزم بأن مواقع التواصل الاجتماعي ليست وسيلة ولا معيار للتثقيف في أي مجال، نظرا لغياب المرجعية وعدم معرفة المتحدث، كما تساءل بنزاكور قائلا : “هل المتلقي مهيئ للتلقي دون تأطير؟، خصوصا وأن هذا المجال شائك ويشغل اهتمام الرأي العام فهو مرتبط بالعلاقات الإنسانية في إطار الحميمية أو ما نسميه بالحياة الجنسية”.

الحياة الجنسية

“الحياة الجنسية تعتمد في التربية الجنسية على الآخر، يوضح بنزاكور قائلا “وبالتالي إشكال الاعتراف بالآخر، وفهمه، وعدم الوصول إلى مرد الأنانية وإلقاء اللوم على الآخر بدون تحمل المسؤولية، فهذه كلها محاور تدخل في إطار التربية الجنسية وليس فقط الممارسة كما يعتقد العديد من الأشخاص، لكن على العكس من ذلك فهذه التربية تهدف أساسا إلى التصالح مع الذات والجسد، والاعتراف بالآخر وربط وسائل تواصلية معه، قائمة على الاحترام والذكاء العاطفي، وهذه الأمور يصعب أن نجدها في وسائل التواصل الاجتماعي”.

“فالمراهق يبحث من خلال هذه الوسائل عن تلك الجزيئة من التربية الجنسية، وهي ربط علاقة مع الآخر، والإشكال أن هذا الآخر يأخذ من هذا العالم وسيلة للتخفي مما يطرح علامات استفهام حول حقيقة وجوده وصدق نيته، ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن مواقع التواصل الاجتماعي ليست وسيلة للتربية الجنسية، فالأخيرة لها أطرها وبيداغوجياتها ومراجعها”، يقول محسن بن زاكور.

وأوضح المختص في علم النفس الاجتماعي، للجريدة الإلكترونية “نقاش 21” أن “العالم الافتراضي بطريقة أو بأخرى يعمل على تخريب الاستيهامات الجنسية، التي يحتاجها الإنسان لبناء علاقة سليمة مع الذات، ولبناء أيضا الرغبة الجنسية مع شرط قبول وتجاوب الآخر”. 

وأضاف المتحدث ذاته، أنه “في مواقع التواصل الاجتماعي يحدث تلاعب بالعواطف وبالتالي المرور إلى الفعل الجنسي عن بعد مما يجعل كلا الطرفين معرضين للابتزاز الجنسي، فكما أصبحنا نتحدث عن العلاقات خارج إطار الزواج المنتشرة في العالم الافتراضي يمكن أيضا الحديث عن الممارسة الجنسية عن بعد، وهذه السلوكيات لا محال تهدد الصحة النفسية، فتبعد الإنسان عن الحميمية والعلاقات الإنسانية والتكامل مع المفهوم الجنسي، فيصبح مجرد ممارسة وليس بعلاقة إنسانية وجدانية عاطفية تفظي إلى لحظة تقاسم الجسد.” 

وشدد بن زاكور “أن هذا التهديد يكسر كل ما يمكن أن نسميه الثقة في الذات وفي الآخر، وبالتالي هذه الواقع لن تكون إلا تهديدا على جميع المستويات النفسية، الجسدية، والعلائقية”.

وأقر محسن بن زاكور، في ختام تصريحه لـ” نقاش 21″ أن “المعلومة حينما تكون خاطئة فمن البديهي أن يكون التكوين مختل، ولهذا فالمراهق سيخرج للوجود الحقيقي، البعيد عن مواقع التواصل الاجتماعي، فيجد نفسه بعيد عن المعنى الحقيقي للحياة والتربية الجنسية، وبالتالي تجعل المتلقي يعتقد أن الفعل الجنسي هو الهدف، وأن من حقه التطاول على الآخر، الشيء الذي يفضي إلى بعض السلوكيات الغير مرغوب فيها داخل المجتمع كالاعتداء الجنسي، والاغتصاب، والتحرش وغيرها من الممارسات المرضية، المتواجدة من قبل لكن مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي زاد تفاقم الجهل في مجال التربية الجنسية”.

تضافر الجهود هو الحل

أمال شباش، أخصائية في العلاج النفسي والجنسي، تؤكد بدورها لـ “نقاش 21″، أن “داخل مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن الحديث عن أهل الاختصاص في مجال التربية الجنسية، فالموجود داخل هذه المنصات هو مجموعة من الأشخاص يعملون على تقديم أفكار ناتجة عن تجارب خاصة وخاطئة، مع العلم أن المراهقين أو الشباب لا توجد لهم فكرة حول التربية الجنسية في ظل عدم إدراجها ضمن المناهج التعليمية، وهنا يكمن الخطر فحين يتلقى المراهق المعلومة خطأ فهذا يؤثر على نفسيته وعلاقاته وهويته.

وأضافت الأخصائية في العلاج النفسي والجنسي، أنه من “الواجب تضافر الجهود من طرف المختصين والعمل على توعية الجمهور، وهذا لن يحدث إلا بشراكة مع جسم إعلامي قوي”. 

وشددت المتحدثة، على أن “الجمهور عليه الحصول على معلومات من طرف متخصصين، وتجنب اللجوء للأشخاص لا نعرفهم وقد نصادفهم فقط في العالم الافتراضي خصوصا فيما يتعلق بالحياة الجنسية، فهي تحدث تأثيرا مباشرا على نفسية المراهق، فعدم الرضى عن الذات في هذه المرحلة سيجعل الشخص غير قادر على تقديم أي شيء في هذه الحياة”.

فالمراهق يتأثر بسرعة وبطريقة لا واعية وهنا يدق ناقوس الخطر، تشرح شباش أنه “حين التلاعب بأحاسيس المراهق وبأفكاره قد يجعله يسلك طريق آخر يؤثر على نفسيته وحياته أيضا”.

وأكدت أمال شباش، أن “هؤلاء المراهقين يجب أن يتقوى لهم الوعي لمعرفة الجهات المسؤولة عن تقديم معلومة صحيحة وموثوق بها فيما يتعلق بمجال التربية الجنسية، وتجنب من يعمل على استعراض حياته داخل مواقع التواصل الاجتماعي ويقدم نفسه كخبير بحجة الخبرة والتجربة“.

انتقل إلى أعلى