يقرأ حاليا
“غيرت مجال عملي”.. كورونا عرت الواقع الاقتصادي لنساء المغرب
FR

“غيرت مجال عملي”.. كورونا عرت الواقع الاقتصادي لنساء المغرب

“انطلاقا من شهر مارس من سنة 2020 بدأ الوضع يتأزم، خاصة مع إقفال متجري الخاص لمدة شهرين أثناء إقرار الحجر الصحي المنزلي” هكذا انطلقت ثوريا (35 سنة) في البوح لـ”نقاش 21″؛ ومثلها الكثير من النساء اللواتي أفلست مشاريعهن الخاصة بسبب الأزمة الاقتصادية والوبائية التي عاشتها المملكة المغربية، على غرار العديد من الدول.

قبل ثلاثة سنوات افتتحت ثوريا، متجرها الخاص نواحي مدينة الرباط، كانت تبيع فيه الملابس الجاهزة ومواد التجميل، لكن مع تفشي فيروس كورونا، وتزايد الإجراءات الاحترازية، ذاقت مرارة الأزمة، وتراجعت مبيعاتها بفقدانها نسبة هامة من زبائنها، في الوقت الذي استمرت فيه في أداء سومة الكراء، وفواتير الماء والكهرباء، واقتناء سلع جديدة لعرضها في المتجر، لأنه “نحاول إثارة انتباه الزبون بالملابس الجديدة لعله يشتري شيئا”.

تقول ثوريا لـ”نقاش21″: “بعد أن تراجعت المبيعات بشكل حاد، وتراكمت علي الديون، والالتزامات الأسرية، كان لا بد من تغيير مجال عملي كاملا، اضطررت لبيع الملابس بثمن بخس، أقل بكثير من قيمتهم الأصلية، وسلمت مفاتيح المحل لصاحبه، ثم توجهتُ للعمل في محل لصناعة الحلويات والخبز، لضمان مبلغ شهري قار أسد به الاحتياجات المُلحة؛ وأفكر في خلق مقاولة خاصة للأكل الجاهز، لأنني لا أطمح للبقاء رهينة مبلغ شهري واحد”.

ويرى صلاح الدين البدوي، مقاول وصاحب فضاء للعمل التشاركي لتطوير أفكار المقاولات، أن “الكل تضرر من الجائحة، ولم يكن هناك أن اختلاف بين المقاولة النسائية وغيرها، ولكن في المقابل كان هناك الفرق بين نوعية الأنشطة المقدمة من المقاولات، إذ هناك عدد من المجالات استطاعت المقاومة والانعتاق من الأزمة”.

“خدمات التوصيل، معامل النسيج التي استطاعت توجيه نشاطها لصنع الكمامات، فضلا عن الشركات المتعلقة بصناعة مواد التنظيف والمعقمات، وكل ما هو متعلق بالمواد الأساسية القابلة للاستهلاك” كل هذه مجالات استطاعت البقاء والحفاظ على انتعاشها الاقتصادي في ظل تفشي فيروس كورونا، وتنامي حِدة الأزمة الاقتصادية.

بحثا عن لقمة حلال

حسناء، من مدينة الراشيدية، شابة في مقتبل العمل حاصلة على شهادة الباكالوريا وشهادة لتدبير وكالة الأسفار، وشهادة سكرتارية عامة، تدرجت في عدد من المهن، تقول “جربت كل شيء مهنيا، المهم أن الأمر حلالا طيبا، وصبرت كثيرا للوصول لمنصب يرضيني في مجال تدبير وكالات الأسفار، لأنه المجال الذي يلبي طموحاتي الشخصية”.

عملت حسناء لسنوات، مقابل مبالغ هزيلة، رغبة منها في تطوير إمكانياتها، وتحقيق ذاتها، مؤكدة “كنت أشتغل بـ1500 درهم شهريا، والعمل كان بنظام معلوماتي دقيق جدا، خطأ بسيط قد يتسبب في خصم 300 درهم من المبلغ، وما قبل أزمة كورونا ارتفع راتبي قليلا، فبات أملي كبيرا، قبل أن يتم تسريحي من العمل بمبرر الضيقة المالية للشركة”.

وبحسب عدد من المختصين في مجال الأعمال والمقاولة، إن فقدان الشخص لوظيفته لا يقل ضررا عن فقدان شخص عزيز عليه، إذ يمر حينها بنفس المراحل الانفعالية، انطلاقا من الصدمة والإنكار، ثم الغضب والمساومة، وصولا لتقبل الأمر الواقع والأمل.

“ضاقت بي الدنيا، فأصبحت أبحث عن بديل مهني، خاصة أن لدي مسؤوليات مهنية كبيرة” تروي حسناء، مشيرة “كان الحل في اليوتيب، بمحتوى سياحي ممزوج بنوع من الحكي؛ باشرت في صناعة المحتوى أثناء فترة الحجر الصحي المنزلي، وقررت بعدها الاستمرار، الأمر سيكون أفضل بالنسبة لي صحيا إذ أعاني من عدد من الأمراض، كما أنه أفضل ماديا، وهذه مسألة هامة بالنسبة لي”.

ولا زالت وضعية سوق الشغل تعاني من مخلفات الأزمة التي عاشها الاقتصاد الوطني خلال سنة 2020، حيث تميزت أساسا بارتفاع البطالة وعدم النشاط خصوصا في صفوف النساء والشباب؛ بحسب مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط حول “وضعية سوق الشغل خلال الفصل الأول من سنة 2021”.

إقرأ أيضا

ويؤكد صلاح الدين، المتخصص في مجال المقاولة، أن “هناك تزايد في نسب إحداث المقاولات بعد الأزمة، في الوقت الذي لم تستطع فيها عدد من المقاولات استئناف أنشطتها”، مؤكدا “على النساء أن تنفتح على مهن وقطاعات جديدة، لكي تُثبت نفسها أكثر في الشغل؛ خاصة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي والمهن الحديثة، في الوقت الذي تشتد فيه المنافسة على المهن التقليدية”.

البطالة بطعم التأنيث

وتجرعت النساء مرارة فقدان العمل، جراء الأزمة الاقتصادية التي عايشها المغرب في ظل الأشهر القليلة الماضية؛ إذ وجدت جل النساء نفسها عاطلة بين ليلة وضحاها، أو في أفضل تقدير تم تقليص ساعات العمل في الأسبوع بنسبة 24.4 المائة، حيث انتقلت من 86 مليون ساعة إلى 65 مليون ساعة؛ في الوقت الذي فكرت فيه الكثير من النساء في تغيير مجال عملهن، رغبة منهن في الكسب المادي المستمر، وهربا من “شبح البطالة القاتل”.

يمكن القول إن هاته النساء أفضل من غيرها؛ من العاملات في المطاعم والمقاهي، البائعات المتجولات، العاملات في الحمام العام، العاملات في صالونات التجميل وتصفيف الشعر، الخادمات في البيوت، وغيرهن من الفئات في وضعية هشاشة؛ اللواتي وجدن أنفسهن دون دخل ودون تعويض رغم كون غالبتهن مسؤولات عن أسرهن وعائلاتهن، الشيء الذي كان له انعكاس أخطر على مجريات حياتهن، إذ منهن من فقدن سكناهن، أو مهددين بالطرد جراء ارتفاع مبلغ الديون من إيجار وفواتير متراكمة لأشهر، كما أن من بينهن من أصبحن أكثر عرضة للعنف لعدم توفيرهن لمصروف الزوج اليومي أو مصروف الابن أو الأخ أو الأب.

انتقل إلى أعلى