يقرأ حاليا
تحليل: ألمانيا “تتودد” للمغرب.. هل نجحت الرباط في تليين موقف برلين؟
FR

تحليل: ألمانيا “تتودد” للمغرب.. هل نجحت الرباط في تليين موقف برلين؟

بعد شهور من التوتر الحاد بين المغرب وألمانيا وصل الى حد استدعاء السفيرة المغربية من براين للتشاور، يبدو أن العلاقات بين البلدين تسترجع عافيتها وتأخذ مجراها الطبيعي خصوصا بعد إصدار وزارة الخارجية الألمانية لبلاغ رسمي يؤكد أهمية العلاقات التاريخية بين المغرب وألمانيا معتبرا المملكة المغربية شريكا مهما في غرب البحر الأبيض المتوسط.

 

وتحاول ألمانيا طي صفحة التوتر القائم بينها  والمغرب، وذلك بموقف جديد ومتقدم من مغربية الصحراء، بحيث عبرت في بلاغ لها، عن كون مخطط الحكم الذاتي يشكل “مساهمة مهمة” للمغرب في تسوية النزاع حول الصحراء، مبرزة أن “برلين تدعم الجهود المبذولة من طرف المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل، دائم ومقبول على أساس القرار 2602”.

“وتكمن أهمية البلاغ الألماني في توقيته من جهة وفي مضمونه المتقدم من جهة أخرى”، يوضح الخبير في العلاقات الدولية، حسن بلوان، أنه جاء مباشرة مع تنصيب مستشار وحكومة جديدة في ألمانيا خلفا للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي عرف عهدها مجموعة من التراكمات دفعت المغرب إلى إعادة تقييم علاقاته مع ألمانيا خاصة بعد الموقف اللامتوازن من قضية الصحراء المغربية ومحاولاتها تهميش دوره الإقليمي”.

“ألمانيا أنجيلا ميركل” كانت تخوض حربا باردة ضد مصالح المملكة وتعاديها بشكل غير مفهوم، في ملفات عدة أولها معاكسة المكاسب المغربية في الصحراء، والثاني الوقوف ضد مساعي المغرب في حل الأزمة الليبية، وذلك بإبعادها عن واجهة هذا الملف الذي تمسك المغرب زمامه، إلى جانب احتضانها محمد حاجب المدان سابقا بتهم الإرهاب”.

 

 

وقد عبر المغرب عن موقفه بعدما تم إبعاده عن مؤتمر برلين الأول من طرف ألمانيا، إذ أكد بوريطة حينها أن “ليبيا ليست كعكة دبلوماسية، بل هي معاناة شعب، منذ مدة وإرادة شعب لكي يخرج من الأزمة عن طريق الانتخابات وليس صور أو حضور أو عدم حضور”.

كما صعدت الرباط، حدة المواجهة مع ألمانيا مباشرة بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، إذ صرح ناصر بوريطة  في لقاء مع المستشارين البرلمانيين   قائلا  إن علاقة المغرب مع ألمانيا يجب أن “تراعي الوضوح والمعاملة بالمثل”.

ولإذابة جليد الخلاف، قالت الوزارة الخارجية الألمانية،  إن “المملكة المغربية تعتبر حلقة وصل مهمة بين الشمال والجنوب على الصعيدين السياسي والثقافي والاقتصادي، كما تعد شريكا رئيسيا للاتحاد الأوروبي وألمانيا في شمال إفريقيا، حيث تقيم الرباط وبرلين علاقات دبلوماسية منذ عام 1956”.

وأوضحت خارجية برلين، أن “المغرب أطلق إصلاحات شاملة على مدى العقد الماضي، مشيرة إلى أنه “يلعب دورا رئيسيا في الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة، حيث يتضح هذا بشكل خاص، من خلال التزامه الدبلوماسي بعملية السلام الليبية”.

واعتبر بلاغ الخارجية الألمانية، أن “هناك علاقات اقتصادية وتجارية كبيرة بين المغرب وألمانيا، مستدلا باحتلال برلين المرتبة السابعة في الميزان التجاري المغربي، وهي السنة التي شهدت كذلك، استيراد الشريك الأوروبي بضائع من المغرب، بقيمة 1.4 مليار يورو، وتصديره لأخرى إليه، بقيمة 2.2 مليار يورو، فضلا عن إنشاء ما يقرب من 300 شركة برأسمال ألماني في المغرب، ولاسيما في الدار البيضاء وطنجة.

تبتغي الإشارة إلى ألمانيا حاولت منذ بداية التوتر مع المغرب أن تظهر حسن نواياها وبأن ليس لديها أية مشاكل مع المملكة وأن لا تفهم بواعث وأسباب الموقف المغربي.

 

 

شريك استراتيجي

أكد الخبير في العلاقات الدولية، والباحث في العلوم السياسية، أن “المغرب كان موقفه واضحا من برلين على أساس معارضتها للقرار الأمريكي من مغربية الصحراء، واحتضان الإرهابي حاجب. وبالتالي فبيان الخارجية الألماني الجديد يتضمن عدة مقتضيات تحاول من خلالها الدعوة إلى طي صفحة هذا التوتر  من خلال تكذيب كل ما ورد في إحدى التقارير السويسرية  بشأن تورط ألمانيا في تحجيم الدور الإقليمي للمغرب”.

وشدد شقير في تصريح هاتفي لـ”نقاش 21″، على أن إشادة ألمانيا “بمبادرة المغرب حول الحكم الذاتي، تعتبر رسالة سياسية من الإدارة الالمانية الجديدة لتجاوز هذا التوتر بالإضافة  الى التأكيد على الدور الإقليمي للمملكة سواء من ناحية ضمان الاستقرار السياسي في المنطقة أو ضمان اصلاح الوضع السياسي الداخلي واعلان ألمانيا عن رغبتها في مواصلة   التعاون خاصة في مختلف المجالات الاقتصادية”.

“المغرب يمكن أن يستغل هذه الفرصة لاستئناف علاقاته مع ألمانيا وفق الأرضية الجديدة، التي وضعها لتفكيك التقارب بين إسبانيا وألمانيا بهذا الشأن وفي نفس الوقت جر أكبر عدد من دول الاتحاد الأوروبي إلى صفه”، يقول المحلل السياسي ذاته.

وأشار شقير، إلى أن هذا الموقف الألماني “قد يساهم في جر باقي الشركاء إلى تغيير موقفهم من النزاع في الصحراء وفتح صفحة جديدة في التعامل السياسي والاقتصادي مع المغرب، الشيء الذي سيزيد من عزل الجزائر دبلوماسيا وسياسيا ومنعها من توظيف ورقة الاتحاد الأوروبي في عدائها للمملكة”.

ومن جهته، أكد الخبير والمحلل السياسي محمد بلوان، في تصريح لـ”نقاش 21″، أن البلاغ جاء متقدما من حيث الإشادة بدور المغرب الإقليمي مثمنا الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يقوم بها المغرب كشريك استراتيجي للاتحاد الأوروبي، لكن يبقى أهم موقف جاء به البيان هو الإشادة بخطة الحكم الذاتي، باعتباره حلا موثوقا لحل نزاع الصحراء المغربية المفتعل”.

“إن هذا التغير الواقعي الذي صاحب الموقف الألماني من قضية حساسة بالنسبة للمغرب يترجم بالملموس ما جاء في الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، حيث دخلت الدبلوماسية في إعادة ضبط تحركاتها واعتبار قضية الصحراء ذات أولوية قصوى وعدم تقديم أي تنازلات فيها خاصة تجاه الاتحاد الأوروبي، وهذا ما استوعبته الدبلوماسية الألمانية الجديدة” يقول بلوان.

لهذه الأسباب جاء هذا القرار الألماني

أكد المحلل بلوان، أن “هناك مجموعة من العوامل ساهمت في بلورة الموقف الألماني، أولها “تشبث المغرب بمغربية الصحراء باعتبارها قضية مقدسة غير قابلة للتفاوض او النقاش، ودفاعه المستميت عن هذا المبدأ امام جميع شركائه الأوروبيين”.

وأضاف بلوان أن “وعي ألمانيا في ظل الحكومة الجديدة بدور المغرب الاستراتيجي كمدخل أساسي للقارة الإفريقية، وكقوة مؤثرة في غرب المتوسط، ساهم لبلورة هذا الموقف”.

وكذا “استمرار النجاحات والاختراقات التي راكمتها الدبلوماسية المغربية في أوربا الشرقية كمنطقة مهمة لألمانيا، وبالتالي الوعي بأن أطروحة الانفصال أصبحت معزولة دوليا وإقليميا، وان أي حل للقضية الوطنية لا يمكن إلا عبر مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي” يقول بلوان.

وختم بلوان، مؤكدا على أن “الموقف الألماني هو مؤشر قوي على تغيير استراتيجي في السياسة الخارجية الألمانية، التي ستبحث عن شركاء اقتصاديين جدد خارج أوروبا، ودخول غمار المنافسة على القارة السمراء كسوق واعدة، وتعرف انه البوابة المغربية هي المفتاح لهذا التنافس أمام القوى العالمية المؤثرة”.

انتقل إلى أعلى