يقرأ حاليا
تصاعد التوتر بالجامعة بسبب “الحوادث الأخلاقية”.. قاضي بالمجلس الأعلى للحسابات يوضح لـ”نقاش21″
FR

تصاعد التوتر بالجامعة بسبب “الحوادث الأخلاقية”.. قاضي بالمجلس الأعلى للحسابات يوضح لـ”نقاش21″

تصاعد التوتر مؤخرا داخل عدد من المؤسسات الجامعية، بسبب ما وصفه جامعيون باستهداف الجامعة وفرض إجراءات غير قانونية من قبيل آليات الاستماع للطالبات “ضحايا التحرش”، إذ اعتبروا الأمر يدخل في إطار تشويه سمعة الجامعة، ونسب فعل التحرش للأساتذة بشكل مسبق، ولإيجاد نهاية سليمة لهذا المسلسل الذي انطلق من كلية الحقوق بسطات، يرى محمد براو الخبير والقاضي بالمجلس الأعلى للحسابات  في العودة للقواعد الأكاديمية لمحاربة الفساد مخرجا.

 

سلامة التشخيص

يرى محمد براو، الخبير الدولي في الحكامة والمحاسبة ومكافحة الفساد، أن الجامعة أمام فساد مزدوج، الأول أخلاقي يعصف بقداسة الحرم الجامعي، من خلال القيام بأفعال مخلة بالأخلاق، وفساد مهني، بانتهاك ضوابط سلوكية متواضع عليها قانونيا، وإداريا وأخلاقيا، تتعلق بالاستقامة والشرف والوقار، في إيتاء الخدمة العامة طبقا للقواعد المتعارف عليها فيما يخص الوقاية من الفساد والرشوة ومحاربتهما، والتي قوامها منع استغلال المنصب العمومي من أجل تحقيق أغراض شخصية.

الفساد بهذا المعنى، يتابع المتحدث في اتصال مع “نقاش21”، ينطوي على عناصر تكوينية، عنصر طلب، وعنصر عرض، وكذا عنصر التواطئ أو الوساطة، “فنحن أمام فساد وارتشاء مؤداه طلب الحصول على رشوة مقابل تخويل منفعة قد تكون مستحقة كما قد تكون غير مستحقة، لكن الارتشاء الناتج عن التحرش الجنسي أو المعنوي، قد يكون من جهة طالب رشوة جنسية، كما قد يكون بمبادرة عارض لها”.

وإذا كان المتعارف عليه أن الرشوة تكون نقدية عن طريق المال، مقابل النقطة، كشراء كتاب الأستاذ من أجل النقطة مثلا، أو عينية كالطالب الذي يتطوع لشراء أضحية العيد للأستاذ الذي يقبل الأعطية مقابل النقطة، وهلم جرى، فوجه الخطورة هو أن الرشوة الجنسية، مرتبطة بظروف التشديد كالضغط والإكراه والابتزاز والتمييز، على أساس الجنس، فالواجب إذن هو سلامة التشخيص والحذر من الاختزال في التعريف أو التعميم في المسؤوليات أو التغليط في المفاهيم.

في حاجة لجواب آني

لقد تم تحريك آليات التفتيش والتحقيق والإحالة على المحاسبة الإدارية والمساءلة القضائية حسب الحالة، وهو ما استحسنه براو مؤكدا أن وزارة التعليم العالي قد نجحت في ترك انطباع إيجابي بعد تكليف لجنة التفتيش والتحري والتحقيق، واقتراح الإجراءات المناسبة في إطار احترام قرينة البراءة، حيث تم تأمين جواب قوي إداري وقضائي، أفلح مبكرا ومؤقتا في بلوغ هدفي الردع الخاص والردع العام لكل من تسول له نفسه التفكير في ارتكاب مثل هذه السلوكات.

وأضاف الخبير “في البعد الهيكلي للجواب المنتظر ينبغي أن نعي أن هذه الحوادث غير جديدة وليست مفاجئة في حد ذاتها، لكن الجديد هو كشفها، والجرأة في الحديث عنها من قبل ضحاياها، إنها إذن ظاهرة قائمة وتاريخية تشكل الفراغات في منظومة حكم القانون والشفافية والمحاسبة”.

ومن جهة أخرى، يقول المتحدث إن “هذه السلوكات تغذيها النظرة الدونية التشييئية للمرأة التي تكرس وضعيتها الهشة في المجتمع، ولن يتأتى الجواب الهيكلي المتين إلا من خلال المزج الإيجابي بين معادلة العالمين كليتغارد وكريسي، الأول الذي تبنى المقاربة المؤسساتية، فيما اعتمد الثاني المقاربة السوسيولوجية في تعريفه للفساد وتحديد عوامله ومحفزاته وتنزيلهما بشكل متناغم ومتزامن على مستوى قطاع التعليم العالي، وذلك من خلال العمل على مراجعة منظومتنا المعيارية والمؤسساتية في قطاع التعليم في اتجاه المزيد من الشفافية والنزاهة والمراقبة الذاتية.

ويبدأ هذا المسار بإرساء قواعد ومنافذ لمزيد من الشفافية المشجعة على تحرير اللسان والكشف عن المبيقات المسكوت عنها، لأن البعض يدعي أنه يمسك بتلابيب القرار الإداري.

الإصلاح الشامل

ويرى براو أن ما ينبغي الانكباب عليه بعمق وروية، هو استغلال الإصلاح الجاري الإعداد له في منظومة التعليم العالي، من أجل استحضار واستدماج هذه الحاجة إلى معالجة المشكلة الأخلاقية في الجامعة ومشكلة النزاهة بوجه عام.

وفي هذا الإطار دعا إلى تطعيم القانون الأساسي للتعليم العالي وسائر الأنظمة واللوائح والمساطر الداخلية بمزيد من الشفافية وتقليص هوامش السلطة التقديرية المبالغ فيها، أو التي تمارس الاحتكار أو الانفراد في القرار، كمراجعة شروط الانتقاء والولوج إلى مسالك الماستر والدكتوراه، وتفادي حالات التنافي وتضارب المصالح مثل المشرف على الأطروحة الذي هو رئيس لجنة تقييمها.

إقرأ أيضا

وأكد على أن يتم ذلك من خلال التوافق والمشاركة العمودية والأفقية ولاسيما من خلال التنسيق بين الوزارة الوصية ورؤساء الجامعات حتى لا يتم الوقوع في تناقض وتضارب السياسات والإجراءات مع توحيد التفسير وتقليص هوامش التأويل المطاط التي قد تحتويها النصوص المعتمدة.

في نفس السياق عبر قطاع “الجامعيون الديموقراطيون” عن استنكاره لتنصيب رؤساء الجامعات لـ “خلايا الإنصات” معتبرا ذلك غير قانوني، وكذلك الأمر بالنسبة لإطلاق رقم أخضر وبريد إلكتروني للإبلاغ عن قضايا التحرش.

وبحسب المصادر ذاتها فإن “رؤساء الجامعات مدعوون لتحمل كامل مسؤوليتهم، والاضطلاع باختصاصاتهم الإدارية لمحاربة هذه الظواهر الشاذة والمعزولة، وفتح مكاتبهم لاستقبال الشكايات في حال وجودها”.

كما حمل القطاع نفسه رؤساء الجامعات التي ظهرت فيها هذه الملفات “مسؤولية تقصيرهم في حماية الضحايا وفق ما تقتضيه الضوابط القانونية”، مستنكرا في الآن ذاته “أسلوب التعميم الذي يهدف إلى خلق صورة نمطية مغلوطة بناء على ممارسات مرضية شاذة ومعزولة”، مطالباً “بإقرار المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة، وتشديد العقوبات الزجرية ضد كل الممارسات الحاطة من كرامة الإنسان، بما فيها التحرش والعنف المادي والمعنوي، في احترام لقرينة البراءة”.

ودعا المصدر ذاته إلى الإصلاح الشمولي والمتكامل للتعليم العالي والبحث العلمي عبر مداخل تجويد وتحديث التكوين البيداغوجي والرفع من نسبة التأطير وتحديث ودعم البحث العلمي وربط التكوين بالبحث والارتقاء بالموارد البشرية في إطار الوظيفة العمومية والرفع من الإعتمادات المالية وتطوير الترسانة القانونية المؤطرة للتعليم العالي والبحث العلمي وتحسين الحكامة الجامعية.

انتقل إلى أعلى