يقرأ حاليا
ما علاقة جبل “تروبيك” النفيس المغمور تحت الأطلسي برفض اسبانيا الاعتراف بمغربية الصحراء؟
FR

ما علاقة جبل “تروبيك” النفيس المغمور تحت الأطلسي برفض اسبانيا الاعتراف بمغربية الصحراء؟

تخشى إسبانيا أن يطالب المغرب باسترجاع مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين والجزر الجعفرية، بعد أن تعترف له بسيادته الكاملة على صحرائه”، هذا ما كشفت عنه صحيفة “إلموندو” الاسبانية في محاولة للإجابة عن أسباب تشبث مدريد بموقفها الرافض للاعتراف بمغربية الصحراء.

الصحيفة الإسبانية واسعة الانتشار، قالت إن حكومة مدريد تعتقد أنه في حال تمكن المغرب من إغلاق ملف الصحراء، فإنه لن يتردد في الانتقال للخطوة المقبلة متمثلة في فتح ملف مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين.

لعل ما زاد من تخوفات مدريد، تصريحات رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، الذي قال في مقابلة مع إحدى القنوات التلفزيونية العربية، أواخر ديسمبر 2020 المنصرم، إن أولوية المغرب في الوقت الحاضر هي قضية الصحراء، لكنها ستفتح ملف سبتة ومليلية مع إسبانيا ذات يوم

فهل سبتة ومليلية السبب الحقيقي والوحيد لرفض اسبانيا الاعتراف بمغربية الصحراء؟

“تبيَّن أن اسبانيا لها بالفعل نوايا سيئة، ليس فقط بخصوص المنطقة، ولكن فيما يتعلق بقضية الصحراء ككل”، يجيب تاج الدين الحسيني أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، لافتا إلى أن الموقف الأمريكي قلب الأمور رأسا على عقب، ما جعل اسبانيا تبحث عن وسائل مواجهات جديدة بما فيها محاولة إقناع الولايات المتحدة بالتراجع عن اعترافها وهذا يشكل انقلابا في توازن القوى بشكل خطير في هذه المنطقة من العالم.

بالعودة إلى الصراعات المتتالية بين البلدين الجارين، لم تكن الأزمة المندلعة أخيرا بين الرباط ومدريد إلا القشّة التي قصمت ظهر العلاقات المتذبذبة، بعد أن أقدمت اسبانيا على استقبال زعيم جبهة “البوليساريو” الانفصالية على أراضيها مستفيدا من الرعاية الطبية قبل عودته مجددا صوب الجزائر التي قدم مُتخفِّيا منها بجواز سفر مزور وهوية مفبركة.

مراقبون سياسيون أقروا أن أزمة “بن بطوش” كانت الأشد من نوعها خلال العقدين الأخيرين، إلا أنها ليست الوحيدة ولن تكون الأخيرة، سبقتها أزمات لم تكن بالهيِّنة على رأسها أزمتا “جزيرة ليلى” التي كادت تنشب بسببها حرب بين البلدين عام 2002، بالإضافة إلى أزمة ترسيم الحدود عام 2020.

ترسيم الحدود.. مربط الفرس

قبل أقل من عام، صادق البرلمان المغربي بالإجماع على قانونين يبسطان سيادة المغرب الكاملة على المجال البحري الممتد من مدينة طنجة شمالاً إلى الكويرة في أقصى جنوب البلاد، بدلاً من مدينة طرفاية، مع تحديد الجرف القاري للبلاد والمنطقة الاقتصادية الخالصة والمياه الإقليمية بناء على اتفاقية قانون البحار.

وتنص اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بأن “لكل دولة ساحلية الحق في أن تكون لها مياه إقليمية تبسط عليها سيادتها الكاملة. كما تنص معاهدة قانون البحار في الفصل الخامس عشر منها على قواعد تسوية المنازعات التي تنشأ بين الدول حول تفسير أو تطبيق المعاهدة.

وإذا كان القانون الدولي يتيح استغلال ثروات المنطقة الاقتصادية، المحددة في 200 ميل بحري من الشاطئ ما يقدر بحوالي 370 كيلومتراً، فإن تقاطع المياه المغربية مع جزر الكناري الخاضعة للسلطات الاسبانية هو ما سبب توترا بين البلدين.

ليست المياه والثروات السمكية بالمنطقة هي ما جعل اسبانيا تدق ناقوس الخطر، بل هي المعادن الباطنية القابعة بقاع المحيط الأطلسي، فمنذ أن أعلن علماء وباحثون عن نتائج دراسات قاموا بها على الجبال البركانية العميقة الواقعة بمياه المحيط الأطلسي قبالة السواحل الجنوبية للمغرب عام 2016، حتى بدأت معركة التسابق نحو حيازة جبل يسمى “تروبيك”.

الحسيني، وهو نائب رئيس مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، يرى بدوره أن قيام المغرب بإصدار قانونين لتحديد مجاله البحري الإقليمي إلى جانب المنطقة الاقتصادية، خطوة لم تقبل بها اسبانيا مطلقا.

“حاولت وزيرة الخارجية الاسبانية أن تتعامل بنوع من الدهاء بالقول إنه ينبغي الأخذ بعين الاعتبار المركز الوسطي المحدد في الاتفاقية المتعلقة بقانون البحار لعام 1982، ثم من جهة أخرى التفاوض بين الطرفين للاتفاق حول المصالح المشتركة بينهما إلا أن الأمور ظلت راكدة” وفق تعبير تاج الدين الحسيني متحدثا لـ “نقاش 21”.

وأشار المتخصص في العلاقات الدولية، إلى الكنز المتواجد بالمنطقة والذي تغمره مياه الأطلسي متمثلا في جبل بركاني مقابل للسواحل الجنوبية للمغرب، والذي يتوفر على كميات هائلة من المعادن النفيسة التي ستدخل في صناعات تكنولوجيا المستقبل حسب عمليات التنقيب.

هذه الوضعية دفعت بإسبانيا إلى انتظار الموقف المغربي والخطوات التي ستتخذها المملكة، بحسب المتحدث، خاصة وأن اسبانيا التي كانت تعتقد أنها توجد في مركز قوة في هذا الخصوص أصبحت في مركز ضعف حين قررت الولايات المتحدة الاعتراف بسيادة المغرب على مجموع إقليم الصحراء علما أن هذا التصريح أعطى تزكية قوية للقوانين التي أصدرتها السلطات المغربية وصادق عليها البرلمان وتم نشرها بالجريدة الرسمية.

“تروبيك”.. كنز تحت الماء

“تروبيك”/tropic” باتت كلمة السر الجديدة إذن في مسلسل الصراع المغربي الاسباني، وهو جبل بركاني خامد يوجد على عمق 1000 متر بالمحيط الأطلسي، جنوب جزر الكناري، وكان نشطاً قبل 119 مليون عام، وأكدت الدراسات أن الجبل النفيس غني بالمعادن المهمة، إذ يحتوي على 10% من الاحتياطي العالمي من “التيلوريوم” المستعمل في صناعة ألواح الطاقة الشمسية والإلكترونيات، إلى جانب مخزون ضخم من “الكوبالت” المستخدم في صناعة السيارات والصناعات العسكرية.

https://www.everythingselectric.com/tropic-seamount/

عالم الجيولوجيا المغربي علي شرود، أكد أن أهمية “التيلوريوم” تكمن في كونه لا يوجد في الطبيعة بشكل منفرد بل يلتقي مع عناصر أخرى كالذهب والفضة والرصاص والليثيوم والحديد والزئبق وغيرها من المعادن، مشيرا إلى أن وجود “التيلوريوم” بكميات مهمة يعني كذلك توافر معادن أخرى والتي تدخل جميعا في عدد من الصناعات الحيوية كصناعة بطاريات الليثيوم وبطاريات السيارات الكهربائية وغيرها.

ولفت الباحث في الجيولوجيا بكلية العلوم والتقنيات بالراشيدية، في حديث مع “نقاش 21” إلى أن الأبحاث عن معدن “التيلوريوم” والذي هو عنصر جد نادر باهضة ماديا ناهيك عن عملية البحث والتنقيب بأعمال المحيط، “البحث والتنقيب يتطلب إمكانيات هائلة لا يقدر عليها المغرب، ويمكن أن يستعين بشركات أمريكية أو أوروبية عملاقة تكون لها الشجاعة الكافية لخوض غمار المغامرة على غرار التنقيب عن الغاز الطبيعي أو النفط”.

الدراسات بخصوص الجبل كشفت أرقاماً تقريبية لكميات المعادن التي يزخر بها جبل “تروبيك” النفيس، يأتي في مقدمتها الكوبالت بكمية تناهز 7.1 كلغ عن كل متر مكعب، ثم الباريوم بـ 5.6 كلغ، والفاناديوم بـ 3.6 كلغ، والنيكل بـ 2.9 كلغ، والرصاص بـ 2.1 كلغ عن كل متر مكعب.

ويقول علماء بريطانيون إن “التيلوريوم” سيجعل الألواح الشمسية أرخص وأكثر كفاءة في المستقبل، كما سيعمل على تحسين الاتصالات بين الأجهزة المحمولة. مؤكدين أن الأبحاث التي قاموا بها بالمنطقة أوضحت أن مستويات “التيلوريوم”، “غنية بشكل مدهش”. وبحلول عام 2050، عندما يصل الطلب العالمي على الكهرباء إلى 30 تيراوات وفقًا لمنتدى دافوس، سيصبح “التيلوريوم” المصدر الأكثر اقتصادا للطاقة الجديدة.

الباحث في العلاقات الدولية، خلُص إلى أن هذا الموضوع يعتبر أساسيا لفهم التطور السلبي في العلاقات المغربية الإسبانية ويذكرنا أن مسألة إبراهيم غالي لم تكن إلا شجرة تغطي غابة مليئة بالأطماع والنظرة الاستعمارية القديمة التي لا تزال تسيطر على متخذي القرار في النظام الاسباني.

انتقل إلى أعلى