يقرأ حاليا
الألعاب الدينية.. بين الترفيه وصناعة الطفل الذي تريده أسرته
FR

الألعاب الدينية.. بين الترفيه وصناعة الطفل الذي تريده أسرته

 مند سنوات قليلة ظهرت بعض الشركات الصغيرة سواء في المملكة المتحدة أو في الولايات المتحدة الأمريكية، تقوم بتصنيع وبيع دمى وألعاب تحمل دلالات دينية، تستهدف الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات.

 

منتوجات وجدت مكانا لها في الوطن العربي خاصة تلك التي تهدف إلى تعليم الأطفال من جميع الخلفيات الإسلامية، بطريقة ممتعة. والمغرب لا يشكل استثناء فالسوق المغربي هو الآخر أضحى يعرف إقبالا على هذه الألعاب، التي تتراوح أثمانها بين  50 إلى 110 دراهم. 

فالعديد من المجتمعات تعتبر أن إضفاء دلالات دينية على بعض الألعاب يشكل فكرة متميزة على باعتبارها طريقة مثالية لمساعدة الأطفال على استيعاب الدين وفهمه. 

لكن هل يمكن استخدام لعب الأطفال كوسيلة لنقل الإيمان والثقافة إلى الأطفال الصغار؟ وهل هي طريقة سليمة؟ وكيف يمكن أن تؤثر على سلوك الطفل داخل المجتمع؟

فاطمة الزهراء أم لطفلين تقول لـ “نقاش 21” إنه من “أفضل اقتناء الألعاب الحاملة لدلالات دينية كالدمى المحجبة أو بعض الألعاب المتضمنة الأناشيد الدينية أو صور لأماكن العبادات”. ونضيف المتحدثة أن “هذه الألعاب تساعد الأطفال على تلقي التعاليم الدينية بطريقة ممتعة، كما أن أهدافها نبيلة”.

وأردفت فاطمة الزهراء، “أنه من الجيد أن يستمع الطفل لبعض الأناشيد وسور من القرآن الكريم قبل الخلود للنوم، فهذا يساعد على الاسترخاء كما تدفعه نحو التعلم ولو بشكل بسيط الثقافة الدينية”.

وكان آباء من أصل هندوسي هم أول من ابتكروا أفكار العديد من العلامات التجارية، على أمل زيادة المبيعات في الفترة التي تسبق مهرجان ديوالي.

دكتورة إيمان محمدي، طبيبة وأخصائية نفسية، تؤكد في تصريح لجريدة “نقاش 21” أن “للعب أهمية قصوى، فهو بمثابة التعلم الجاد، يكتسب من خلاله الطفل مهارات ذاتية تعطيه ثقة في نفسه وتنمي له مهارة الاتصال بالآخرين. بالإضافة إلى تعزيز صحته الجسدية، والعقلية، والنفسية”.

وأردفت محمدي، أن السنوات الأولى لدى الطفل تبقى حاسمة في تشكيل قاعدة لتنشئة الطفل وتربيته وتوجيهه، كما أن هذه المرحلة تعد مرحلة تكوين نرسم من خلالها ملامح شخصية الطفل المستقبلية المتمثلة في القيم الروحية والتقاليد والأنماط السلوكية.

“ومن أجل الوصول لهذا المبتغى فمجموعة من الباحثين توصلوا إلى أن الألعاب التربوية تبقى أفضل وسيلة في التربية المعاصرة، خاصة وأن لكل لعبة خصوصية فريدة فمنها ما يكون حركي ومنها ما هو اجتماعي”. تقول إيمان المحمدي.

وأوضحت المتحدثة أن يمكن أن نلاحظ أن مجموعة من الشركات أصبحت أكثر اهتماما بإنتاج بعض الألعاب الحاملة لرموز دينية سواء كانت مسيحية، إسلامية أو يهودية… وذلك حسب كل ثقافة، وذلك بالنضر لما يمكن جنيه من أرباح من خلال هذه اللعب. وهنا تكمن مسؤولية الآباء خاصة وأن الطفل في هذه المرحلة لا يكون مسؤول عن اختياراته، ولهذا فالأسر يجب أن تختار بعناية اللعب التي يتم اقتنائها، فيجب أن تكون لعب تحترم بيئة الطفل والديانة التي ينتمي إليها، والعمل على البحث عن الدلالات الدينية لهذه اللعب خصوصا إن كان اشترائها تم عبر الانترنيت.

صناعة الطفل

وشددت الأخصائية النفسية، ” أن بعض الألعاب كـ”فولا المحجبة” من التأكيد أنها ستأثر على بعض الأطفال في الجانب الديني، فبعض الأبحاث أظهرت أن اللعب ذات دلالة دينية يمكن أن تساعد الطفل على الارتباط بالدين بشكل مسلي ومشوق. وبذلك يمكن اعتبار أن استخدام هذه الدمى لربط الطفل بالدين فكرة عبقرية”.

“فالألعاب تمثل للطفل مجال واسع للعب والتعلم واكتشاف أنفسهم والعالم المحيط بهم، لذلك فالآباء عليهم استخدام مثل هذه الوسائل بطريقة صحيحة من أجل تربية الطفل على مبادئ دينية صالحة وصحيحة”. توضح الدكتورة إيمان محمدي.

وأقرت الأخصائية النفسية، “أن تأثير هذه الألعاب إيجابي يعطي توازن نفسي كما تساعده على التأقلم مع المجتمع إضافة إلى تنمية تفاعله داخل محيطه”.

وظهر عدد من الشركات الصغيرة التي تبيع مثل هذه الألعاب والتي حققت أرباح مهمة، حيث باعت شركة “مادي تويز”، في الولايات المتحدة، أكثر من 40 ألف من منتجاتها على مستوى العالم – بما في ذلك لعب للآلهة كريشنا، وغانيشا، وهانومان – منذ افتتاحها في عام 2018.

وفي الوقت نفسه، تبيع شركة “بلوش إنديا”، التي تتخذ من مدينة ليدز مقرا لها، حوالي 100 من لعبها التي تصور الإلهين غانيشا وهانومان، كل شهر.

بدوره أكد محسن بن زاكور، أخصائي في علم النفس الاجتماعي، في تصريح لـ “نقاش 21″ أن ” هذا المفهوم هو سياسي اجتماعي أكثر مما هو نفسي، خاصة عند الحديث عن دولة مسلمة كالمغرب. لذلك يمكن اعتبار هذه الألعاب وسيلة من وسائل التنوع الثقافي، إلا إذا تم توظيفها ايدلوجيا هنا تكمن الخطورة. لكن أغلب هذه الألعاب ليست لها هذه السمة وبذلك فهي تنطوي تحت مفهوم الحرية الشخصية للمجتمع المغربي كما أنها قناعات واختيارات تعود للأسر.

 إن “الصور التي لها دور في بناء التمثلات، تبدأ في سن مبكر ولذلك حينما نقول أن لهذه الألعاب مكانة في التصور فهذا ليس فيه شك خاصة وأن الدراسات أثبتت ذلك”، يقول محسن بن زاكور موضحا أن التأثير عبارة عن قناعات ومسلمات يمكن ادراجها في خانة التنشئة الاجتماعية التي تهدف إلى صناعة نموذج للطفل يشبه ويتوافق من النموذج الثقافي المنتمي إليه، فعندما أعلم طفلي أشياء تنتمي للثقافة التي أنتمي إليها لا يطرح إشكال، لكن عندما تكون داخل الثقافة نفسها نوع من الاختلاف الذي يخرج عن سياق الغنى الثقافي إلى سياق الاختلاف المبني على التناقض والرفض والإقصاء هنا تطرح الصعوبة. خاصة وأن الطفل يصبح مضطر للاختيار ما بين الذات والآخر.

فحسب المختص في علم النفس الاجتماعي، “فإن الطفل يمكن أن يعيش نوع من التناقض الداخلي، خاصة وأن الصور التي تقدمها هذه الألعاب لا يكون أثرها آني بقدر ما يكون لها أثر في المستقبل، الذي يحتاج فيه الطفل للوصول إلى قناعات لا تزعزع قراراته أو انتمائه الاجتماعي”.

“وهذه مسألة حساسة في حياة الإنسان لأنها تجعله يسلك مساره داخل المجتمع، فإما أن يكون متوازن على المستوى النفسي، وقادر على الاختيار أو مضطرب نفسيا وتكون سهولة الانجراف وراء التيارات المتطرفة وربما يكون هو نفسه عنصر متطرف يشكل خطر على نفسه ومحيطه”، يقول بنزاكور. 

إن تأثير الألعاب ذات الصبغة الدينية يكون أقل حدة شيء ما، يشرح بن زكور، “نظرا لارتباطها بالجو الأسري فكلما كان هنالك توافق بين قناعات الأسرة واللعبة لا يكون مشكل لدى الطفل، وبالتالي فالمحيط الأسري يجب عليه التعامل مع هذه الوسائل بطريقة سليمة ومتناغمة من أجل بناء تصور سليم لدى الطفل. وفي حالة حدوث تناقض يبقى الرهان كيف يتم تدبير الاختلاف”.

انتقل إلى أعلى