يقرأ حاليا
“ربيع الإرهاب في الجزائر”.. “نقاش21” تُركب تفاصيل كتاب فضح بشاعة الاستخبارات الجزائرية
FR

“ربيع الإرهاب في الجزائر”.. “نقاش21” تُركب تفاصيل كتاب فضح بشاعة الاستخبارات الجزائرية

“هنا يغتصب العملاء السريون الجزائريون رجلاً، وأبا جزائريا أصيلا.. إنه العم سعيد الذي تعرض لشتى أنواع العنف والاعتداء الجنسي: التعري واللمس واللواط الجنسي باستخدام قضيب حديدي، رغم أنه اعترف بجميع التهم الموجهة إليه”، شهادة صادمة لأعمر رامي، أحد الناجين بعد خمس سنوات من التعذيب من طرف الاستعلامات العسكرية الجزائرية خلال العشرية الدموية، الفترة السوداء المحفورة في تاريخ الشعب الجزائري.

 

حكى مؤلف كتاب “ربيع الإرهاب في الجزائر” عن جرائم التعذيب الممنهج وروايات ضحايا ما زالوا على قيد الحياة، مسلطا الضوء على فترة مؤلمة في تاريخ الجزائر، صنعتها أيادي جنرالات سفاحة. 

“كانت الأصفاد حول معصمي ووشاح أسود يلف أعيني ومسدس كبير موجه إلى رأسي حين تم اقتيادي بقوة وإرغامي على صعود الأدراج المؤدية لمكتب الاستجواب”
أربعة فصول من الوحشية

في أربعة فصول، استطاع رامي أن يكشف حقائق مرعبة تفوق استيعاب قارئي المذكرات، ساهمت في إماطة اللثام عن أسطورة تم حياكتها حول القدرات الخارقة لمصالح الأمن الجزائري. ووصف بجرأة كبيرة الأساليب المستخدمة في التعذيب والقمع والاغتيالات وإبادة المواطنين الأبرياء، والتي كانت بهدف توليد إحساس الرفض للعمل المسلح لدى الأولياء والأقرباء والأصدقاء مما يدفن أي رغبة في الالتحاق به أو دعمه. وأيضا بهدف كبت الحماس المتأجج والرغبة الجامحة للشباب والصغار للالتحاق بالجبهات المروية بدماء الشهداء.

وتابع رامي مذكراته راويا ما قام به خريجو مخافر “عرين الشياطين/المخابرات” من إبادة للإسلاميين بعد انقلاب 1992، ولقبهم بـالإرهابيين الحقيقيين، والذين ما زالوا على نفس النهج في أيام هذا الحراك، يستخدمون طرق التصفية الجسدية ضد المتظاهرين الشباب.

“كانت الأصفاد حول معصمي ووشاح أسود يلف أعيني ومسدس كبير موجه إلى رأسي حين تم اقتيادي بقوة وإرغامي على صعود الأدراج المؤدية لمكتب الاستجواب”، هكذا وصف رامي عملية اعتقاله التعسفي بسبب تهمة ملفقة متمثلة في حيازة سلاح فائق القوة. متابعا ” قبل أن أضع عيني على كل تلك الخرق البشرية المتكئة على الحائط، أخذت نفسا عميقا تبعه تطهير عاطفي عميق حيث بدأت بالبكاء بصوت عال”.

“تقارير مستوحاة من اعترافات كاذبة ومصاغة دون تحقق”
“غرفة التحضير للموت”

تعرض مؤلف كتاب “ربيع الإرهاب في الجزائر” لثماني جلسات تعذيبية وحشية، ذاق فيها أشد أنواع التعذيب، ولكن بالنسبة للعملاء الملثمين بالسواد كانت مجرد لعبة، حيث كان كل واحد منهم يتداول على رمي الكرسي على الأقل مرة واحدة على رامي. أفعال مشينة مرعبة تم ارتكابها بيد جزائري على جزائري، الهدف منها هو التحقق من وجود أياد أجنبية في القضية.

رامي تحدث أيضا عن عملاء “مركز عبلة” الذين يكتبون تقارير مستوحاة من اعترافات كاذبة ومصاغة دون تحقق. وعن مئات من مراكز الاعتقال السرية، المعترف بها مثل مراكز الشرطة والدرك المنتشرة في جميع أنحاء الجزائر. 

رامي لم يكن هو الوحيد الذي تعرض لجلسات تعذيبية عديدة، فقد روى كذلك قصة اعتقال شاب يبلغ من العمر 19 عاما بالقرب من قاعة الصلاة في حيه أين كان يأم الناس لصلاة العشاء. وتم رميه في مكان، حيث كانت الأوساخ وسوء المعاملة والقمل ورائحة البراز والبول وخاصة البرد والجوع والعطش. وتم إطلاق سراحه بعد فترة من الإساءة إليه من طرف “المدمنين على الجنس الشرجي” من دائرة الاستعلام والأمن، ثلاثة منهم استغلوه جنسيا لإشباع غرائزهم الحيوانية ليس لشيء سوى تعليمه كيفية التسكع مع الإسلاميين وإمامة صلاتهم.

“ثم عرضوهم على المدعي العام وتم سماع قراءته تحت تهديد الكلاشينكوف خلف رؤوسهم”
التوقيع في الظلام

روى المؤلف كذلك عن الابتزاز الذي تعرض له من خلال توقيع وثيقة في الظلام مقابل خروجه من مركز عبلة، ووافق رامي وأقنع رفاقه بالتوقيع دون تردد لكي تسنح لهم فرصة تقديمهم أمام المحكمة.

وبالفعل تم نقلهم إلى قصر العدالة بعبان رمضان حيث يعمل قضاة المحاكم الخاصة التي أنشأتها حكومة عصابة جنرالات انقلاب يناير، ثم عرضوهم على المدعي العام وتم سماع قراءته تحت تهديد سلاح “الكلاشينكوف” خلف رؤوسهم، بحيث واجهوا إحدى عشرة تهمة تتراوح أحكامها بين السجن لمدة خمس سنوات والإعدام. ليتم إرسالهم بعدها إلى سجن بربورس وتم استقبالهم من طرف حراس السجن بطريقة عدوانية وتم وضعهم في زنزانة بها شقوق كبيرة مليئة بالنباتات الكثيفة، زنزانة ميتة منذ إعدام آخر شهيد كان يسكنها.

رحلة الموت

“كانت الطائرة تحلق على ارتفاع منخفض وبابها مفتوح على مصراعيه طوال الرحلة لإخافتنا، أو جعلنا نعتقد أنه سيتم إلقاؤنا من الطائرة، من شدة خوفهم من أي ردة فعل محتملة منا، وخاصة السجناء المحكوم عليهم بالإعدام، قاموا بربط أنفسهم بعناية شديدة وبطريقة محسوبة تمنعهم من الوصول إلى باب الطائرة”، هكذا وصف المؤلف رحلتهم في الطائرة لنقلهم من سجن بربورس إلى سجن لامبيز، ثالث أكبر سجن في العالم.

 تعرض رامي ورفاقه أثناء الرحلة لاعتداءات جبانة من قبل رجال مدربين على محاربة المسلحين المطلعين على قواعد  القتال العادل، وبدلا من ذلك هاجموا وسط السماء رجالا غير مسلحين مقيدين بأمان.

بعد الرحلة بدأ فصل جديد من الوحشية من طرف حراس السجن الجديد، وهنا انهارت قدرات رامي الجسدية والعقلية ولم يعد يستطيع التحكم في أفكاره نتيجة للرعب الذي تسلل روحه.

“الشلف”

بعد ترحيل المؤلف ومجموعة من السجناء  إلى سجن “الشلف”، وبعد مقتل أحد حراس السجن، تحدث رامي عن الإجراءات الانتقامية المتشددة التي تمثلت في منع القرآن في جميع مرافق السجون فأصبحت أي قراءة أو كتابة إسلامية تنتج عنها عقوبة في سجن الشلف. إضافة إلى الاعتداءات الوحشية والجنسية على صغار السن. 

إقرأ أيضا

تطرق المؤلف أيضا لنوعية الطعام “المثيرة للاشمئزاز” وحصولهم على نصف كوب من القهوة وقطعة صغيرة من الخبز على الإفطار.

سجن آخر له سجل أسود من الانتهاكات المنهجية على يد حراس نشروا الرعب والابتزاز بين نزلاء السجون الخاضعين لسلطتهم. 

“مشاهد لم يجرؤ عليها حتى هتلر النازي في معسكرات الاعتقال”
السراح ولكن ليس الخلاص

وتابع مؤلف “ربيع الإرهاب في الجزائر”، الذي تم إطلاق سراحه  في نهاية عام 1997، مذكراته باستذكار الرعب الذي عاشه هو ورفاقه خلال فترة اعتقاله، واسترجاع “مشاهد لم يجرؤ عليها حتى هتلر النازي في معسكرات الاعتقال”، تم من خلالها تدمير نفسية الإنسان بالكامل أو فقدها إلى الأبد. 

يقول الكاتب إن ” الطغمة العسكرية اختارت خلق مناخ من الإرهاب، ولعب رجالها، الذين من المفترض أن يخدموا الأمن القومي، دور المافيا والبلطجية، وأطلقوا العنان لفائض من العنف السادي والوحشي”.

وأكد رامي على أن “المبرر لكتابة هذه المذكرات هو تغيير الأوضاع في الجزائر وتنظيف العدالة والمطالبة بوضع حد للإفلات أينما يتم انتهاك حقوق الجزائريين”. مضيفا ” أنا لست أفضل ما يمكنه التأكيد على الحاجة إلى أجهزة الأمن والاستخبارات -حتى لو توجب أن تعمل في سرية- بشرط أن تكون على قد المسؤولية وتحت المراقبة وخاضعة للمساءلة عن جميع أنشطتها، وهذا ما ليس متاحا بعد في الجزائر”.

وبالعودة لأحد فصول المذكرات، فالمؤلف توجه بشكل صريح وواضح “لإخوانه في المآساة”، طالبا منهم كتابة مذكراتهم مثله لفضح نظام عسكري مستبد، كان وما يزال ينتهك حقوق شعب حر. 

وختم أعمر رامي مذكراته بجملة ستظل راسخة في عقول كل رافض للظلم.. “لكن النضال سيظل مستمرا”.

انتقل إلى أعلى