يقرأ حاليا
تقرير: تحولات جيوستراتيجية في الشرق الأوسط تقودها السعودية.. هل يعود نظام الأسد لجامعة الدول العربية؟
FR

تقرير: تحولات جيوستراتيجية في الشرق الأوسط تقودها السعودية.. هل يعود نظام الأسد لجامعة الدول العربية؟

بعد أزيد من 10 سنوات على اندلاع الحرب في سوريا، والإجماع العربي على خروج نظام بشار الأسد من جامعة الدول العربية، إثر ما ألحقه هذا النظام من “تقتيل وتجريم” في حق الشعب السوري، اليوم نرى مساع حتيتة تقودها مجموعة من الدول وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لإقناع الدول الرافضة، بعودة سوريا وشغل كرسيها الشاغر منذ 2012 داخل جامعة الدول العربية.

 

تحولات جيو استراتيجية بمنطقة الشرق الأوسط، تلوح في الأفق، وتطرح معها العديد من التساؤلات، خاصة بعد عودة تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران، فما هو السياق المفسر لتحول الموقف السعودي؟ وهل المملكة المغربية ستوافق على عودة نظام بشار الأسد لجامعة الدول العربية؟

أسباب خورج سوريا لم تتغير

تجميد العلاقات بين المغرب وسوريا، اعتبره خبير العلاقات الدولية، أحمد نور الدين، “ارتبط بسياق دولي وعربي عام، حيث كان هناك اتفاق عربي على تجميد مقعد سوريا بجامعة الدول العربية، في إطار دعم الدول العربية للشعب السوري في ثورته ومواجهة الآلة القمعية للنظام السوري التي تعاملت بشكل وحشي مع المتظاهرين المدنيين مما أدى إلى سقوط الآلاف من القتلى وصل مجموعهم حاليا إلى ما يقرب نصف مليون قتيل، بالإضافة إلى تهجير حوالي 11 مليون سوري من موطن سكنهم الأصلي سواء باتجاه مناطق أخرى داخل سورية نفسها خاصة بالشمال أو إلى خارج البلد”.

“وبالتالي هذا التوجه العربي كان هدفه دفع النظام السوري إلى التوقف عن التنكيل بشعبه وفتح الحوار مع المعارضة لإيجاد نظام سياسي يجد فيه كل السوريين  مكانهم، وكانت هناك بالفعل بدايات مشجعة سواء من خلال مسار جنيف الأممي او مسار استانا الذي كانت ترعاه تركيا وروسيا وإيران”، يقول أحمد نور الدين.

وتابع: “هذا السياق لم يتغير، والجرائم التي يرتكبها نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري ما تزال قائمة، وبالتالي الأسباب  الكامنة وراء تجميد عضوية سوريا داخل الجامعة العربية لم تتغير بعد، مما يطرح العديد من الأسئلة، حول الدوافع الحقيقية التي جعلت الدول العربية وخاصة السعودية تغير موقفها اليوم”.

عوامل متشابكة

وفي تحليله لهذه الأسباب، أشار المحلل السياسي، إلى السياق الدولي الذي يتسم ببداية تشكل محاور جديدة في الشرق الأوسط قد تكون السعودية طرفا فيها مدفوعة في ذلك بإكراهات سياسية وأمنية وجيوسياسية، منها ما هو داخلي محض يهم الخلافات داخل العائلة الحاكمة نتيجة تداعيات التغير الذي جرى في منصب ولي العهد وما صاحبه من تطورات”.

“وشق آخر يتعلق بالرجة في علاقة مركز القرار السعودي بالتيار المحافظ والعلماء نتيجة سياسة الانفتاح السياحي مثلا والإصلاحات المجتمعية المتسارعة ووضعية المرأة”، يضيف خبير العلاقات الدولية. 

وأشار احمد نورالدين، إلى وجود اعتبارات أخرى إقليمية تخص “الأمن الوطني السعودي الذي أصبح مهددا بضربات ميليشيات الحوثيين، التي استهدفت مراكز حساسة مثل حقول النفط وناقلات النفط والمطارات وحتى العاصمة الرياض”. 

وأوضح المتخصص في العلاقات الدولية، أن “هناك اعتبارات دولية تهم أساسا الابتزاز الذي تتعرض له الرياض من طرف حلفائها التقليديين، وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا لأسباب استراتيجية ولكنها تتذرع أحيانا بوضعية حقوق الإنسان، خاصة بعد حادثة خاشقجي وغيرها. وقد صادف هذا التوجه السعودي هوى  روسيا والصين، اللتان تدفعان باتجاه إعادة ترتيب النظام العالمي، وتسعيان بكل الوسائل إلى تضييق النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط والعالم بأكمله، وهذا ما يمكن أن يفسر جزئيا الوساطة الصينية التي افضت الى المصالحة بين السعودية وإيران”.

هذا الوضع الأمني أكد المتحدث، هو ما “فرض على السعودية البحث عن طريق لتهدئة الجبهة الحوثية حماية لأمنها، وهذه الطريق تمر بالضرورة عبر طهران التي تستعمل ورقة الميليشيات والفصائل الطائفية لخدمة أجندتها في منطقة الشرق الأوسط”.

ولكن طهران يؤكد، خبير العلاقات الدولية، “لها أيضا حساباتها الخاصة وأكيد أنها تفاوض حول سلة من القرارات والتنازلات المشتركة مع الرياض في المنطقة بأسرها، وقد يكون على سبيل المثال ثمن تحجيم الحوثيين في اليمن، من بين أمور أخرى،  هو قبول السعودية تطبيع علاقاتها مع سورية، وقد يتقاطع  هذا المطلب  مع موسكو أيضا التي كان تدخلها العسكري في سورية حاسما في إبقاء النظام، وقد تكون هناك أوراق أخرى في المفاوضات تهم لبنان وربما البحرين والعراق بالإضافة إلى اليمن”.

غير أنه من الناحية الجيوسياسية، أوضح، أحمد نور الدين فإن “السعودية ليست لها مكاسب كبيرة تجنيها من هذا التحول الاستراتيجي في موقفها من النظامين السوري والإيراني، غير التي أتينا على ذكرها سابقا، في الوقت الذي سيتعزز فيه النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، بل وسيصبح لإيران محور أو تكتل يدور في فلكها داخل جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى مكاسب جانبية مثل تعزيز موقف طهران في مفاوضات النووي، وإعطاء إيران فرصة لاستعادة أنفاسها اقتصاديا وسياسيا، وسيمكنها من تحجيم المعارضة الداخلية التي تصاعدت في السنوات الأخيرة بسبب تدهور الوضع الاقتصادي وبسبب التضييق على الحريات العامة كما تابعنا في الثورة النسائية بعد اغتيال السيدة مهاسا أميني تحت التعذيب “. 

وأضاف المحلل السياسي، أن هذا “النفوذ الإيراني سيزيد من عوامل إضعاف منظومة الأمن القومي العربي  من الداخل، وبالتالي من الصعب فهم حرص المملكة العربية السعودية على عودة سوريا لجامعة الدول العربية، دون ربطه بهذه المعادلة الجيوسياسية التي تتداخل فيها حسابات موسكو والتطبيع مع طهران وحتى مصالح بيكين في مواجهة واشنطن بالخصوص”. 

خطأ تاريخي

وفي سؤال حول الموقف المغربي، وموافقة المملكة على عودة سوريا، لجامعة الدول العربية، أوضح أحمد نور الدين،  أن “المغرب اتخذ موقفه القاضي بتجميد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سنة 2012، في إطار القرار العربي الموحد، ووفق التوجه الدولي آنذاك الذي كان قد سحب المظلة عن بشار الأسد، وكان الاتجاه يسير نحو إسقاطه بعدما تجاوز “الخطوط الحمراء” التي كانت واشنطن قد وضعتها ومنها استعمال دمشق للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، وكان تدخل طيران الحلف الأطلسي وشيكا لولا وضع موسكو كل ثقلها لمنعه مما حدا بواشنطن إلى التراجع في آخر لحظة رغم التهديدات التي سبق وأن أطلقتها هي وحلفاؤها”.

وتوقع المتحدث أن المملكة المغربية، “قد تساير الموقف العربي إذا كانت غالبية الدول داخل الجامعة العربية ترغب في عودة دمشق لشغل كرسيها من جديد”.

وإن كان المتكلم قد اعتبر أن الموافقة على عودة سوريا دون شروط سيشكل، “خطأ دبلوماسيا وسياسيا وأخلاقيا فادحا، سواء من قبل  الدول العربية أو المملكة المغربية، خاصة وأن الوضع لم يتغير داخل سوريا، ولم يتم التوصل إلى حل ينهي الحرب وينهي مأساة الشعب السوري ويضمن حقوق المهجرين وحقوق المعارضة، وبالتالي الموافقة على عودة النظام ستمنحه شحنة للاستمرار في سياسته لإبادة المعارضة السورية، وستكون الدول العربية قد تخلت عن الشعب السوري في منتصف الطريق لحصوله على الحرية والديمقراطية، دون أي تنازل من النظام، ودون أدنى مشروع مصالحة مع المعارضة، وهذا أمر فيه خذلان لشعب بأكمله يطالب بالحرية والكرامة وفيه تبخيس لتضحيات هذا الشعب، وهو أمر لا يشرف الدول العربية أمام التاريخ”. 

إقرأ أيضا

للمغرب أوراق

واعتبر خبير العلاقات الدولية أن “المخاطر المحتملة بالنسبة للمغرب في حال عارض عودة دمشق إلى الجامعة العربية واستئناف العلاقات معها،  لا تتجاوز إمكانية اتخاذ النظام السوري موقفا راديكاليا تجاه القضية المقدسة للشعب المغربي والمتمثلة في الصحراء المغربية”.

إلا أن أحمد نور الدين استبعد ذلك نظرا لكون النظام السوري لم يتجاوز في السابق، قبل الربيع العربي، فتح مكتب  لجبهة “البوليساريو” الانفصالية في دمشق، ولم يصل أبدا إلى الاعتراف بالكيان الوهمي في تندوف، رغم الضغوط والإغراءات الجزائرية الرهيبة.

فالاعتراف بجمهورية تندوف يتعارض مع إيديولوجية حزب البعث الحاكم في سوريا، القائمة أساسا على الفكر القومي والدعوة إلى الوحدة العربيةK وليس إلى تقسيم الدول العربية وتشجيع المنظمات الانفصالية.

وتحدث نور الدين عن الأوراق التي يملكها المغرب، ويستطيع توظيفها، في حال عملت الحكومة السورية على استفزاز المملكة المغربية، بتخطي الخطوط الحمراء و اعترافها بالكيان الوهمي في تندوف، فإن الرباط يمكنها في إطار مبدأ التعامل بالمثل أن تقدم الدعم المباشر، والواسع لفصائل المعارضة السورية وتدعم الثورة السورية، وتوفر لها الدعم السياسي اللازم، كما يمكن للمغرب أيضا في إطار “العين بالعين والبادئ أظلم” أن يعترف بالمعارضة الكردية المطالبة بالإنفصال عن النظام السوري، وإن كان ذلك لا يتماشى مع سياسة المغرب الداعمة لوحدة وسلامة أراضي الدول، ولكن للضرورة أحكام. 

وقال نور الدين في تصريحه، “لكل هذه الاعتبارات لا أظن أن النظام البعثي، سيتجاوز الخطوط الحمراء بالنسبة لملف وحدتنا الترابية، وإن كان كل شيء ممكنا في عالم السياسة”. 

ونبه المتحدث إلى أن “الجزائر تسعى بشكل كبير إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، حتى تكون لها يد بيضاء على دمشق توظفها في ابتزاز المغرب، كما تثبته ممارسات الدبلوماسية الجزائرية ضد مصالح المغرب طيلة نصف قرن”.  

وفي ختام تصريحه شدد خبير العلاقات الدولية، أن “سياسة المغرب كانت دائما تتبنى الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وكان المغرب دائما حريصا  على التوافق العربي والمصالحة بين الأشقاء، لذلك لا أظن أن يتشدد المغرب  بخصوص عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، إذا كان هناك إجماع حول هذا القرار، خاصة وأن المغرب ليست لديه مصلحة خاصة في ذلك غير مصلحة وواجب دعم الشعب السوري”.

انتقل إلى أعلى