يقرأ حاليا
“ذاكرة البرلمان”.. هكذا جنَّب نوابٌ المغاربة أداء ضريبة 5000 درهم
FR

“ذاكرة البرلمان”.. هكذا جنَّب نوابٌ المغاربة أداء ضريبة 5000 درهم

“ذاكرة البرلمان” هكذا يطلق على عبد الحي بنيس، من مواليد مدينة فاس، 1952، ولج كغيره من أبناء جيله المسيد، وبعد ذلك التحق بالمدرسة الإبتدائية، لكنه لم يستطع تحقيق أي نجاح يذكر داخل الفصل الدراسي، “لم أكن أستوعب الدروس، وكأنني قادم من كوكب آخر”، يقول بنيس.

الرسوب المتكرر في المؤسسة الإبتدائية، جعل بنيس يتخذ قرار الإنقطاع عن الدراسة، وولوج عالم الصناعة التقليدية عبر حرفة الخرازة التي ورثها عن والده، وفي نفس الوقت كان يهوى اللعب على خشبة المسرح فطرق باب أب الفنون بين أحضان الشبيبة الإستقلالية في فاس، لتكون خشبة المسرح جسرا بينه وبين البرلمان.

شاوش بدرجة كاتب

في 14 أكتوبر 1977، ولج البرلمان كعون خدمة “شاوش” بإدارة الفريق الإستقلالي (السلم 1)، بحكم عدم توفره على شواهد مدرسية، فكان عالَما مبهرا بالنسبة له وكذلك الأسماء الكبيرة التي التقاها، في زمن كانت سمعة البرلمان في أوجها، حيث كانت المعارضة “تقيم الرعب في البرلمان”، بحسب تعبيره، فقد كان المجلس يتألف من 44 نائبا مهنتهم وحرفتهم المعارضة، لذلك كان بنيس يشعر أنه ولج جامعة القرويين أو مسجد مولاي ادريس، فكانت الإنطلاقة.

اشتغل بنيس كأنه “نحلة” تحلق في ذلك المحيط يجمع الرحيق من زوايا البرلمان ويسعى إلى الإبتكار، فكان يتابع الجلسات بكل حواسه ويحاول متى سنحت له الفرصة التدخل لحل بعض الإشكالات، كحرصه على تسليم بعض الوثائق اللازمة لرؤساء المجلس في لحظات تيه أو ارتباك لأعضاء البرلمان، أو مساعدته لأمين المجلس في عملية عد أعضاء الأغلبية والمعارضة “كنت دائما أتابع وأعد وأرسل له عدد المصوتين بشكل دقيق”.

أول عمل توثيقي

“حبه جعلني أبتكر وكان النواب يقولون لي خسارة فيك السلم 1″، هكذا عبر “الرجل البسيط والكبير بعمله” عن ارتباطه بقبة البرلمان، لقد كان يجمع كل وثيقة تظهر أمامه (ملتمس، مشروع قانون، مداخلة، مقال صحفي)، كما بدأ البحث في الجريدة الرسمية، ومطالعة الخطب الملكية ورصد ما قيل فيها حول البرلمان، فتوج مجهوده سنة 1982 بأول عمل توثيقي حول موقف الفريق الإستقلالي من قضية الوحدة الترابية، وكان محمد العربي المساري، مدير جريدة العلم، من قام بتقديم له، وهو عمل وصل صداه إلى مؤرخ المملكة ومدير الوثائق الملكية، عبد الهادي بوطالب، الذي راسل بدوره رئيس مجلس النواب يطلب منه ثلاث نسخ.

ابتداء من سنة 2001 كان عبد الواحد الراضي رئيس مجلس النواب يحث بنيس على إصدار كتب حول عمل البرلمان وتقديمها للملك، خلال افتتاح الدورة التشريعية، فاقتنع الراضي بالفكرة وطرحها على المكتب، فصادق عليها وتم تشكيل لجنة ترأسها عبد العزيز المسيوي، الذي كان نائبا للرئيس، وكان بنيس عضوا فيها، فقاموا بإعداد 12 كتابا قدموها للملك محمد السادس سنة 2002.

ساهم بنيس بمجهوده في هذه الكتب وأعد أربعة منها، وهو مجهود كان يرجو أن يكون مقدرا من قبل المسؤولين إلا أنه لم يحظَ بكلمة شكر، أو بدعم مالي، ما دفعه لإصدار الكتب بنفسه.

إقرأ أيضا

قرر بنيس إصدار أول كتاب حول “المرأة في الخطب الملكية” سنة 2006، وبعدها أصدر “الموسوعة البرلمانية” وهو العمل الذي أنتجه على شكل مجلدين، توجد نسخة منهما بجامعة “هارفارد”، مستمرا في إنتاجاته إلى أن وصل إلى الإصدار الثالث والعشرين، ويستعد حاليا لإصدار ثلاث كتب، الأول بعنوان “البرلمان المغربي في عشر ولايات تشريعية بكلفته المالية 1963 2012” ، والثاني “مسار حكومات ووزراء المغرب في عهد ثلاثة ملوك”، يتحدث فيه عن 400 وزير منذ أول حكومة شهدها المغرب إلى غاية الولاية الحالية، أما الثالث فيحمل عنوان “الأمازيغية في التشريع المغربي” وهو كتاب اعتمد فيه على الجريدة الرسمية ببحثه عن القبائل ذات الأصول “البربرية”، فصنف حوالي 400 نص ضمن عشرة أبواب، وقد نال بنيس شكر مدير المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بعدما قدم له نسخة، وينتظر أن يقوم المعهد بطبعه.

البرلمان كما كان

“كان النواب يحملون هم الشعب ويدافعون عن قضاياه” يقول بنيس، متذكرا مشروع قانون كانت الحكومة قد تقدمت به في سنوات التسعينات، وكانت مقتضياته تلزم المواطنين المغاربة بأداء مبلغ 5000 درهم كضريبة على استخدام الصحن الهوائي “البارابول”، فالتجأ النواب إلى امحمد الخليفة عن حزب الإستقلال، وفتح الله ولعلو عن الإتحاد الإشتراكي، إلى المجلس الدستوري للطعن في القرار، وعلى إثر ذلك قدم الملك خطابا أمر فيه بإلغاء هذا القرار.

 

انتقل إلى أعلى