يقرأ حاليا
عيد العرش بالمغرب.. تعددت الطقوس والدلالات والاحتفال واحدُ
FR

عيد العرش بالمغرب.. تعددت الطقوس والدلالات والاحتفال واحدُ

اثنان وعشرون سنة بالتمام، مرَّت على تربع الملك محمد السادس على العرش وبيعته بصفة رسمية، ذلك أن إعلانه ملكا كان في الـ 30 من يوليوز عام 1999، وهو تاريخ يتم تخليده كل سنة احتفاء بعيد العرش الذي يشهد مظاهر احتفالية شعبية ورسمية عديدة تتخللها تقاليد وطقوس عريقة.

 

جواد أصيل ومظلة مخملية

في صبيحة عيد العرش يخرج الملك محمد السادس بكامل أناقته ولباسه المغربي التقليدي الضارب في العراقة والمنجز على يد أمهر “المْعلْمين” المغاربة، من باب القصر، ممتطيا صَهوة جواد عربي أصيل تمنع عنه مِظلة مُخمَلية أشعة الشمس، وتحيط به الحاشية والفرسان ويكون في استقباله وفود من أبرز رجالات الدولة ومسؤولون رفيعو المستوى.

” يتم الحرص على استدعاء النُّخب المحلية والجهوية من وُلاة وعمال ومنتخبين ممثلي كل إقل للانحناء أمام الملك وهو راكب على صهوة جواده”، يصف محمد شقير، الباحث في التاريخ المغربي الحديث أبرز مظاهر حفل الولاء، مفصلا في دلالات “الركوع” على اعتباره دليلا على “الطاعة العمياء خاصة عندما تتم أمام جواد الملك الذي يرمز إلى القوة والسيطرة تقابلها انحناءة الخضوع وإظهار الطاعة من والي كل إقليم بوصفه ممثلا لسلطة جلالة الملك الذي يعتبر مصدرا للسلطة الحقيقية بالمملكة”، وفق تعبير المتحدث.

 

أما رمزية المظلة التي تم اقتباسها من نظام السّلطة العثمانية، فيقول شقير متحدثا لـ “نقاش21 إنها تشير بالأساس إلى الملك باعتباره أميرا للمؤمنين وفي نظام يقوم على شرعية دينية يستمد منه الملك سلطته من الله كإمام وسليل البيت النبوي، وباعتباره ظل الله في الأرض التي يحكمها.
وأبرز الباحث في تاريخ المغرب، أن هذه المظلة ترمز أيضا إلى مركزية الملك في نظام الحكم وتسيير الدولة من حيث أنها تشكل غطاء واقيا لجسده المقدس، في حين يستظل منها كل من يتبعه من حاشيته إذ لا سلطة فوق سلطته ولا شخصية يمكن أن تنافسه في هذه المركزية السياسية والإشعاع الديني والسياسي، بالإضافة إلى أن هذه المظلة عادة ما تستقطب الأنظار سواء من العامة أو الخاصة مما يزيد من قوة ومركزية من يستظل بها ويزيد من هيبته السياسية والروحية.

من هنا بدأت الحكاية

صحيح أن يوم الـ 30 من يوليوز يوم وطني رسمي، إلا أنه ليس يوما قارًّا للاحتفال بعيد العرش بالمملكة المغربية، بل تتعدد تواريخه بتغير الملوك وأيام تنصيبهم رسميا، ليتم تجديد بيعة الشعب للملك سنويا من خلال احتفالات بهيجة تعم البلاد، لتغزو الزينة الساحات وتصطفَّ الأعلام الشامخة على طول الشوارع.

على عهد الملك الراحل محمد الخامس كان عيد العرش يوم الـ18 نونبر، أما في عهد العاهل الراحل الحسن الثاني فكان يوافق يوم 3 مارس، قبل أن يتم تغييره إلى يوم 30 يوليوز من كل عام بعد أن صار محمد السادس ملكا.

لكن، متى أصبحت هذه الطقوس معتمدة بشكل رسمي في المملكة الشريفة؟
في سنة 1934، وبالضبط في الذكرى السابعة لجلوس محمد بن يوسف (محمد الخامس) على العرش، أصبح الاحتفال بعيد العرش يكتسي صبغة رسمية، بعد أن صدر قرار وزاري أصدره الصدر الأعظم محمد المقري، وهو لقب كان يطلق على الوزير الأول، بتاريخ 26 أكتوبر 1934 وأشَّر عليه المقيم العام الفرنسي هنري بونسوت.

نُشر القرار بالجريدة الرسمية يوم 2 نوفمبر 1934، مؤلفا من عدة بنود أهمها أن ” يقوم “باشا” كل مدينة من المدن المغربية بتنظيم الأفراح والحفلات الموسيقية وتزيين المدن وتوزيع الألبسة والأطعمة على نزلاء الجمعيات الخيرية (..)”.

أما الدكتور محمد شقير فيعلق على هذه التفاصيل بالقول: “اتّخذ الاحتفال بعيد العرش في عهد الحماية بُعدا سياسيا حاولت من خلاله مكونات الحركة الوطنية التحالف مع السلطان محمد بن يوسف في مواجهة سلطات الإقامة من خلال الدعوة إلى الاحتفال بتاريخ جلوس الملك على عرشه وإضفاء شرعية سياسية على هذا التتويج وإرساء نظام ملكي عصري بدل نظام السلطنة حيث تم تغيير السلطان بالملك وتحويل هذه المناسبة إلى عيد وطني إذكاءً للشعور الوطني”.

وتابع المتحدث كلامه موضحا أن تقلُّد الملك الراحل الحسن الثاني الحكم جعل من هذه المناسبة لحظة تجديد بيعة الطبقة السياسية للملك من خلال إحاطتها بكل مظاهر الولاء، في وقت جُنِّدت السلطات المحلية للاحتفال الشعبي بهذه المناسبة بعد أن يتم استدعاء النخب المحلية والإقليمية برئاسة وزير الداخلية للمشاركة في حفل الولاء الذي ينقل على القنوات التلفزية لترسيخ شرعية واستقرار نظام الحكم برئاسة الملك.

برنامج احتفالي مزدحم

وما بين الأصالة والمعاصرة، وبين الطقوس الاحتفالية والخطاب السياسي، تتميز الاحتفالات بالكثير من الخصوصية المغربية الصِّرفة، يحفل برنامج عيد العرش الحافل والمزدحم بالكثير من التفاصيل المهمة من بينها حفل الاستقبال الذي يقوم خلاله الملك بتقليد الشخصيات الوطنية والأجنبية بأوسمة ملكية رفيعة، عربونا على مجهوداتهم وحبهم للمغرب.

يقول مؤرخ المملكة عبد الحق المريني، “منذ 1934 أصبح الشعب المغربي يحتفل بذكرى عيد العرش المجيد في المدارس والمعاهد ومراكز الأحزاب السياسية والجمعيات وفي الأسواق والمنتزهات، تلقى فيها الخطب والقصائد الشعرية الطافحة بتمجيد الجالس على العرش المغربي وبمسعاه الحميد للعمل على رقي شعبه وإنقاذه من مخالب الاستعمار”.

ولا تستقيم احتفالات عيد العرش دون إقامة مأدبة عشاء، تعقد مساء يوم الـ 30 من يوليوز، يدعى لها كبار رجالات الدولة والسفراء الأجانب المعتمدين بالمغرب وبعض الشخصيات الأجنبية والثقافية والاقتصادية المعروفة في البلاد.

جزء آخر من احتفالات عيد العرش لا يقل أهمية، يتم يوم 31 يوليوز، متمثلا في حفل أداء القسم للضباط المتخرجين من المدارس العليا العسكرية وشبه العسكرية، خلاله يخاطب الملك الأفواج ويطلق عليهم اِسما، وبعد الخطاب يؤدي الضباط القسم أثناء تواجد الملك بصفته القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، وبعدها يستعرض الملك التحية العسكرية لأعلام وشارات المدارس الوطنية العسكرية وشبه العسكرية، ويختتم هذا الحفل بترقية الضباط السامين.

“أصبح عيد العرش بعد الاستقلال في عهد محمد الخامس طيب الله ثراه، وفي عهد الملك الحسن الثاني (باني هذا الاستقلال) رحمه الله، وفي عهد الخلف الصالح للسلف الصالح الملك محمد السادس، عيد الأمل وعيد الاستمرارية وعيد البيعة وعيد النهضة الشاملة وعيد الإخلاص لله والوطن والملك” يختم المريني كلامه.

دلالات سياسية لا تخفى

كل هذه الطقوس والمراسيم التي تحيط بحفل الولاء تكتسي دلالات سياسية عميقة تبتغي ترسيخ نظام الحكم الملكي، يقول شقير، لافتا إلى أن الرمزية السياسية والبشرية ترسخ في الأذهان وبالتالي بالتركيز على خروج الملك من بوابة قصره العامر وهو يمتطي جواده محاطا بأفراد الحاشية التي لا يسمح لأي منها بأن تمتطي خيلا أو تقود سيارة بما فيهم ولي العهد وشقيق الملك وباقي أفراد العائلة الملكية في دلالة على استقرار الحكم وتحكم الجالس على العرش في آليات تسييره والتمكن منه كما يتحكم الملك في قيادة جواده.

ولطالما كان الجواد يرمز في الثقافة المخزنية إلى التحكم والسيطرة بدليل المقولة السياسية المأثورة حول أن سلاطين المغرب كانت عروشهم على صهوة جيادهم والتي ترمز إلى كثرة تنقل السلطان لضمان استتباب الحكم والسيطرة على الأقاليم والقضاء على الفتن من خلال الحَركات والمحلات والزيارات.

تفشي جائحة “كورونا”، دفعت القصر الملكي إلى تأجيل احتفالات عيد العرش للمرة الثانية على التوالي، حيث اتخذ نفس القرار السنة الماضية أيضا.

وأعلن القصر الملكي المغربي، تأجيل احتفالات الذكرى الثانية والعشرين لتولي الملك محمد السادس حكم البلاد، وفق ما جاء في بلاغ لوزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة.

وعلى الرغم من هذه القرارات الاستثنائية التي تقرر معها “تأجيل حفل الاستقبال الذي يترأسه جلالة الملك (..) بهذه المناسبة المجيدة، وحفل أداء القسم للضباط المتخرجين الجدد من مختلف المدارس والمعاهد العسكرية وشبه العسكرية والمدنية”، وأيضا “تأجيل حفل تقديم الولاء لأمير المؤمنين، وكل الاستعراضات والتظاهرات التي يحضرها عدد كبير من المواطنين”، فإن المكانة الاعتبارية لعيد العرش ومظاهر الاحتفال به تبقى راسخة في مخيال الشعب المغربي صغارا وكبارا.

انتقل إلى أعلى