يقرأ حاليا
المعارضة الجديدة ستكون على “الديجيتال”.. الاحتجاج افتراضي وبمسرح واقعي
FR

المعارضة الجديدة ستكون على “الديجيتال”.. الاحتجاج افتراضي وبمسرح واقعي

يجب العودة إلى سيرورة بديهية وهي أن الاحتجاج سابقا كان احتجاجا ينطلق وينظم في المركز وكان موقعه الرئيسي هو الشارع العام، لأن جل المحتجين كانوا يبرمجون خوض احتجاجهم في الأقطاب الاقتصادية أو الإدارية للمملكة المغربية بمعنى الدار البيضاء أو الرباط، بعدها جاءت موجة جديدة من الاحتجاجات أسميها “الاحتجاجات الترابية”، تجاوزت حلبات الاحتجاج التقليدية المتمثلة في الأقطاب الإدارية والاقتصادية ولم تعد حكرا عليها لتمتد إلى جميع جهات التراب الوطني.

 

وتباعا أصبح للاحتجاج خاصية جديدة تتمثل في كونه يلبس لبوس الخصوصيات الجهوية والمحلية والترابية، إذن فمن احتجاج مركزي تم الانتقال إلى احتجاج ترابي. أما في السنوات الأخيرة لا سيما بعد سنة 2011، أضحى العالم الافتراضي هو جسر وأساس ومختبر التحضير والتصميم للاحتجاج الواقعي حيث يُبْنَى الاحتجاج افتراضيا ويُمَسْرَحُ واقعيا، لا سيما مع ما تمت مشاهدته والتقاطه إبان حركة 20 فبراير . فالشباب المحتجون كانوا يوظفون تعابير استقوها من الأنترنيت، من خلال مسرحة الاحتجاج وقيامهم بتقمص بعض الأدوار وتجسيدهم لبعض الحركات واستعارة ورسم بعض الوجوه وارتداء بعض الملابس في حلقيات مسرحية والتي يحيل مصدرها وايحاءاتها على الفضاء الأزرق. لكن يظل العنصر المحوري في هذه الصيرورة التي تمتد من المركزي إلى الترابي إلى الافتراضي، هو محدد الدخول إلى العهد الديجيتالي، لأن مقولة العالم الافتراضي هي مقولة عامة، تقابلها مقولة العالم الواقعي، أما مقولة الرقمي فهي مقولة تحيل على الجوانب التقنية وترتبط مثلا برقمنة الإدارة، لكن عندما يتحول الافتراضي إلى محرك فردي وجماعي للتأثير على الواقع والتعبة والمرافعة من أجل القضايا المجتمعية على اختلاف أنواعها فإننا نصبح أمام مقولة العهد الديجيتالي، لا سيما أن كلمة ديجيتال بالإنجليزية تحيل مباشرة على معنى البصمة والأصبع ومجازا على الأفراد والمجموعات ودورهم ووقعهم المباشر على بيئتهم ومحيطهم.

إن تأثير الإنساني أو الفردي يأتي من الأصابع التي يمكن أن تكتب وأن تشارك وأن تنتقد وأن تثمن أو تشجب أوتقاطع أو تنخرط في الاحتجاجات … لهذا انتقلنا من الاحتجاج المركزي والترابي والافتراضي إلى احتجاج أسميه “ديجيتالي”، على أساس أن هذا الاحتجاج الديجيتالي تقابله مواطنة جديدة ذات طبيعة ديجيتالية أي أن التغير تم من المواطنة الواقعية إلى المواطنة الافتراضية ( From Citizenship to Netizenship). بموازاة هذه المواطنة الجديدة ظهرت معارضة جديدة ذات طبيعة ديجيتالية تمارس من أمام الشاشات والهواتف الذكية ومن خارج بنيات المعارضة المؤسساتية التي تظل في نظر المواطنين معارضة دون جدوى في مقابل المعارضة الديجيتالية التي تبقى أكثر وقعا وأكثر انسجاما مع متطلبات المغاربة وتتخذ الفضاء الافتراضي كمدخل لها. كما تمكن الشباب أو المواطنين الافتراضيين من خلال حراكهم ونشاطهم الديجيتالي ( Hacktivism ) من تطوير وإبداع نوع متجدد من الرقابة المواطنة حيث يتدخلون في جميع تفاصيل الشأن العام، وهذه الرقابة المواطنة أعطت مواطنا وشباب أعيد تسييسهم عبر بوابة الفضاء الافتراضي لا سيما أن هذا الفضاء يتيح سهولة وانسياب و”سيولة” و “تدفق” التفاعل والتشارك والتقاسم. ولأن هذا العالم الافتراضي من خلال آلياته التفاعلية مكن الشباب من ولوج ديمقراطية تداولية يكون فيها التداول مفتوحا ومتنوعا ومتعددا، فالجميع نخبة والجميع مثقف والجميع يمكن أن يحتج ويناقش وينافح ويدلي برأيه…

وهذا ما نراه كذلك مع موجة احتجاج الألتراس الذين تمكنوا من نشر أناشيدهم وشعاراتهم من خلال تفاعلاتهم الديجيتالية أولا وكذلك من صناعة الشغف الاحتجاجي، حيث تبنى الأشكال الاحتجاجية في الافتراضي لتمسرح وتطبق و”تلعب” داخل رقعة الملعب. كما أن متن الاحتجاج الألتراسي تم احتضانه من داخل جميع الشرائح المحتجة (أساتذة ومهندسون ومحامون وأطباء …) بل تمكن من تجاوز حدود المملكة المغربية وأصبحت أغاني الألتراس تردد من طرف شباب ومواطني منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ليصير الخطاب الاحتجاجي للألتراس بمثابة قوة وجاذبية تنهل من سردية تَمَغْرِبِيتْ وتدخل فيما يسمى بعناصر القوى الناعمة للمملكة المغربية، أي سيصبح هذا النوع من الاحتفالية الاحتجاجية خاصية مغربية والتي تبنى وتصنع في الفضاء الافتراضي.

إقرأ أيضا

مما يتيح إمكانية استشراف فرضية أن الاحتجاج الديجيتالي سيصبح أساسا ووعاء وإطارا للاحتجاج الواقعي لسنة 2022. فالشكل الاحتجاجي الواقعي سيصمم ويدبر ديجيتاليا وستتم تغطيته ومواكبته ومحاكاته رقميا، فمثلا في مسيرة لمحامين أو لأساتذة أو لمهندسين …، قبل أن يصل المحتجون إلى مكان الاحتجاج يأخذون سلفيات وينشرون على المباشر ويعلنون عن مطالبهم وعن شعاراتهم إلخ.. “نحن متوجهون إلى المسيرة وسنطالب بكذا”.. وإبان الاحتجاج أو خلال المسيرة سيتم تشارك وتقاسم الفيديوهات على أساس أن ما يهم ليس الاحتجاج في صيغته الواقعية، بل الاحتجاج في صيغته الديجيتالية والذي يُمَكِّنُ من تأريخ لحظة الاحتجاج وانتشاره وتأثيره ووصوله لأكثر عدد من المتتبعبن، ذلك لأن المحتج على وعي تام بأن المواطن المغربي صار يعيش ويرابط في الفضاء الافتراضي أكثر من الفضاء الواقعي بالإضافة إلى أن الاحتجاج في صيغته الديجيتالية ينقل الاحتجاج من “واقعة محكية” إلى “واقعة معاشة “لايف” و يتجاوز حدود الوطن ويمكن بالتالي تدويله في حينه وعند حدوثه. كل هذه العناصر تُمَكِّنُ من مسائلة فرضية أن الاحتجاج الديجيتالي أضحى أكثر فاعلية من الاحتجاج الواقعي وتُمَكِّنُ كذلك من استشراف تحول نوعي للمعارضة التي ستصبح معارضة ديجيتالية من خارج المؤسسات.

انتقل إلى أعلى