يقرأ حاليا
صحون في الشفاه وبطون ممتلئة.. معايير “غريبة” لقياس الجمال في القارة السمراء
FR

صحون في الشفاه وبطون ممتلئة.. معايير “غريبة” لقياس الجمال في القارة السمراء

منذ قرون خلت، وإفريقيا تعد مهد الحضارات الإنسانية، فتعاقب الثقافات على القارة السمراء خلفت لها رصيدا متنوعا ومختلفا، سواء بالنسبة للمأكل، أو الملبس، أو من ناحية العادات والتقاليد، فتعدد الروافد الثقافية مكنت الإنسان الإفريقي، من وضع بصمة خاصة خارج المجر.

 

ولعل معايير الجمال داخل القارة أكبر دليل على هذا القول، خصوصا وأن الشعوب الإفريقية حطمت هذه المعايير. ففي الوقت الذي تقرن فيه معظم المجتمعات جمال المرأة بمدى بياضها ورشاقة قوامها، ونعومة شعرها، فإن ساكنة إفريقيا تجذبها معايير مختلفة، وعلى أساسها يستعد الكثيرون دفع الكثير من أجل الحصول على زوجته وفارسة أحلامه.

تختلف مقاييس جمال المرأة في نظرة كل رجل وامرأة، بحسب اختلاف البيئة والثقافة، فالجمال لم يعد له معيار أو مقياس تحدد على أساسه جاذبية وأنوثة المرأة، فما يراه البعض جميلا في مجتمع معين قد يراه البعض الآخر عكس ذلك.

من خلال هذا التقرير، نقدم لكم أغرب معايير الجمال في القارة السمراء:

  1. البدانة:

كل سنة تجرى العديد من عمليات التجميل الهادفة إلى إبراز جسم المرأة والتخلص من الوزن الزائد، لكن العكس هو الملاحظ في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، وبلاد شنقيط، كما في مختلف الدول الإفريقية. يفضلون المرأة السمينة، ولكن ليس أي امتلاء بل الامتلاء الذي يعمل على إبراز قوام المرأة وتفاصيل جسدها ومفاتنها.

فالمرأة لا تجذب الرجل إلا إذا كانت كذلك، والحصول على هذا القوام يتطلب من المرأة اتباع نظام غذائي معين، يسمى “التبلاح” ومعناه تناول كميات كبيرة من الطعام واستعمال أدوية فاتحة للشهية بشكل عشوائي. نساء الصحراء المغربية وموريتانيا يسعين جاهدات للوصول إلى الهدف والقوام المطلوب، فالنساء اللواتي يتمتعن بهذه المواصفات، يشعرن بالفخر والإعتزاز، كما يعملن على إبرازها من خلال ارتداء ملابس تساعد على ذلك.

  1. مد الشفاه في إثيوبيا: 

يعتبر هذا المعيار من أغرب معايير الجمال في القارة والعالم، ففي إثيوبيا وتحديدا في قبائل “مرسى”، تقوم المرأة بمد جلد الشفاه السفلى بشكل طويل، من خلال استخدام أقراص خاصة، فمهر الفتاة يتوقف عن مدى قدرتها على مد جلد الشفاه، فهم يعتقدون “أن الأرواح الشريرة تدخل الشخص من فمه وبهذه الطريقة، يطردون هذه الأرواح”.

عنوسة المرأة مرتبطة بوضع طبق داخل الشفاه، لتثير إعجاب رجال القبيلة. فشفاها تعكس المكانة الاجتماعية والمالية، وتحدد مهرها فكلما كبر القرص ارتفع المهر.

  1. الندوب:

في كل يوم يمكن ملاحظة طابور من الأشخاص ينتظرون دورهم قرب مراكز عمليات التجميل، بهدف التخلص من ندوب الوجه الناتج عن بعض الحوادث، من أجل تقويم البشرة وجعلها أكثر نضارة.

لكن الأمر مختلف في إفريقيا، فالندوب في غينيا تعتبر شكلا من أشكال الزينة، حيث تعمل النساء على إحداث ندوب، على وجوههن بطريقة فنية. فوجود الندوب دليل على جمال الشخص، وتزيد من جاذبيته.

فور ظهور علامات الأنوثة لدى الفتيات يتوجهن لدى العجائز المتخصصات في دق الوشم وبمجرد ظهور الندوب، والعلامات يعدن معلنين أنوثتهم، والبدء في استقبال طلبات الزواج.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الطقوس لا تقتصر على العنصر النسوي، بل تمتد للرجال في بعض المناسبات والاحتفالات والطقوس الخاصة.

  1. إطالة شحمة الأذن: 

الأذن الطويلة من أبرز علامات الجمال لدى أعضاء قبيلة “الماساي” في إفريقيا. فنسائهم يقمن بارتداء المجوهرات الثقيلة، المصنوعة من الأحجار أو أنياب الفيل، وذلك بغرض تمطيط شحمة الأذن، وكلما تمددت كلما ازدادت مكانة المرأة مع مرور الوقت في وسط القبيلة.

كما أن المرأة تقوم بحلق شعر الرأس لتصبح مثل الفتيان وبذلك تحصل على أرقى علامات الجمال، بالإضافة إلى ارتداء مجوهرات مزخرفة وذات ألوان زاهية لجذب انتباه الرجال.

  1. حمراء الوجه: 

إن كانت معظم الفتيات والرجال يعتبرون أن بياض الوجه ونعومته، هو ما يزيد الشخص جمالا وجاذبية، فإن نساء قبيلة “نامبيا” في شمال ناميبيا يعتقدون العكس، فنساء العشيرة يدهن أجسادهن بمزيج من دهن الماعز، ومستخلص الحجر الأحمر، وبعض العطور وبهذا تحصل المرأة على لون أحمر في كامل جسدها بدء من رأسها حتى أخمص قدمها، فلهم اعتقاد راسخ بأن اللون الأحمر يزيدهم جمالا ويجذب الرجال إليهن.

  1. الجبهة العالية: 

يفضل رجال قبيلة “الفولا” المنتشرة في أرجاء شمال أفريقيا الممتدة من نهر النيجر إلى نهر السينيغال، الجبهة العليا، ويرون على أنها من أقوى علامات الجمال بالنسبة للمرأة، فكلما كانت لديها جبهة عالية ازدادت حظوظها في الزواج، وجذبت انتباه رجال القبيلة. كما أن مجموعة من النساء يقمن بإزالة أجزاء من شعرهن حتى تظهر جبهتهم عالية.

  1. أكبر بطن:

في العديد من دول العالم كما في بعض الدول الإفريقية تعد النحافة سمة من سمات جمال الرجل، لكن ساكنة قبيلة “بودي” بإثيوبيا لهم مفهوم آخر لمعيار الجمال، فهم يتميزون بالبطون البارزة التي تعد معيار الجمال والقوة.

بالنسبة لقبيلة “البودي” يبدأ العام الجديد لديهم في شهر يونيو، ويستقبلونه بعادات وتقاليد خاصة، حيث يعملون على اختبار مدى سمنة الرجال لغير المتزوجين، فيخوضون مسابقة فريدة من أجل الحصول على الكرش والزعامة. فقبل ستة أشهر من السباق تجهز القبيلة 14 رجلا غير متزوج، فيبدأ واحد من أغرب أنظمة التسمين في العالم، حيث يدخلون إلى أكواخهم ويتغذون على الحليب الممزوج بدماء البقر والعسل، فيساعدهم هذا المزيج على شد البطن والتخلص من الترهلات فيجعل للرجل قوام خاص.

كما أن الرجال المتسابقين خلال، هذه الفترة يمكثون لمدة ستة أشهر في أكواخهم ويمنع عليهم الخروج أو القيام بأي نشاط بدني، ولا يسمح لهم بممارسة الجنس حتى، بالنساء هي من تتكلف بجلب الأكل للرجال، حتى رأس السنة.

وفي اليوم المنتظر، تبدأ المنافسة على أكبر كرش، ويحظر شيوخ القبيلة وسكانها، لينطلق استعراض القوة، فأصحاب العشيرة يربطون القوة بالضخامة، وفي النهاية من يحظى بأكبر كرش هو من تكون له زعامة القبيلة ويتزوج من المرأة التي يريدها.

“الكرش” بالنسبة لقبيلة “البودي” تعبر عن الوضع المادي، فالبدناء هم أغنياء القبيلة وكلما كبرت بطونهم أحسوا بالإفتخار والإعتزاز.

ليس للجمال معايير

في هذا السياق يؤكد إدريس القري، باحث في الإعلام والجماليات البصرية والفلسفة أنه عند “الحديث عن معايير الجمال ومقاييسه، يجب الاحتياط من شيئين، أولهما المعيار الفلسفي الغربي المفروض من قبل الإغريق والذي يتحدث عن الجمال من أجل الجمال. وثاني شيء هو الأنتربولوجيا والإنثغرافيا الإستعمارية والمنتشرة لحدود الساعة، وأهم مظاهرها ما يعرف بالإستشراق والمستشرقون المخلصين للإرث الإستعماري”.

وأوضح المتحدث أن “الإحتياط يأتي من أن الدول الأوربية، تعتبر ذاتها هي المركز وبالتالي هي أصل الحضارة والتقدم والحداثة، وهي صاحبة القيم النبيلة وعلى رأسها الجمال والحرية، فهم من يملكون مقاييسها ومعاييرها، أما باقي المجتمعات لا يفهمون معنى الفن والجمال. وأبرز الكاتب والناقد، إدريس القري، أن هذه الممارسات تظهر جليا للعيان من خلال نظرة الاستعلاء التي يتم تسويقها من خلال الإنتاجات السينمائية والتلفزيونية، فبمجرد الحديث عن معايير الجمال في إفريقيا يتم النظر إليها بنظرة دونية.

يجب العمل على تجنب النظرة القيمية لمعايير الجمال، يشرح القري، فالجمال يختلف ولا يمكن تحديده من خلال طول العنق أو لون البشرة او العينين… وإلا نسقط في العنصرية والتعالي على الثقافات المحلية، فهذه المقاييس في جوهرها تتغير وتتبدل مع الزمن ولا يمكن قولبتها في شكل واحد، فبالنسبة للقرى اسمرار هذه القيم هو استمرار بالقوة لثقافات أصلية، والنظر لها على أساس أنها متجاوزة هو نوع من التمسك والتأثر بما هو غربي.

وفي آخر تصريحه شدد إدريس القري أن انتشار الثقافات الإفريقية لن يتأتى إلا عندما تكون الدولة قوية وتعمل على فرض قوتها باقتصاد قوي وبنية مجتمعية صلبة تأخذ الجمال ومعاييره في السياسات العمومية واعتباره مكون ضروري في السياسات التنموية.

تراكم الوعي الجماعي

 بدورها ترى سعيدة الزين، باحثة في علم اجتماع، أن “الجسد يشكل بناء اجتماعيا خارجا عن حدود الأبعاد الطبيعية، أي أن الجسد يظهر وفق القواعد والانتظارات التي يرسمها كل مجتمع سواء كان ذكرا أو أنثى لكن مع تركيز أكبر على الجسد الأنثوي. في الجنوب المغربي وموريتانيا تنتشر فكرة الجسد المكتنز والسمين كمعيار لا مفر منه من أجل إثبات جمال وأنوثة الفتاة أو العروس من أجل الحصول على فارس أحلام ينتمي إلى علية القبيلة في معادلة قد تكون تسليعية للمرأة: كلما زاد وزن الفتاة وبرزت انحناءات جسدها الأنثوي كلما كانت محط وموضوع طلبات زواج أكبر. لتسوية الكتلة “اللحمية ” حظوظا أوفر في حالة العزباء وقيمة أرفع للنساء المتزوجات”.

وأكدت الزين أن هذه “التمثلات القبلية في الجنوب المغربي وموريتانيا ليست وليدة اللحظة بل هي تراكم لوعي جمعي كان فيه الوزن دلالة على صحة الأنثى ورفاه وكرم عائلتها”.

وأردفت المتحدثة أن “العالم يعيش وفق توازنات ثقافية جديدة في ظل العولمة، لكن علينا أن نعي أن المجتمعات التي ننتمي إليها أي المجتمعات الإفريقية لازلت تقاوم هذه التغييرات بوعي أو بغير وعي، فثقافة السمنة الموجودة في الجنوب وموريتانيا ليست ظاهرة مرضية كما تراها مثلا المجتمعات الأوروبية الأمريكية بل على العكس من ذلك القوام الممشوق والنحيل الذي يسوق له في الغرب كنموذج مثالي للجمال ليعلو صفحات المجلات والأفلام ليس إلا نموذج للجوع  والقبح في المجتمعات الصحراوية التي ترتبط فيها كتل الدهون ولون البشرة الفاتح بعمق معايير الجمال”.

“وسائل التواصل الاجتماعي والسينما المسوقة للنحافة كجمال، لن تؤثر على مجتمع منذ بلوغ الطفل يبدأ في تغذيتها بشكل يسمح لها بزيادة الوزن بل يصل إلى درجة وضع اعشاب مطهية في ماء البحر في مخرج الفتاة لأجل غسل معي الغليظ للمساعدة على التسمين فيما يسمى بظاهرة” التبلاح” مرورا بالتحاميل التقليدية الممزوجة بشحم الجمل واكل حبوب التسمين خطيرة” دردك” مجتمع يخاطر بصحة الفتاة لهذه الدرجة لازال متشبث بالصورة النمطية المثالية للجمال. البنيات الثقافية التقليدية لازالت حاضرة بقوة رغم التغيير الحاصل والتطور”، تقول المتحدثة.

وأردفت سعيدة الزين أن “معايير الجمال تختلف من مجتمع الى آخر أظن أن المعايير المبالغ فيها هي خطر على هذه المجتمعات نفسها فحتى المجتمع الغربي الذي يتم التسويق له كمتحضر… نرى أن الحالات المرضية المرتبطة بالنحافة المرضية وفقدان الشهية أصبح مشكل حقيقي وايضا لا ننسى التسابق إلى عمليات التجميل. إذن ما يمكننا قوله هو أن الثقافة الصحراوية المغربية والموريتانية لها أن تعطي الشيء الكثير للسوق التجميلية العالمية فيما يخص الوصفات الطبيعية من أجل محاربة مشاكل البشرة، وسوء التغذية.. وغيرها لكن لابد من إعادة النظر في مستوى المبالغة التي أصبح معها الجسم عبارة عن انحناءات وكتل تضر بصحة المرأة لتصيبها مثلا بهشاشة العظام”.

انتقل إلى أعلى