يقرأ حاليا
سقوط كابول وعودة طالبان: من أجل فهم ما جرى، واستشراف ما قد يأتي
FR

سقوط كابول وعودة طالبان: من أجل فهم ما جرى، واستشراف ما قد يأتي

DR-El-Mostafa-Rezrazi-Ni9ach21-Maroc

كان دخول طالبان إلى كابول سهلا وسلميا، لكنه بسلاسته هذه وضع المجتمع الدولي، وفي مقدمته الإدارة الأمريكية أمام أسئلة صعبة ترتبط بمسئوليات تاريخية تجاه رأيها العام ثم بوعودها تجاه المجتمع الافغاني.

 

صدر عن مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد دراسة للدكتور المصطفى الرزرازي، باحث بارز بالمركز تحت عنوان: سقوط كابول و عودة طالبان 2.0.

 

تتباين الآراء في تقييم الانسحاب السريع للقوات الأجنبية من أفغانستان، بين من اعتبرها حتمية تاريخية طال انتظارها، و بين عاب عليها شكلها اللاأخلاقي تجاه النساء و الأطفال الذين ترعرعوا ، و حلموا بنمط عيش على نموذج إعادة بناء أفغانستان جديدة بمعايير غربية ( أفغانستان ما بعد إعادة الإعمار) ، ليجدوا أنفسهم فجأة أمام مشروع حكم جديد لم تفصح بعد طالبان عن تفاصيله الكاملة. أضف إلى هذا مصير  المتعاونين و المترجمين و المخبرين  ممن  عملوا لصالح القوات  و البعثات الأجنبية لأكثر من عقدين.

.ضمن هذا التشابك التاريخي الذي تعيشه أفغانستان، لم تتردد طالبان في إظهار وجه مرن، يقر بقبول التشاركية في الحكم، و حماية حقوق النساء، و حفظ حقوق الأقليات، و تأمين العمل الحر للصحافة، ثم التعاون من أجل إنهاء الإجلاء.

هل تستطيع طالبان الجديدة، تدبير أفغانستان الجديدة؟

مما لاشك فيه، أن حركة طالبان تواجه  اليوم تحديات كبيرة، يأتي  في مقدمتها معركة ربح قلوب جيل جديد من الأفغان ولد و ترعرع في فضاء حضري لم تساهم فيه طالبان، ثم  معركة ربح ثقة المجتمع الدولي الذي  يستعمل مسألة الإقرار بالشرعية لتطويع الحركة على قبول عدد .من التنازلات التي تبعدها عن هويتها . وأخيرا مسئولية طالبان في حماية أمن البلاد وضمان وحدته

 و يتوقع أن تشهد أفغانستان في الأسابيع المقبلة تفاعلات متزايدة، سواء فيما يتعلق بهندسة إدارة حكم جديدة ، أو الحفاظ على الأمن في مختلف مناطق البلاد ، أو في  مواجهة الحملات الإعلامية الغربية التي تحاول تقويض سمعة طالبان ومصداقيتها. لكن من المتوقع أيضًا أن تعزز طالبان محادثاتها مع واشنطن لتأمين انسحاب سلمي للقوات الأمريكية ، ثم مع روسيا وباكستان والصين و مع كل  الدول التي أرسلت رسائل إيجابية بهدف تطبيع علاقاتها في المستقبل.

لكن بالمقابل تجد طالبان نفسها ملزمة باحترام تعهداتها المتعلقة باستعادة الثقة بين الأفغان ، وطمأنة الرأي العام الدولي ، وتوسيع الحريات ، وإعادة بناء الاقتصاد ، و تنفيذ العفو الشامل على معارضيها و معتقليها،  و توفير الأمن بالبلاد. مع توقعات متزايدة بأن تعمل جيوب المقاومة على تقويض حلم إعادة بناء الإمارة الإسلامية.

تأمين مطار كابول، و نقل المتعاونين  الأفغان مع القوات الأجنبية نحو المطار، يعقد توزيع الأدوار الأمنية بين القوات الأمريكية و قوات طالبان

بالرغم من الجهد الكبير الذي تقوم به كل من قوات طالبان إلى جانب القوات الأمريكية من أجل تأمين عملية الإجلاء من مطار حامد كرزاي الدولي، إلا أن الجدول الزمني الذي وضعته الإدارة الأمريكية لإنهاء الإجلاء، علاوة على غياب لوائح دقيقة خاصة بالأفغان  الذين يتوفرون على الاوراق الثبوتية التي تسمح لهم بالسفر ( جوازات السفر  والـتأشيرات  الخاصة)، عقدت من تعامل قوات طالبان مع الحشود البشرية التي تتوافد على المطار. أما داخل المطار فقد عهد الأمر للقوات الأمريكية المشرفة على الإجلاء. فالفوضى التي تشهدها عملية الإجلاء ليست تنظيمية فحسب، و لكنها فنية و أمنية بالمقام الأول.

فمن جهة تتحمل  القوات الطالبانية عبئ  مراقبة نقط العبور في اتجاه المطار و امام بواباته. مما يفرض عليها تفتيش العابرين، و مراقبة وثائقهم، ثم التحقق من احتمال اندساس انتحاريين من بينهم، بما في ذلك مندسين  محتملين من تنظيم إمارة خراسان التابع لتنظيم الدولة الإسلامية.

و إذا كانت طالبان، حريصة على تأمين المقرات الحكومية و الدبلوماسية ، و الدينية بما في ذلك الحسينيات الشيعية، خوفا من افتعال أعمال عنف من جهات معادية، إلا أن  لغة التشفي و الابتزاز التي تمارسها بعض المؤسسات الإعلامية و السياسية الغربية،  لا تعكس تفهم المجتمع الدولي للمرحلة الدقيقة التي تمر بها أفغانستان، بغض النظر عن المواقف السياسية للدول من حركة طالبان.

حرب الاستنزاف البشري وورقة اللاجئين، معركة خطرة

تتصدر اليوم  قضية  إجلاء المتعاونين  الأفغان . و منهم الكفاءات الهندسية و الفنية و الأمنية. إشكالات حقيقية ستكون تداعياتها كبيرة و مكلفة على المرحلة القادمة المتعلقة بإعادة هيكلة الدولة الجديدة بأفغانستان. صحيح أن  سعي  الألاف من الأفغان الهرب من شبح الانتقام مننهم من طرف حركة طالبان، يبدو مشروعا و مقبولا.  لكن أن تمتد ورقة الإجلاء لتصبح ورقة لتهجير الكفاءات و لتخويف الشعب، أو لتعزيز حلم الهجرة  خاصة بين فئة الشباب الراغب في المغادرة نحو دول الغرب. فإن ذلك سيعزز حالة عدم الاستقرار داخل الشارع الأفغاني، و يرفع منسوب الاحتقان القائم في ظل غياب سلطة حكومية قادرة على تدبير شئون الناس بشكل عادي.

إقرأ أيضا

كثيرون يذكرون أزمة اللاجئين بأوروبا عام  2015، حيث  شهدت مختلف الدول الاوروبية حركة تضامنية واسعة لصالح المهاجرين الفارين من سوريا و غيرها من مناطق النزاع. وقامت على إثر ذلك عدة منظمات دولية وأممية و محلية لأجل استيعاب موجات الهجرة، وتأمين ظروف معيشية لائقة  لهؤلاء المهاجرين/اللاجئين. لكن سرعان ما انقلب الحلم كابوسا، إذ بعد الأحداث الإرهابية التي شنتها تنظيم الدولة الإسلامية بباريس ثم بعواصم أوروبية أخرى، سارعت نفس الدول على تشديد اجراءات الهجرة و العبور و الإقامة،

و تشكل مسألة الهجرة الأفغانية انشغالا حقيقيا ليس  نحو أوروبا فقط، بل أيضا تجاه تركيا و دول حدودية أخرى مثل إيران و باكستان و أوزبكستان و تركمانستان.

أما بعض دول العبور الجوي، مثل دول الخليج فإنها تبدو لأسباب ديموغرافية و جيوسياسية،  أكثر حذرا  في التعامل مع ملف هجرة اللاجئين الأفغان.  إذ ستقتصر  أغلبها على المشاركة في عمليات الإجلاء نحو عواصمها ، في اتجاه بلد ثالث. ووفق الإحصائيات المتوافرة، يعيش بدولة الإمارات العربية المتحدة حوالي 200000  ألف أفغاني قدم عدد كبير منهم إلى هناك مطلع سبعينات القرن الماضي. و ينتشرون على مختلف الإمارات و بخاصة مدينة العين ، و دبي، و أبو ظبي  ويعملون في مجالات البناء والزراعة و التجارة و الخدمات. أما السعودية، فتحتضن حوالي 100,000 أفغاني  بينما لايتجاوز عدد الأفغان المقيمين بقطر حوالي 10000 أفغاني. و يقدر عدد الأفغان المقيمين بإيران أكثر من  مليونين أفغاني بذون أوراق ، إضافة إلى حوالي ستين ألفا  من حاملي جوازات السفر الأفغانية.

و يذكر ان السعودية والإمارات وباكستان كانت أولى الدول التي اعترفت بحكم طالبان في أفغانستان خلال الفترة ما بين 1996 و 2001، و هو ما يزيد من حذر الدولتين الخليجيتين في  تعاملهما مع الوضع الجديد بعد  عودة سيطرة طالبان على العاصمة.

أثر عودة طالبان على المعنويات النفسية للإسلام السياسي بالشرق الأوسط

في الشرق الأوسط الذي يرتبط جيوستراتيجيا مع ما يحدث بجنوب و وسط أسيا ، ستواجه الدول العربية صعوبات كبيرة في التعامل مع أفغانستان الجديدة ، لأنه من غير المرجح أن نموذج أداءها في تدبير الإسلام السياسي ما بعد الربيع العربي لن يكون فعالا  في التعاطي مع نمط الحكم “المعتدل” الجديد لإمارة أفغانستان الإسلامية. لأن المؤشرات تظهر أن سقف تنازلات طالبان لن تجعها أقل تشددا من الأحزاب الإسلامية النشطة بدول المنطقة العربية.

انتقل إلى أعلى