يقرأ حاليا
ثورة الملك والشعب.. حين ثار المغاربة في وجه الاستعمار
FR

ثورة الملك والشعب.. حين ثار المغاربة في وجه الاستعمار

تتجدد ذكرى ثورة الملك والشعب، في يوم 20 غشت من كل سنة، للتذكير بمعالم التلاحم في سبيل حرية الوطن وتحقيق استقلاله ووحدته، ولاستلهام روح الوفاء والعطاء المستمر للسير على مِنوالها بغرض استكمال بناء مغرب الوحدة والتقدم والتنمية. ويندرج تخليد هذه الذكرى في إطار وصل الماضي المغربي العريق بحاضره المجيد، واستقراء الذاكرة الوطنية.

انطلقت “ثورة الملك والشعب” سنة 1953 كتتويج لمسلسل الكفاح الوطني الذي خاضه المغاربة منذ توقيع “معاهدة تنظيم الحماية الفرنسية للمملكة الشريفة” في شهر مارس من سنة 1912، وخلدت لأبرز متجليات صور الوطنية الصادقة وأغلى التضحيات في سبيل الوطن والدفاع عن مقدساته.

في يوم 20 غشت 1953 أقدمت السلطات الاستعمارية الفرنسية على تدبير مؤامرة نفي السلطان الراحل محمد الخامس والأسرة الملكية، إلى جزيرة كورسيكا ومنها إلى مدغشقر المتواجدة في أقصى شرق القارة الإفريقية، لما كان يُعبر عنهُ من مواقف مساندة للحركة الوطنية وداعمة لاستقلال المغرب وسيادته ووحدته الترابي؛ في محاولة بائسة لإحداث شرخ في صفوف الحركة الوطنية، التي تم تأسيسها من قبل لجنة تحرير المغرب العربي بالقاهرة، وإدخال المغاربة في حالة من الشك والتفرقة.


بعد ذلك عمل الاستعمار الفرنسي على تنصيب سلطان صوري هو محمد بن عرفة، غير أن الشعب المغربي، لم يقبل بالأمر الواقع، فانتفض واندلعت شرارة ثورة الملك والشعب، بتأطير من حزب الاستقلال، الشيء الذي أدى لكشف مؤامرة السلطات الاستعمارية الفرنسية على مرأى العالم؛ فنظمت على إثر ذلك عمليات للمقاومة أدت إلى استشهاد العديد من الوطنيين من أمثال علال بن عبد الله، ومحمد الزرقطوني ورفاقه في خلايا المقاومة بالدار البيضاء، ثم عمليات المقاومين والمجاهدين في مناطق أكنول وإيموزار مرموشة وفي تطوان حيث وُجد مقر القيادة العامة ومركز تكوين الضباط.

وسقط العديد من الشهداء والجرحى، وشكل ذلك زخما للمطالبة بالاستقلال، إذ لم تهدأ النفوس إلا بعودة الملك محمد الخامس للعرش في يوم 16 نونبر 1955، حاملا معه بشائر الاستقلال الذي تحقق سنة 1956؛ وتم استكمال الوحدة الترابية بعد ذلك، باسترجاع سيدي إفني سنة 1969، والأقاليم الجنوبية سنة 1975 بفضل المسيرة الخضراء، ثم في غشت من سنة 1979 تم تعزيز استكمال الوحدة الترابية باسترجاع إقليم وادي الذهب.

محمد الخامس في القمر

في سياق متصل، تحدث بعض المؤرخين باستفاضة عن “خدعة” عمد إليها أعضاء حركات المقاومة المطالبة بعودة الملك من المنفى، وتتمثل في توزيع صور الراحل على المواطنين وإخبارهم أن تلك الصورة نفسها تظهر على سطح القمر؛ إذ أنه بعد التركيز على نقطة محورية تتوسط الصورة، يتخزن المشهد في الذاكرة البصرية ويستعيده الدماغ في اللحظة التي يتم فيها التركيز على النظر إلى القمر.


غير أن جُل المغاربة في تلك الفترة، من فرط تعلقهم واشتياقهم إلى السلطان المنفي كانوا يجزمون أن صورة الملك محمد الخامس ظهرت فعلا في القمر؛ وقد نجحت هذه الخُدعة البصرية فِعليا في تأجيج المشاعر، عن طريق تحسيس المواطنين بقرب السلطان وتواصله “الغيبي” معهم، مما حال دون قدرة المستعمر أن يضعهم أمام واقع رحيل الملك.

وسواء كانت صورة الملك الراحل محمد الخامس فكرة ذكية من المقاومة، أو أسطورة شاعت بين بسطاء القرن الماضي، أو ناجمة عن شدة تعلق المغاربة بملكهم المنفي واشتياقهم له؛ تظل محطة قوية في مراحل مقاومة الاستعمار، وقد عملت على حسم عملية توحيد كلمة المغاربة وإضعاف صف المستعمر.

رهان الاستعمار الخاسر

لقد كانت ثورة الملك والشعب محطة تاريخية بارزة في مسيرة النضال الذي خاضه المغاربة عبر عقود وأجيال لرفض الاستعمار، فكرسوا من خلالها نموذجا فريدا في تاريخ تحرير الشعوب من براثن الاستعمار، وقدموا عبرها المثال الذي يُحتذى به في قوة الترابط بين مكونات الشعب المغربي، وتضحيتهم بكل ما هو غالٍ ونفيس للدفاع عن مقدساتهم الدينية وثوابتهم الوطنية والهوية المغربية.


وكانت تراهن السلطات الاستعمارية الفرنسية، وهي تُقدم على نفي السلطان الشرعي محمد بن يوسف (محمد الخامس) وتسارع بتنصيب بن عرفة، على ضرب الوحدة الوطنية وفك العُروة الوُثقى التي لا انفصام لها بين العرش والشعب، لكن الأمور مضت كما لا تشتهي إرادتهم، بعد أن اتفق المغاربة بكافة شرائحهم وفئاتهم المجتمعية على التمسك بالقيم الوطنية والالتفاف بما يوحدهم من ثوابت دينية.

وستبقى هذه الذكرى شُعلة مضيئة في ذهن المغاربة، وعنوانا بارزا لصُور الإخلاص، ولذلك يحرص الملك محمد السادس على استحضار دلالتها كلما حلت المناسبة، ليُعيد للمواطنين صورة من التاريخ المجيد، إذ قال، جلالته، في خطاب 20 غشت 2000: “وعلى الرغم من أنه قد مر على أحداث هذه الثورة نحو نصف قرن، فإن وقائعها ما تزال متمثلة في أذهان المغاربة المطبوعين على الوفاء والإخلاص، ومترسمة في قلوبهم، يستحضرونها كل عام، وسيظلون مستذكرين لها مهما امتدت السنون والأعوام، ومن خلالها يسترجعون صحائف رائعة من التاريخ المجيد الذي كتبه أبناء هذا الوطن بدمائهم الزكية الطاهرة بأحرف نورانية باهرة”.

وسيظل صدى هذه الملحمة التاريخية الكبرى، التي تكللت بالعودة المُظفرة للملك الراحل محمد الخامس ورفيقه في الكفاح المغفور له الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراهما، والأسرة الملكية الشريفة، من المنفى إلى أرض الوطن في 16 نونبر 1955، وإعلان بُشرى انتهاء عهد الحماية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال.
وكما قال الملك محمد السادس، في خطابه السامي بمناسبة الذكرى ال 62 لثورة الملك والشعب، سنة 2016 “هي مناسبة سنوية لاستلهام روح التضحية والوطنية الصادقة، التي جسدها جيل التحرير والاستقلال.

انتقل إلى أعلى