يقرأ حاليا
قصة بوجلود.. طقس احتفالي “يهودي” يخلق الجدل بالمغرب
FR

قصة بوجلود.. طقس احتفالي “يهودي” يخلق الجدل بالمغرب

 مع كل مناسبة عيد الأضحى تحتفل جهة سوس، بالطقس الاحتفالي “بيلماون/ بوجلود” كما يسميه أهل المنطقة. يتم تجسيد مجموعة من الشخصيات (بيلماون، تيعزا، أسماخو..) التي يتقمصها شباب المنطقة، وفي مقدمتهم  “بوجلود”، وأبطالها أشخاص يرتدون جلود ” الأكباش”، و “الماعز”، كشكل احتفالي فلكلوري متوارث تختلف الروايات حول أصله، لإدخال الفرحة على قلوب الساكنة.

 

طقوس بوجلود حسب المعلومات التي استقاها “نقاش 21” من خلال زيارته لـ”بوجلود” في كل من” مدينة إيمنتانوت وضواحي شيشاوة”؛ تنطلق في اليوم الثاني لعيد الأضحى، وتستمر في الغالب لمدة 3 أيام، يتم عبر مجموعات يجوبون من خلالها أزقة المدينة؛ ويتم خلالها جمع مبالغ مالية تستعمل في الغالب لأعمال خيرية، أو لتنظيم حفلة كبيرة في أخر أيام بوجلود”.

لحظة الاستعراض، تسبقه مجهودات كبيرة من طرف شباب يقومون بخياطة الجلود، إذ يتم في الغالب بجمع 6 إلى 7 جلود، لتشكل لباسا موحدا، كما يتم سلخ جلد رأس الماعز لكي يحافظ على شكله، ويضفي نوعا من التناسق.

ويقوم فريق آخر بإعداد ألبسة لشخصيات تُستلهم في الغالب من أبطال الأفلام الأجنبية، كما يتم إعداد الطبول والآلات الموسيقية الأخرى”.

المجموعة  المكونة من  أكثر من 20 شخصا، أثناء جولاتها في أزقة المدنية، مع كل عشية الأيام الثلاثة التي تلي العيد، يقوم بعضهم بدق الطبول، وأخرون يرددون الأغاني الأمازيغية، وفق ضربات متتالية محدثا لحنا شبيها بالألحان الإفريقية الصادحة.

وأثناء الاستعراض، يتم تقسيم الأدوار بشكل منتظم،  بحيث يقوم كل شخص  من داخل المجموعة بارتداء لباس موحد يناسب تخصصه، فرقة “طبول” وفرقة “تسكوين” و فرقة “تعزة “،  إلى جانب “بوجلود” الذي يلبس بدوره لباسا موحدا.

فرحة العيد

غالبية الساكنة هنا، في مناطق سوس تعتبر هذه الاحتفالات تدخل في التراث الشعبي، الهدف منه هو نشر الفرحة والسرور، وجمع المال من أجل أهداف خيرية، وكشكل فرجوي مغربي خالص.

وفي هذا السياق، قال عبد الرحيم أمدجار، ناشط أمازيغي، ابن منطقة شيشاوة،  إن بيلماون هو الفن الذي يقودنا لمعرفة ما هو جمال الطبيعة، وما هو عيش السعادة،  ومن تم هو القائد نحو الحياة ما دام تجسيدا وتمثيل الواقع والطبيعة.”

وأوضح أن “بيلماون هي عادة مألوفة ومعتادة لدى الناس، وهي بمثابة عقد تراث شعبي يعرفه الصغير والكبير. أي أنه صار في لاوعي الناس وفي ذاكرتهم و وجدانهم شيئا راسخا و موجودا مألوفا بل وصار واقعا يستحضرونه في كل مناسبة عيد أضحى، أو غيره من المناسبات كعاشوراء والمولد النبوي وغيره.

واعتبر المتحدث ذاته، أن الدولة المغربية، لها دورها كبير جدا في النهوض بثقافة بيلماون الإنسانية، وعليها دعم وتشجيع تظاهراته والإرتقاء بها للمكانة التي تستحقها كثقافة ساعية لنشر قيم التعايش و السلم الإنساني والفرح والجمال، وإيصالها للعالم أجمع كما فعلت الجارة الشمالية إسبانيا.”

أصل بوجلود

تختلف الروايات حول أصل هذه الاحتفالات التي مازالت متجدرة في عادات ساكنة منطقة سوس، بحيث يقول بعض الباحثين المغاربة، إن أصله من اليهود مشيرين إلى أن من بين الشخصيات التي يجسدها بيلماون هي “أوداي” وتعني” يهودي” بالأمازيغية، ونظرا لعلاقة الترابط التي كانت في القدم تجمع بين الأمازيغ واليهود المغاربة.

كما تقول رواية أخرى، أن جذورها تعود إلى عهد الرومان الذين كانوا يحتفلون بما يسمى بـ”ديونيسيس”، من خلال مرور موكب يضمّ ممثّلين يرتدون أقنعة بصحبة أطفال، ويغنّون أناشيد دينية، لتتحول إلى عادة مرتبطة بعيد الأضحى، ويرتدي الشبان جلود الأضاحي.

إلا أن جانبا آخر من الباحثين اتجه إلى أن أصل هذه الإحتفالات جاء عن طريق التعايش القائم بين مختلف الديانات التي كانت موجودة بالمغرب، حيث كان يخرج المسلمون لتقاسم فرحة عيد الأضحى مع جيرانهم من مسيحيين و يهود.

جدل بين المدافعين ورجال الدين

مع  كل عيد أضحى، وبداية هذه الطقوس الاحتفالية يطفو إلى السطح نقاش بين التيار الديني المعارض لهذه الاحتفالات، وتيار آخر ينادي بتعزيزها والاحتفاظ بها كتراث ثقافي لامادي للمغرب.

أصوات رجال الدين في منطقة سوس، تدعو إلى التخلي عن هذه العادات والتقاليد الأمازيغية المترسخة في المجتمع المغربي، والتي يعتبرونها حرام وأصلها من “اليهود”.

وفي هذا السياق، كتب ناشط فيسبوكي تدوينة يقول فيها، “بوجلود أو بيلماون” حرام فيه تشبه بأهل الجاهلية والمشركين، وفيه ما فيه من الآثام والذنوب المصاحبة له من معازف و سكر وزنى وسرقة وغيرها من كبائر الذنوب،لكن بعض المغفلين السذج  يعتبرون هذا تراث ثقافي، فلم يكتفوا بمشابهة أهل الشرك في عاداتهم بل حتى في أقوالهم”.

 وفي الجانب الآخر، يؤكد  أحمد عصيد الباحث في الثقافة الأمازيغية، أن “بيلماون” من الطقوس الاحتفالية الأمازيغية العريقة، التي تعكس فنا فرجوياً يتقمص فيه الإنسان أدوارا حيوانية وغرائبية، وهو فرجة شعبية تمتد بجذورها في عمق التاريخ الوثني القديم، وإن كانت قد ارتبطت في المرحلة الإسلامية بأضحية العيد، حيث يلتقي فيها معنى القربان بمعنى التقمص والتمثيل والتعبير الشعبي عن مزيج من المعتقدات الشعبية والأساطير. 

وأوضح عصيد أن  هذا الطقس الاحتفالي كان  معمما على كل التراب الوطني باسم “بيلماون”  في المناطق الناطقة بالأمازيغية و”بوجلود” في المناطق الناطقة بالدارجة، وبوجلود  ترجمة حرفية للتسمية الأمازيغية بيلماون. ويفسر الطابع الوثني القديم لهذه الاحتفالية أسباب محاربة الإسلام السياسي لها سواء التيار السلفي أو الإخواني حيث يعملون بجهد كبير على تسفهيها، غير أن الجمعيات المدنية حملت على عاتقها مهمة العناية بها وتنظيمها في صيغة “كرنفال” في عدة مدن.”

انتقل إلى أعلى