يقرأ حاليا
من “التهميش” إلى التداول في الحياة العامة.. ماهي مُكتسبات الأمازيغية في المغرب؟
FR

من “التهميش” إلى التداول في الحياة العامة.. ماهي مُكتسبات الأمازيغية في المغرب؟

بعد سنوات طِوال وصفت بـ”تهميش الثقافة الأمازيغية بالمغرب”، شكَّل الخطاب الملكي بأجدير سنة 2001 نُقطة هامة في الإرساء المتين للدولة مع الثقافة واللغة الأمازيغية، حيث أكد الملك محمد السادس من خلاله أن “الأمازيغية مكون أساس للثقافة الوطنية، وتراث ثقافي زاخر”؛ وبالرغم من جُملة الإجراءات المُختلفة التي أتت لتكريس الأمازيغية في قلب الحياة العامة، إلا أن هناك عدد من مُتابعين الشأن العام ينتقدون ضعف تواجدها، وتفعليها الجدي.

 

يشكل الأمازيغ جزءا أساسيا من النسيج الاجتماعي المغربي، ويتواجدون في كافة الأرجاء، بدءا من منطقة سوس جنوبا إلى الريف شمالا مرورا بالأطلسين الصغير والمتوسط، كما لهم وجود في المناطق الواقعة شرقي الأطلس وجنوب سوس، وغيرها؛ فيم نجد أن التاريخ المغربي يزخر بأسماء أعلام الأمازيغ من قبيل طارق بن زياد.

من البداية

كان المُستعمر الفرنسي قد سعى إلى تقسيم المجتمع المغربي من خلال ما عُرف بالقانون البربري الصادر عن سلطات الوصاية بتاريخ 16 مايو 1930، وكان جوهره التمييز بين مناطق الأمازيغ والمناطق المُتحدثة باللغة العربية من قبيل الرباط وفاس، إذ كان الظهير قد نص على إبقاء القضاء في المناطق الأمازيغية خاضعا للمحاكم العرفية التقليدية كما كان الأمر خلال فترة الحماية، في حين تخضع باقي المناطق الأخرى إلى القضاء الرسمي، غير أن المغاربة رفضوا هذا التقسيم، واعتبروا أنه ينضوي على الكثير من التمييز، ويحمل ما يؤدي إلى الانفصال.

إذن، منذ استقلال المغرب في سنة 1956 ظل مطلب تطوير الأمازيغية لُغة وثقافة، مطروحا من قبل مُختلف الأطراف، وظلت نُقطة ترسيم اللغة الأمازيغية تجتاحها حساسية كبرى، فطال الحديث والنقاش في هذا السياق، لسنوات طويلة بين مُطالب جدي لترسيم ودسترة الأمازيغية، وبين رافض لهذا الأمر مُعتقدا أنه سيؤدي لترويج نوعية من الأفكار المُعادية أو الانفصالية؛ فظلت عملية إدراج الأمازيغية في قلب المشهد المغربي مُحتشما، ولم يوجد له موقعا قويا إلا بعد تولي الملك محمد السادس للحكم سنة 1999، إذ واكبته جُملة من الانفتاحات في عدد من المجالات الحيوية. فكان المغرب الدولة العربية الأولى التي ذهبت باتجاه إقرار التعددية اللغوية بشكل رسمي.

وبتاريخ 26 شتنبر 2019، صدر بالجريدة الرسمية القانون رقم 16.26 المُتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك بعد صدور قرار المحكمة الدستورية بتاريخ 5 شتنبر 2019 الذي صرحت بمقتضاه أن أحكام القانون التنظيمي ليس فيه ما يُخالف الدستور.

 

القانون تضمن 35 مادة موزعة على 10 أبواب، من أهم ما جاء فيها، التعريف باللغة الأمازيغية حيث اعتبر ان المقصود منها مُختلف التعبيرات اللسانية الأمازيغية المُتداولة بمختلف مناطق المغرب، وكذا المنتوج اللساني والمعجمي الأمازيغي الصادر عن المؤسسات والهيئات المختصة. ويعتمد حرف تيفيناغ لكتابة وقراءة اللغة الأمازيغية.

ويرى منعيم أمشاوي، مختص في الأمن القومي المغربي ورئيس مركز تفاعل للدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، أن “القضية الأمازيغية في المغرب كانت لسنوات طِوال نقاش سياسي يمس الهُوية، قبل أن تُصبح نقاشا لغويا” مردفا أن “تفعيل الأمازيغية بشكل جدي في المغرب كان يرتبط دوما بهوية الدولة وبالطابع التعددي والتنوع المُتواجد في الثقافة المغربية، إذن فأبرز مكاسب الأمازيغية في المغرب هي الاعتراف الرسمي بها.

“إركام”

شكلت سنة 2001 مُنعطفا جادا في مسار إرساء اللغة الأمازيغية في قلب المغرب، إذ أنه في هذه السنة تم تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بموجب مرسوم وقعه الملك محمد السادس في 17 أكتوبر سنة 2001.
ويهدف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلى تقديم المشورة للملك المغربي في كافة التدابير التي من شأنها الحفاظ على الثقافة الأمازيغية والنهوض بها في جميع تعابيرها، كما يشارك بتعاون مع السلطات الحكومية والمؤسسات المعنية في تنفيذ السياسات التي تعمل على إدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية وضمان إشعاعها في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي.

وإن من أهم النقط التي استطاع المعهد تحصيلها هي اعتماد حرف “تيفناغ” لكتابة اللغة الأمازيغية، بدلا عن اعتماد الخط العربي أو اللاتيني في كتابتها؛ وتتكون أبجدية تيفناغ من 33 حرفا، عمل المعهد على تطوير وتنمية ثمانية خطوط مطبوعة.

في نفس السنة، اعتُمدت حروف تيفناغ من قبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كأبجدية لكتابة اللغة الأمازيغية في المغرب، وهو الاختيار الذي احتدم حوله النقاش سنة 2003 بين مُختلف التيارات الفكرية والسياسية، غير أنه قد تم تتويجه بقرار رسمي يوم 10 فبراير 2003، حيث ستلج لأول مرة اللغة الأمازيغية أبواب المدرسة الوطنية، من خلال إدماجها في تاريخ المنظومة التربوية المغربية.

وتعتبر حروف التيفناغ أبجدية عريقة استخدمها الأمازيغ في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل لكتابة لغتهم الأمازيغية منذ عصور ما قبل الميلاد، غير أنه بحسب عدد من المهتمين بالشأن الأمازيغي، قالوا أن هناك عدد من الظروف السياسية هي التي أدت إلى اختفائها من مجالات جغرافية كبرى ليحتفظ بها الطوارق في جزر منعزلة بالصحراء الكبرى.

واعتبر أمشاوي، في حديثه لـ”نقاش 21″ أن “حرف تيفيناغ هو تعبير سياسي أكثر من كونه يُعنى باللغة، لأن الأمازيغية كما هو معروف من أقدم اللغات الشفهية، وتم استرجاعها وإحيائها مع اكتشاف الحفريات” مشيرا أنه “بعد الاعتراف الرسمي أصبح الحديث يتعلق بالتعدد اللغوي والثقافي في المغرب، أما مسألة إدماج الأمازيغية في قلب الحياة العامة من قبيل الإدارة العمومية والسياسات العامة، فهذا نقاش آخر إذ هناك تنوع في اللسان الأمازيغي، على غرار الدارجة المغربية”.

“النقاش الذي سبق مرحلة الاعتماد الدستوري للغة الأمازيغية، كان مُهما، وتم من خلاله النقاش في ثلاثة طرق من أجل دراسة اللغة الأمازيغية، منها اعتماد الحرف اللاتيني أو اعتماد الحرف العربي، أو اعتماد تيفيناغ، غير أنه من الناحية العلمية واللسانية يصعب على الحرف العربي التعبير عن المعنى الفعلي المُتواجد في اللغة الأمازيغية، وهو نفس المشكل الذي من الممكن الوقوع فيه كذلك بالنسبة للحرف اللاتيني” يؤكد أمشاوي.

الأمازيغية تدق أبواب المُؤسسات التعليمية

سبعة سنوات بعد تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، تم الإدماج المتدرج للأمازيغية في المدارس المغربية من خلال توسيع تدريسها في المستويات الثانوية والإعدادية، على أن يشمل تدريسها مختلف المدارس المغربية مع بداية السنة الدراسية 2008.

وجاء هذا القرار القاضي باعتماد حرف التفيناغ، بعد جُملة من المشاورات مع مختلف الأحزاب السياسية، حيث يُشار أن كل من الحزبين الاستقلال والعدالة والتنمية كانوا من بين المُعارضين له، خلال المشاورات التي تمت بقيادة كل من المستشارين الملكيين، محمد معتصم، ومزيان بلفقيه، مُقابل مُوافقة أكثر من ثلاثين حزبا؛ غير أنه بعد الاعتماد نجح هذا الحرف في تخطي حدود الوطن إلى بلدان مُجاورة كما هو الشأن في ليبيا التي اعتمدت أبجدية تيفيناغ “إركام” في تعليم اللغة الأمازيغية منذ سنة 2012.

لكن ما قبل القرار القاضي بإدماج الأمازيغية داخل المؤسسات التعليمية، تم العمل على جُملة من الأوراش الكبرى من قبيل تهيئة حرف تيفناغ بأيادي خبراء اللسانيات المغاربة المتخصصين في اللغة الأمازيغية، من قبل مركز التهيئة اللغوية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وأيضا تكوين آلاف الأساتذة والأستاذات قصد النهوض بدور تدريس اللغة الأمازيغية، ثم إعداد الكتب المدرسية الخاصة باللغة الأمازيغية حتى تمت تغطية كل المستويات الدراسية في كل من السلك الابتدائي مع الإعداد للسلكين الإعدادي والثانوي التأهيلي.
“إدماج الأمازيغية في الحياة العامة لن يتم بين عشية وضحاها، وأكاديميا من الجلي أنها ستظل محدودة التداول، وهذا أمر عادي، على غرار باقي اللغات المُتداولة” يقول أمشاوي مشيرا إلى أنه “حاليا فقط القلة القليلة ممن لا زال لها مشاكل مع الأمازيغية في المغرب ولا زالت تُغني على لحن نشاز، أما الباقي فيُلاحظ مُستوى التقدم الذي وصلت إليه الأمازيغية والثقافة الأمازيغية”.

وفي الوقت الذي يُعتبر فيه القانون المنظم المتعلق باللغة الأمازيغية بمثابة ثورة في مجال الاعتراف بتواجد وقيمة هذه اللغة، إذ يؤكد على ضرورة إدراج اللغة الأمازيغية في كافة المُستويات التعليمية، فضلا إلى إلزامية اعتمادها بجانب العربية في كل من أشغال الجلسات العمومية للبرلمان وأجهزته، وتوفير الترجمة الفورية لهذه الأشغال من اللغة الأمازيغية، وإدماجها في مختلف وسائل الإعلام العمومية والخاصة، أثير جدل اللغة الأمازيغية من جديد في المغرب من خلال عدم اعتماد البطاقة الوطنية الجديدة أي إشارة إلى الأمازيغية.

الأمازيغية في البرامج الانتخابية للأحزاب

غاب التأكيد على إدماج اللغة الأمازيغية بشكل أكثر في قلب الحياة العامة، في برامج جُل الأحزاب السياسية في برامجها للانتخابات التشريعية، باستثناء حزب التجمع الوطني للأحرار الذي دعا إلى إحداث صندوق تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ضمن الإجراء رقم ثلاثة وعشرين من برنامجه الرسمي.

وبحسب الأحرار، سيستمد صندوق مواكبة ترسيم الأمازيغية موارده من ميزانية الدولة، وستصل إلى 1 مليار درهم ابتداء من سنة 2025، وسيتم تعزيز حكامة الصندوق بإحداث لجنة استشارية تضم ممثلي القطاعات الوزارية المعنية وتنفتح على شخصيات لها إلمام بالقضية الأمازيغية، كما سيتم دعم الحكامة بلجان استشارية جهوية يترأسها الولاة وتضم في عضويتها رؤساء الجهات ورؤساء المصالح الخارجية على المستوى الجهوي.

وفي مستهل حديثه عن هذه النقطة، جاء أن الاعتراف الرسمي بالأمازيغية أتى نتيجة للإرادة الملكية السامية التي مكنت من قطع أشواط كبرى خلال العشرين سنة الماضية، وبدأ هذا المنعطف التاريخي مع خطاب أجدير الذي ألقاه الملك محمد السادس سنة 2001؛ وأكد حزب الأحرار أن “تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، الذي نص عليه دستور 2011، يجب أن يرتبط بالرؤية الاستباقية لصاحب الجلالة”.

ويؤكد حزب “الحمامة” في برنامجه أنه بالرغم من أنه في سنة 2019 تم اعتماد القانون التنظيمي الذي حدد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وآليات دمجها في التعليم ومختلف مناحي الحياة، إلا أن الطريق ما زال طويلا لأن الاعتراف ينبغي ألا يقتصر على الحقوق الثقافية واللغوية، بل يجب أن يمتد ليشمل تدارك تأخر التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

“من حق المرأة الأمازيغية أن تتلقى العلاج على يد طبيب تستطيع أن تُحاوره بلغتها، ومن حق المُتقاضي الأمازيغي أن يستعين بخدمات مترجم لاستيعاب الحكم، ومن حق التلميذ الأمازيغي الاعتماد على لغته الأم لاكتساب المعرفة” يردف البرنامج ذاته.

ويرى الأحرار أن الإرادة السياسية القاضية بالمضي قدما في ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية لن تكون ذات جدوى، في غياب تعبئة الموارد المالية اللازمة لتحقيق هذا الطموح، ومن ثم، فإننا ندعو إلى إحداث صندوق لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، كآلية مالية للدولة من أجل إدماج الأمازيغية في مجالات التعليم والتشريع والعمل البرلماني والمعلومات والاتصال والإبداع الثقافي والفني فضلا عن استعمالها في الإدارات وفي مجموع المرافق العمومية.

انتقل إلى أعلى