يقرأ حاليا
حوار خاص: التطبيع مع الغش في الامتحانات.. سوسيولوجية تفكك الظاهرة وتكشف الأسباب
FR

حوار خاص: التطبيع مع الغش في الامتحانات.. سوسيولوجية تفكك الظاهرة وتكشف الأسباب

 تم التطبيع بشكل كبير مع الغش في الامتحانات، بمختلف المستويات الدراسية، وانتشار اعتقاد بين الجميع تلاميذ وأساتذة، بأن الكل يغش، وبالتالي أصبح الغش عملية عادية، ومقبولة أخلاقياً ومجتمعياً”.

 

وحديثنا على هذا الموضوع القديم/الجديد، هو ما كشفت عنه وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، مؤخرا، إذ أشارت أن دورة دجنبر 2021 لمباراة توظيف الأساتذة الأطر النظامية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، شهدت تسجيل 104 حالات غش أو محاولات غش، ضمنها 94 حالة من بين المترشحين لوظيفة مدرس بالمستوى الابتدائي.

الغش  أصبح أمراً عادياً، لكن أسباب استفحال هذه الظاهرة مُتداخلة. ولتسليط الضوء أكثر على ظاهرة الغش، أجرت  الجريدة الإلكترونية “نقاش 21” الإلكترونية حواراً مع سعيدة الزين، أستاذة وباحثة في علم الاجتماع.

وفي هذا الحوار، تُبرز الباحثة السوسيولوجية، الأسباب التي تدفع التلاميذ وطلاب للإقبال على الغش، وما مدى تدخل كل من  الأسر، الوضع الاجتماعي، والأستاذ لدفع التلاميذ لسلك طريق الغش؟، وما هي الحلول المقترحة للحد ولو جزئيا من هذه الظاهرة؟

أولا نلاحظ أن هناك تعريفات عدة للغش، نريد منكِ تعريفاً أقرب إلى الواقع؟

الغش هو حالة من الخداع والاحتيال، الموجه لفرد آخر بنية سلبه مجهوده، السؤال هنا من هو هذا الآخر في حالة الغش في الامتحانات؟

الامتحانات هي فرصة حسب المتعلمين للانتقال من قسم الى آخر او سلك لآخر، أو حصول على وظيفة، إذن بهذا المعنى يصبح النجاح هدفاً أساسياً، ويجب بلوغه مهما  كلف الأمر. وتصبح الوزارة في شخص الامتحان الموحد “الباكالوريا مثلا”، هو ذلك الآخر الذي يجب الاحتيال عليه وخداعه من أجل النجاح، ولكن لا يُنظر للغش كإحتيال على التلميذ المجد الذي يعتمد بشكل كلي على مجهوده الشخصي، وذلك في إطار تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص.

  ماهي الأسباب الإقبال على الغش؟

– في الشق الأول، هناك أسباب ترتبط بالمقررات الدراسية في ذاتها، والاعتماد على الذاكرة، والحفظ في مواد من طبيعتها الشحن الكمي بالمعلومة؛ إضافة إلى طبيعة تكرار تمارين تعتمد على الذاكرة في مواد أخرى. إذن هنا طبيعة الامتحانات ذاتها تشجع على الغش، لاعتمادها على الذاكرة والحفظ والبعد الكمي في المضامين. هنا نتساءل أليست هنالك طرق بيداغوجية وديداكتيكية، من شأنها تجاوز شحن التلميذ؟ أم أنه من الواجب إعادة النظر الكلي في المناهج، وفي كيفية تحقيق الكفايات المطلوبة.

في الشق الثاني، هناك ما يرتبط بطبيعة عقلية التلاميذ. في هذه النقطة تجدر الإشارة أن الغش ليس ظاهرة فردية، بل جماعية تتشبع باتفاقية “صوفيني نصوفيك”، أي امنحني إجابات مادة تتقنها، لا أعطيك إجابة مادة اتقنها”.

كما نسجل، نجاح روايات الغش في مقابل فشل أو عدم رضى أصحاب المجهود الشخصي، مما يشجع التلاميذ على الإقبال على “نقيل”، خصوصا اننا في نظام تعليمي يراهن على الاستقطاب المحدود بناء على العتبة. وتحقيق معدلات عُليا سيُمكن التلميذ من تجاوز عقبة الانتقاء القبلي، وبذلك تساوي النقطة الكفاءة.

إقرأ أيضا

 هل هناك علاقة بين الغش في الامتحانات والوضع الاجتماعي؟

 الوضع الاجتماعي ليس محدداً لإمكانية غش التلميذ من عدمها. فكما نجد ظاهرة الغش في المدارس العمومية المستقطبة للفئات الهشة في عمومها، يمكن أن نجدها في المؤسسات الخاصة التي يلج إليها أبناء الطبقة المتوسطة والميسورة. الغش يرتبط بتمثل النجاح في حد ذاته. التلميذ المنتمي للطبقة الفقيرة يرى النجاح إمكانية للانعتاق ودخول الجامعة والمدارس ذات الاستقطاب المحدود في احسن الأحوال، لكن التلميذ من الطبقة المتوسطة والميسورة يرى النجاح آلية لتحقيق حلم إتمام الدراسة خارج الوطن، أو ولوج مؤسسات التعليم العالي الخاص.

 هل تشجع المدرسة والأستاذ على الغش؟

 المدرسة باعتبارها مؤسسة للتربية والتكوين، لا اظن انها تساهم في نشر الغش، الذي من شأنه أن  ينخر المجتمع ككل. التلميذ الغشاش، هو طبيب، قاضي، أستاذ، ومهندس الغد. لكن ما أريد الإشارة له هو ان طبيعة النظام التعليمي الذي يعيش أزمة  إصلاحات متعددة،  له نصيب في هذه المسؤولية. أما بالنسبة للأستاذ فهو الفاعل الموجود في حالة تواجه مباشر مع التلميذ، سواء تعلق الأمر بالفروض أو بالامتحانات الاشهادية. ويمكن أن نحمل مسؤولية للأستاذ في حالة تشجيعه على الغش من خلال اعتماده على الحفظ والذاكرة والاجترار، لكنه ليس المسؤول الوحيد، فالأستاذ في الإطار العام يسهر على السير العادي لاجتياز الامتحانات أثناء الحراسة، ولكن هذا لا ينفي تراخي أو خوف الأستاذ من الممارسات الانتقامية من طرف التلاميذ خارج أسوار مراكز الامتحان. التلميذ  الغشاش ينظر هنا للمراقب كعدو سيُحرمه من فرحة النجاح أو كما يرددون ” بغيت نفرح الواليدة”، وبذلك يصبح الأستاذ عرضة للعنف الجسدي.

 هل للأسرة علاقة بالغش؟

الأسرة هي أهم مؤسسات التنشئة والتربية، لكن نجدها متراجعة عن دورها هذا لصالح الشارع، ومواقع تواصل اجتماعي. الأسرة هي الأخرى هدفها نجاح فلذات كبدها، مما يدفع بعض الآباء والأمهات على تشجيع أبنائهم، على الغش تحت شعار “الغاية تبرر الوسيلة”.

 ما هي الحلول الممكنة تفعيلها لتجاوز هذه الظاهرة؟

لمحاربة الغش لابد من تعبئة كل مؤسسات المجتمع، لأن عقلية الغش هي انعكاس لواقع المجتمع ككل، ويجب اعادة النظر في المضامين، وطبيعة المواد المستهدفة داخل الشُعب، وملائمتها مع المشروع الشخصي للتلميذ لتوفير حافزية من أجل تحصيل أفضل.  كما يجب تغيير نمطية التقويمات والامتحانات. وقبل كل هذا وذاك يجب أن نشجع التلميذ على الفهم والإبداع، لا على الحفظ والاجترار.

انتقل إلى أعلى