
أضحى تواجد الهاتف النقال داخل المنزل أمر ضروري، بل أصبح عند البعض من بين أساسيات الحياة. وأصبح الأطفال والمراهقين يمضون معظم أوقاتهم في مشاهدة الفيديوهات بتطبيقات التواصل الافتراضي. في المقابل الأسرة/العائلة لا تنال إلى قسطا صغيرا من وقتهم، وهو ما يضرب في مقتل استمرارية الثقافة والهوية المغربية.
إشكال أصبحت تواجهه دول العالم، فأمريكا عبرت عن تخوفها من تطبيق “تيك توك” وما يمكن أن يلحقه من هيمنة للثقافة الصينية على الثقافة المحلية. والمغرب لا يشكل استثناء، فالشارع المغربي غني بمجموعة من الصور المجتمعية التي تؤكد تداخل الثقافات وتأثر الثقافة المغربية بالثقافات الأخرى، حتى أنه في بعض الأحيان نتحدث على اندثار الثقافة والهوية الوطنية لدى البعض.
في هذا الإطار أكد محس بن زاكور، خبير علم النفس الاجتماعي، في تصريح لـ “نقاش21″، أنه أثناء علاجه لبعض الأطفال وجد أن منهم من يقضي أزيد من 10 ساعات وهو يشاهد الفيديوهات القصيرة المتواجدة على تيك توك ومختلف المنصات الرقمية الحديثة، فكيف لا يمكننا الحديث عن التأثير”.
وشدد المتحدث على أن “التأثير موجود لكن الإشكال هو اتخاذ الأطفال بعض الأشخاص قدوة يتم اتباعهم في كل شيء”.
“وقد طرحت على بعض الحالات سؤالا متعلقا برغباته الجنسية أو توجهاته بصفة عامة، وكان الجواب هو لا، أنا قدوتي في الحياة هو الشخص فلان، وبالتالي أنا أيضا أتبع نفس النهج”. يقول بن زاكور.
واعتبر الأخصائي أن “هنا يبدأ التأثير الثقافي والفكري والهوياتي بكل أصنافه، سواء تعلق الأمر بالهوية الثقافية، الهوية الجنسية، الهوية الفكرية وحتى النفسية، وهذا يؤكد وجود تأثير”.
والسؤال المطروح حسب المتدخل يتمثل في “هل هذا التأثير يمكن أن نطرح معه سؤال تغيير الهوية الوطنية والثقافية، هذا الأمر يتعلق أساسا بالصراع الموجود منذ سنوات والمتمثل في مدى حضور مؤسسات التنشئة الاجتماعية خاصة الأسرة والمدرسة”.
وأضاف بن زكور أن “الطفل يدخل في صراع بين هويتين الهوية والوطنية، والهوية الغربية، التي يتأثر بها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والخطورة تطرح عندما لا يوجد لدى الطفل هذا الصراع حيث لا نجد من يمثل للطفل الهوية والثقافة الوطنية بشكل قوي، كما لا يتم فتح باب النقاش سواء داخل البيت أو المدرسة حول هذا الموضوع وبالتالي يكون تأثير كلي لمواقع التواصل الاجتماعي على الطفل”.
وتابع: “الطفل يتأثر بشكل قوي من خلال الفيديوهات القصيرة والسريعة التي يشاهدها بشكل مستمر، وفي ظل غياب البديل الثقافي المغربي وفيديوهات مغربية تتحدث عن الثقافة الوطنية يصبح شبه تشرب لتلك الثقافة الدخيلة وهنا نتحدث عن التأثير”.
وأقر خبير علم النفس الاجتماعي أن “الشرط الأساسي لعدم فقدان الهوية هو وجود بديل من حيث الصراع بالنسبة للطفل”.
فمن الضروري خلال فترة المراهقة أن يجد البديل أثناء رغبته في اختيار هويته وثقافته، والحرص على تجنب هيمنة تيار واحد، والمتعلقة بالفضاء الرقمي بل على العكس نجد حضور للأسرة والمدرسة والإعلام والفن أيضا.
واعتبر الخبير في تصريحه أنه “لا يمكن أن نقوم بمحاولة منع الأبناء من الولوج للفضاءات الرقمية، وهذا الصراع لابد أن يمر منه الشخص، لكن ما يجب القيام به هو محاولة تعريف الطفل بهويته وثقافته وتجنب هيمنة الخطاب الواحد حتى يكون التأثير أقل”.
وأشار المتحدث إلى أن “ما يقع هو الانبهار على اعتبار أن الشخص شعر بالنقص والدونية، لكن إذا اشتغلنا على إعطاء قيمة للثقافة والهوية الوطنية، والرقي بها إلى المستوى المطلوب سيفتخر بها الطفل”.
كما أن “تأثر الطفل هو ليس من مسؤوليته فهو ليس من واجبه أن يواجه العالم بمفرده من أجل تحقيق النصر وهذا أمر لا يمكن بل يجب تضافر مجهودات كل الفاعلين من أجل جعل التأثير أقل حدة”، يضيف خبير علم النفس الاجتماعي.
وفي ختام تصريحه قال محسن بن زاكور، إن “التأثير موجود على اعتبار أن الطفل في مرحلة المراهقة يصبح في أمس الحاجة إلى بناء هويته وشخصيته، بالإضافة إلى طرح أسئلة وجودية كبرى وهي أسئلة من الصعب تركه في مواجهتها بشكل فردي، وبالتالي لابد من الحوار الأسري كما أن التعليم عليه فتح باب النقاش والرقي إلى مستويات أعلى والكف عن تقديم دروس جافة”.