يقرأ حاليا
دراسة قانونية تكشف سقوط قرار “إجبارية جواز التلقيح” في المحظور
FR

دراسة قانونية تكشف سقوط قرار “إجبارية جواز التلقيح” في المحظور

بن يونس المرزوقي*

 سأنطلق من التذكير بأن القضاء.. قد يحكم بالبراءة أو حفظ الدعوى… فقط لأسباب مسطرية.. وأسرة العدالة تعي هذا جيدا.. فعلى الحكومة أن تستفيد من هذه المبدأ العام.. لأنه حتى ولو كان مضمون تدابيرها صحيحا ومقبولا، فإن المسطرة المتبعة قد تكون سببا كافيا للإلغاء..

لقد ساهمت في النقاش العمومي حول فرض “جواز التلقيح” عن طريق طرح أسئلة وملاحظات دون الإجابة عليها.. إلا بما يُمكن أن يُفهم من طريقة طرح السؤال. ولم تكن هذه الطريقة عبثا.. بل كان الغرض منها تطوير النقاش عن طريق إثارة الانتباه لقضايا قد لا تكون واضحة أو لم يتم التطرق لها أصلا..
وأعتقد أنه من الواجب أن أساهم بوجهة نظري.. التي اعتبرها غير متكاملة.. فالموضوع يلزمه دراسة مفصلة.. خاصة على مستوى الشكل والمضمون من جهة.. وعلى المستوى الدستوري والتشريعي من جهة أخرى.

الفقرة الأولى: آليات العمل الحكومي في دستور 2011

انطلقت في تدويناتي من الملاحظة التالية:
(شخصيا.. وبتحفظ.. لا أعرف كيفية الطعن في “بلاغ حكومي”.. ولا أعرف معنى “قرار حكومي”..
أنتظر الإفادة أو الاستفادة..).
كان هدفي هو إثارة الانتباه الى تدرج القواعد القانونية أولا.. ثم ثانيا -وهذا هو الأساسي- توجيه النقاش، خاصة لدى المختصات والمختصين، إلى ضرورة تدقيق المصطلحات والمفاهيم المستعملة..
إن قراءة عادية في الدستور.. ستجعلنا نقف على مصطلحات عديدة تهم ما يمكن أن يصدر عن كل المؤسسات الدستورية.. وسنركز هنا على ما يهم السلطة التنفيذية.. مجسدة في الحكومة موضوع هذه المقالة..
– البرنامج الحكومي (الفصل 88)؛
– المقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة والموقعة بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها (الفصل 90)؛
– تعيينات رئيس الحكومة (الفصل91)؛
– مشاريع القوانين، مراسيم القوانين، مشاريع المراسيم التنظيمية، مشاريع المراسيم، (الفصل 92)؛
إضافة لما يهم أجوبة الحكومة على الأسئلة البرلمانية، والحصيلة المرحلية، وطلب الثقة، والإدلاء بتصريح، وغيره مما لا يهمنا هنا بشكل مباشر..
كل هذه الآيات التي تشتغل بواسطتها الحكومة ورئيسها واضحة ومضبوطة.. وكان للاجتهاد القضائي الإداري دور مركزي في توضيحها وتحديد مكانتها ضمن تسلسل القواعد القانونية والتنظيمية داخل الدولة..
لذلك..
اعتبرت أن كلمة “قرار حكومي” مجانبة للصواب..
فالدستور استعمل مصطلح “القرارات” فقط في الباب المتعلق بالمحكمة الدستورية..
كما استعمل مصطلح “القرار” المتخذ في المجال الإداري.. وأخضعه للطعن أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة، سواء كان تنظيميا أو فرديا (الفصل 118)..
أما مصطلح “البلاغ” الحكومي.. فله قصة أخرى..

الفقرة الثانية: الأساس القانوني للبلاغ الحكومي

للبلاغات والبيانات مكانة خاصة.. اجتهد القضاء الإداري في توضيحها.. جوهر الموضوع هو أنها لا تحمل أي قيمة قانونية على غرار الدستور أو القانون أو المرسوم.. (وتنطبق الملاحظة على “المناشير” التي لم نُعالجها هنا لأنها بعيدة عن موضوع “البلاغات”)..
وحتى من الناحية اللغوية.. واضح أن البلاغ وسيلة للإخبار أكثر منها لاتخاذ القرارات..
لكن قانون الطوارئ الصحية.. الذي يجد أصله في المرسوم بقانون المؤرخ في 23 مارس 2020.. أدخل مصطلحات ومفاهيم جديدة..
أولا.. هناك في عنوان النص إشارة إلى أن الأمر يتعلق بسن “أحكام خاصة” بحالة الطوارئ الصحية..
ثانيا.. المادة الثالثة نصت على آليات جديدة لاتخاذ التدابير.. من بينها “المناشير والبلاغات”..
لذلك، فمبدئيا.. البلاغ الحكومي المتعلق بجواز التلقيح يستند بشكل أو بآخر على مقتضيات قانونية واضحة..
لكن.. الأمر في اعتقادي ليس بهذه السهولة..

الفقرة الثالثة: للبلاغ شروط شكلية وموضوعية

أعتقد أن أول شرط هو أن تُصدر الحكومة هذا “البلاغ”..
طبعا.. متابعة أشغال المجلس الحكومي بينت أن هناك خللا ما:
أولا، اجتماع مجلس الحكومة ليوم السبت 16 أكتوبر 2021..
وفق “البلاغ” الصحفي الصادر عن الحكومة.. والمنشور في موقع رئاسة الحكومة.. كان هناك جدول أعمال مكثف.. عرض حول الإجراءات التحضيرية لإعداد مشروع قانون المالية للسنة المالية 2022.. ثم مشروع قانون تنظيمي.. ثم الاطلاع على خمس اتفاقيات..
ثانيا، اجتماع مجلس الحكومة ليوم الاثنين 18 أكتوبر 2021..
مرة أخرى.. وكالعادة.. وفق “البلاغ” الصحفي الصادر عن الحكومة.. والمنشور في موقع رئاسة الحكومة.. تم تخصيص هذا الاجتماع لتدارس مشروع قانون المالية برسم سنة 2022 والمصادقة عليه..
ملاحظة.. تنشر الأمانة العامة للحكومة في موقعها الإلكتروني كلا من جدول الأعمال.. و”البيان” الصادر عن الحكومة في الموضوع..

الفقرة الرابعة: بلاغ وكالة المغرب “العربي” للأنباء!!

في نفس يوم اجتماع المجلس الحكومي يوم 18 أكتوبر 2021.. صدرت “قصاصة” أو “خبر” أو “مقالة” أو “بيان” أو حتى “بلاغ” لوكالة المغرب العربي للأنباء، على الساعة 18.38..
تضمنت “قصاصة” الوكالة العنوان التالي: “الحكومة تقرر، ابتداءً من الخميس المقبل، اعتماد مقاربة احترازية جديدة قوامها “جواز التلقيح” كوثيقة معتمدة من طرف السلطات الصحية”.
أختار لكم التعابير التالية: قررت الحكومة… أوضح بلاغ حكومي… كما يضيف البلاغ… وأشار البلاغ… وخاصة “وإذ تؤكد الحكومة، يضيف المصدر ذاته”…
فهل تلقت الوكالة نسخة من البلاغ مباشرة من الحكومة أم أن لها “مصدر” آخر؟

الفقرة الخامسة: تساؤلات ووجهة نظر

أولا.. سيبقى السؤال مطروحا..
ما المانع من نشر البلاغ على موقع رئاسة الحكومة؟ أو موقع الأمانة العامة للحكومة؟
ثانيا.. لماذا أنا ضد آلية “البلاغ”؟
أعتقد أن واضعي مشروع قانون الطوارئ الصحية.. كان يحكهم هاجسين..
من ناحية أولى.. الرغبة في اتخاد التدابير بشكل سريع نظرا لخطورة الوباء..
ومن ناحية ثانية.. احترام تسلسل آليات العمل واختيار المناسب منها..
لنُـلاحظ معا..
المادة الثالثة من ذاك القانون تنص على ما يلي:
“… تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم”.
النص واضح..
آليات العمل الطبيعية تتمثل في المراسيم والمقررات التنظيمية والإدارية..
وآليات العمل الاستثنائية تتمثل في المناشير والبلاغات..
المجموعة الأولى.. تتطلب إجراءات نوعا ما “ثقيلة”..
والمجموعة الثانية.. تتلاءم مع حالة السرعة..
النص استعمل بين المجموعة الأولى والمجموعة الثانية “أو”..
والسرعة تكون -وفق النص نفسه- من أجل “التدخل الفوري والعاجل”..
والحال أن الحكومة.. ولو كانت قد اتخذت “القرار” يوم الاثنين 18 أكتوبر.. فإنها اعتمد “جواز التلقيح” انطلاقا من يوم الخميس (21 أكتوبر)..
لم تكن هناك ما يتطلب اللجوء إلى البلاغ في موضوع غير عاجل..
والأدهى من كل ذلك.. أن الحكومة كانت تُدرك أن يومي الثلاثاء والأربعاء عطلة دينية.. يتحرك فيها المغاربة.. وذاك مؤشر على أنه لم يكن هناك أي استعجال..
وبالتالي الأمر كان يتطلب آلية عادية مرسوم أو مقرر تنظيمي أو إداري..
“مقرر” وليس “قرار”..

إقرأ أيضا

الفقرة السادسة: بخصوص مضمون البلاغ الحكومي

لا يمكنني الخوض في مسائل ذات طابع علمي/صحي..
إلا أن الاحتكام للديمقراطية يفترض أن تنضبط الأقلية للتوجه العام للأغلبية..
ويفترض الأمر الالتزام الجماعي بمقتضيات الفصل 37 من الدستور”
“على جميع المواطنات والمواطنين احترام الدستور والتقيد بالقانون. ويتعين عليهم ممارسة الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة، التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات”..
كما يتطلب الأمر استحضار الفصل 21:
“لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته.
تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع”..
لنترك السلطة تُمارس صلاحياتها لما فيها مصلحة الجماعة..

إن قانون حالة الطوارئ الصحية وُضع لتأطير تدبير أوضاع البلاد خلال فترة انتشار “أمراض معدية أو وبائية”.. الا أن الجهاز التنفيذي مدعو لبذل المزيد من الجهود بهذا الخصوص ما دام ان البرلمان لا زال بعيدا عن تحمل هذه المسؤولية بمبادراته الخاصة.
لذلك.. ولغيره..
نذكر الجميع أن القضاء على سبيل المثال، قد يحكم بالبراءة أو حفظ الدعوى… فقط لأسباب مسطرية.. ولهيئة المحامون باع طويل بهذا الخصوص..
وعلى الحكومة أن تستفيد من هذه المبادئ العامة.. لأنه حتى ولو كان مضمون تدابيرها صحيح ومقبول، فإن المسطرة المتبعة قد تكون سببا كافيا للإلغاء..
بقي أن أقول إنني متفق مع العديد من التحاليل والاشارات إلى ما يمكن أن يترتب عن فرض “جواز التلقيح” من مسؤوليات قانونية لا حصر لها.. وهي بذلك تسير بالموضوع في نفس توجه قانون منع التدخين في الأماكن العمومية الذي لم يجد طريقا للتنفيذ نتيجة عدم إمكانية منح صفة قانونية لجميع المواطنات والمواطنين قصد تحرير المحاضر..
لذا، فإسناد مراقبة جواز التلقيح لغير المؤهلين قانونا لذلك “خطوة نحو فوضى قانونية غير مسبوقة”..
نريد حقنا في الحياة.. في ظل تدابير بمساطر قانونية..

*أستاذ القانون الدستوري في وجدة

انتقل إلى أعلى