يقرأ حاليا
“الألتراس” المغربي.. من مدرجات الملاعب الى قبة البرلمان
FR

“الألتراس” المغربي.. من مدرجات الملاعب الى قبة البرلمان

يطلق عليهم اللاعب رقم 12 في كرة القدم، يجمعهم حب الفريق والدفاع عنه، إنهم مجموعات “الألتراس”، وهي كلمة تعني متطرفون في الحب.

فمبدأهم الأساسي تشجيع الفريق 90 دقيقة متواصلة وطول فترة اللقاء.

اختلف الباحثون في تحديد ظهور “الألتراس” فمنهم من يرجع نشأتها إلى المجر سنة 1929 والبعض الآخر يرى أن ظهور هذه التجمعات بصفة رسمية جاء مع الدوري البرازيلي في أربعينيات القرن الماضي وذلك بظهور مجموعات “الألتراس” المسماة ب”التورسيدا” لتنتقل بعدها الفكرة إلى القارة العجوز. 

أما عربيا فبداية الحديث عن هذه الظاهرة جاء مع فريق النادي الافريقي التونسي بتأسيسه أول ألتراس سميت ب “الأفريكانووينرز”. وبالعودة للمملكة المغربية فتجمهرات “الألتراس” عرفت مع فريق الجيش الملكي بتأسيسها الترا عسكري سنة 2005 وفريق الرجاء الرياضي بتأسيسه ل “غرين بويز” ثم الوداد البيضاوي مع “ألتراس وينرز”، و”كريزي بويز” مع الكوكب المراكشي سنة 2006.

“للألتراس” أربعة مبادئ سواء تعلق الأمر بمجموعات “الألتراس” عالميا أو محليا، فاحترام هذه المبادئ يكشف إن كانت هذه المجموعات “ألتراس” حقيقية أم لا.

وأول هذه المبادئ عدم التوقف عن التشجيع والغناء طوال المباراة أيا كانت النتيجة وذلك من خلال استخدام “التيفوات، وأداء أغاني قوية تثير حماس الفريق”، إضافة إلى عدم الجلوس أثناء المباراة وحضور جميع المباريات سواء داخليا أو خارجيا بغض النظر عن الكلفة والمسافة، وأخيرا الولاء والانتماء لمكان الجلوس في الملعب.

تعتقد مجموعات “الألتراس” حول العالم بوجود ما يعرف بروح “الألتراس” مؤمنين بأنها روح يولد بها أعضاء “الألتراس” ولا يكتسبونها أبدا، و”للألتراس” مصطلحات خاصة بها مثل “الباش، تيفو، وروح الألتراس …”  

وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن هذه المجموعات لا يوجد بها رئيس، فمجموعات (TOP BOYS)هي من تهتم بتنظيم الأنشطة وصنع اللوحات الفنية والتعبيرية، علاوة على هذا ف “الألتراس” تعتمد على التمويل الذاتي ولا تقبل أي إعانة من أي مصدرا كان.

رسائل سياسية قوية

“فهاد البلاد عيشين فغمامة طالبين السلامة نصرنا يا مولانا صرفو علينا حشيش كتامة خلاونا كي اليتامى نتحاسبو فالقيامة…”، ليس شعارا من وقفة احتجاجية، بل هو نبض مدرجات الملاعب المغربية، التي اتخذت من هذا الفضاء مرتعا للتعبير عن أفكارها السياسية والتنفيس عن احتقانها الاجتماعي.

هتافات وشعارات كروية راقية، صنعت بأيادي مشجعي الفرق الوطنية أو ما يعرف ب”الألتراس”، للتعبير عن غضب الجماهير الرياضية والشعب المغربي من الواقع المعاش. وذلك من خلال تمرير رسائل سياسية قوية عصفت بالمشهد السياسي المغربي، خاصة بعد أغنية “فبلادي ظلموني” لفريق الرجاء البيضاوي و “هادي بلاد الحكرة” لاتحاد طنجة، علاوة على أغنية “قلب حزين” لفريق الوداد البيضاوي.

أهازيج لمختلف الأندية الكروية، جعلت الشباب المغربي في قلب دواليب السياسة، وكأنهم اختاروا طريقا آخر لترجمة مواقفهم وإبداء عدم رغبتهم في الانخراط داخل تنظيمات سياسية يصفها البعض بالتنظيمات الانتهازية.

داخل المغرب أو خارجه، حينما نتحدث عن ظاهرة “الألتراس” فنحن نقرنها عادة بأعمال الشغب والعنف والتخريب. لكن الذي لربما لا يلمسه الكثيرون، أن هذه المجموعات أضحت اليوم فاعلا اجتماعيا وسياسيا له القدرة على التنظيم وتدعيم المبادرات الخيرية بهدف الرقي والنهوض بالمجتمع. ولعل وقوفهم إلى جانب الفئات المعوزة خلال جائحة كورونا خير دليل على هذا، ففي أول أيام رمضان المنصرم اتحدت مجموعة من “الألتراس” المساندة للفرق المغربية من أجل تقديم مساعدات غذائية إلى الأسر المعوزة، ليس هذا فقط بل إن صورهم غزت مواقع التواصل الاجتماعي وهم يتبرعون بالدم في العديد من المراكز، الشي الذي يجعل الكثيرين مجبرين على إعادة النظر في مواقفهم تجاه هذه الشريحة من المجتمع.

البديل

أغاني ولوحات تعبيرية “التيفوات” دخل التسييس منطقها، فأصبحت تطرح أسئلة عميقة عن التحولات الفكرية والسياسية. هل يجب على الشباب الانخراط في تنظيمات حزبية وجمعوية للتعبير عن وعيهم السياسي؟ وهل ما نلاحظ اليوم حقا عزوف الشباب عن السياسة أم عجز الأحزاب عن استيعاب احتياجات وتطلعات شباب اليوم، والتي تعبر عنها مجموعات “الألتراس” بشكل أفضل؟ 

“أمينة.ح”، إحدى مشجعات الفريق الأخضر، أكدت في تصريح لجريدة “نقاش21” أن “أغاني الألتراس كانت بمثابة بوابة للدخول والانفتاح على الحياة والممارسة السياسية، فحينما نرى كيف أن الألتراس، تقاوم وتجتهد لإيصال صوت وهموم الشعب المغربي في مختلف المناسبات فهذا يعتبر عاملا قويا للشباب للانخراط في الحياة السياسية”.

واعتبرت المتحدثة ذاتها، أن “مدرجات الملاعب لا يمكن اعتبارها فقط حقل للفرجة والمتعة بل تجاوزت ذلك لتصبح مقاعد برلمانية موازية، بإمكانها تشكيل أرضية صلبة للمشاركة أو الانخراط في بعض الأحزاب أو الجمعيات التي تعبر عن أفكاري وتطلعات من أجل مجتمع أفضل”.

وختمت المتحدثة تصريحها بالقول إن “الأغاني التي يتغنى بها الجمهور و “الألتراس” بصفة عامة لها رسالة واضحة للسلطة، مفادها أن الشباب غير راض على الوضع الحالي، فمشاركته السياسية المحتشمة لا تدل على عدم اهتمامه بالسياسة”.

من جهته يؤكد، الباحث والصحفي المهتم بقضايا المشاركة السياسية للشباب، يوسف اليعكوبي، في تصريحه لـ”نقاش21″ أن “مشجعي مجموعات “الألتراس” المغربية فرضوا توجها آخر، لا يقتصر على التشجيع بل يمتد إلى تمرير رسائل سياسية واجتماعية من داخل مدرجات الملاعب لتتحول إلى وسيلة لإدماج الشباب اجتماعيا”.

وأردف المصدر ذاته، أن ” خطابات مجموعة “الألتراس” تظل شغوفة بالوطن وملتزمة بالمشاركة الفاعلة في مجالات الحياة العامة فرسائلها تدل على الانخراط النضالي لفائدة قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية تتعلق بالمعيش اليومي للمغاربة”.

وخلص الباحث، إلى “أن مشجعو الألتراس منخرطون في الحياة السياسية والاجتماعية لكن بطرقهم الخاصة”.

 

غياب الوسطاء

إن الأناشيد الرياضية صارت اليوم، مصدرا لإلهام الشباب وتشجيعهم لولوج مجال السياسة والتصرف كفاعل حقيقي داخل المجتمع وليس كمشاهد لما يحصل.

في هذا السياق يؤكد، الباحث في السياسات الرياضية، منصف اليازغي، في تصريح لصحيفة “نقاش21” أنه “حين الحديث عن الشعارات الكروية، فنحن نتحدث أساسا عن شعارات تتفاعل مع الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يعيشه المغرب. وبالتالي فرفع هذه الشعارات داخل مختلف الملاعب المغربية يعكس هموم تلك الشريحة من الشباب وما تعيشه في المجتمع بدليل أنه عند تحليل تلك الأغاني تكتشف أنها مستمدة أساسا من الواقع”.

وأضاف اليازغي، ” أن الشباب لربما لعب دورا، كان من الواجب أن تلعبه أطراف أخرى متمثلة في البرلمان والمجتمع المدني والمنتديات السياسية، وفي غياب هؤلاء الوسطاء وعدم جديتهم، أخذ الشباب المشعل للتبليغ عن هذه المشاكل من داخل مدرجات الملاعب”.

هذه الشعارات جسدت حالة من الإحباط تملكت الشباب انطلاقا من سنة 2011 إلى حين ظهور هذه الأغاني، ليعبروا عن عدم رضاهم من التدبير والتسيير خلال هذه المرحلة، خاصة مع الفشل في تطبيق الوعود المقدمة خلال المسلسل السياسي الأخير، يضيف الباحث.

وبالنسبة للمتحدث فإن”ما يجعل من الملاعب مرتعا مريحا، هو عدم وجود قيود لحرية التعبير، خصوصا حينما نكون وسط الحشود. كما أن غياب دور الشباب والمراكز الثقافية، وعدم قيامهم بالدور المنوط بها جعلت مدرجات الملاعب هي الملجأ الوحيد للتعبير عن سخطهم الاجتماعي بكل حرية وارتياح، مضيف بأن الشعارات الكروية الأخيرة جسدت وعيا سياسيا قويا يدل على أن للشباب مستوى تعليمي وفكري عالي، وخير دليل على ذلك هو صنع أغاني بطريقة معبرة ومرتبة ربما أفضل من مداخلات بعض البرلمانيين داخل البرلمان”.

فالشباب لم يغب يوما عن المشهد السياسي، خاصة حينما نتحدث عن ظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي جعلته مدركا لما يجري من وقائع سياسية، وما الشعارات الكروية إلا تجسيد لنضج الوعي السياسي لهذه الشريحة من المجتمع”.

الألتراس في مواجهة الأحزاب

من الواضح أن ما تصنع”الألتراس” له تأثيرات على أفراد المجتمع، فهي تساهم في تنمية الوعي السياسي لدى الشباب فتصبح وسيلة للنقد هدفها الرقي بالمجتمع.

في هذا الإطار أوضح، عبد الرحيم بورقية، صحفي وسوسيولوجي وأستاذ باحث بمعهد علوم الرياضة بجامعة الحسن الأول بسطات، في حوار مع جريدة “نقاش21” أن “ظاهرة “الألتراس” خلقت نسيجا من الألفة الاجتماعية بين شباب ويافعين، يجمعهم انتماء وحب لنادي ومجموعة مشجعين، مما يترتب عنه اتحاد عاطفي وذهني. و”الألتراس” هي نمط حياة بالنسبة لهؤلاء، فالمشجع عليه أن يعيش ويفكر ك “الأتراس” بالبيت والشارع والمدرسة، وفي حياته اليومي. مضيف بأنها “ظاهرة لها العديد من الجوانب المحمودة والإيجابية وأولها في اعتقادي انخراط يافعين وشباب داخل مجموعة، تقوم بعمل جماعي للدفاع عن ألوان نادي معين ومجموعة مشجعين؛ وما يترتب عن ذلك من تقسيم المهام وتخطيط مسبق

وبالتالي تلعب “الألتراس” دورا أساسيا في التنشئة الاجتماعية لليافعين والشباب، بعيدا عن الجمعيات الكلاسيكية والأحزاب السياسية التي لا تستطيع استقطابهم.

وقال الباحث في المختبر المتوسطي بجامعة ايكس مارسيليا، “نعلم جيدا صعوبة إيجاد مكان داخل المجتمع المغربي بالنسبة ليافع أو شاب لم ينل حظه من التعليم الأساسي ولم يذهب قط إلى المدرسة أو تلقى تكوين ما، الألتراس تفتح الباب للجميع دون تمييز اجتماعي أو دراسي، الشرط الوحيد هو الانتماء والحب اللامشروط لنادي مجموعة الألتراس، التي تصبح بمثابة العائلة الثانية وتتجاوز في بعض الأحيان العائلة. وأضحت كذلك متنفس للأعضاء للتعبير عن مشاكلهم، وما يجيش في صدورهم والملعب أصبح المجال الوحيد لتمرير وترديد خطابات ومطالب موجهة إلى النادي ومسؤولين، أولا وكذلك للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والسلطات العامة القيمة على اللسان الكروي؛ وبما أن “الألتراس” هوية واعية ومتصلة بما يحدث حولها وتعيش داخل المجتمع من البديهي أن توجه رسالة ومطالب لمن يدير الشؤون العامة للبلاد من سلطات محلية وحكومية. ولقد لاحظنا أن “الألتراس” هي نبض الشارع وفئة من المجتمع المغربي التي تعيش عيشة بسيطة ومنهم عدد كبير ممن يعاني التهميش والهشاشة. ولو تتبعنا سياق الإرهاصات الأولى الظاهرة في بداية الألفية الثانية، نلاحظ أن الملعب أصبح مرآة تعكس المجتمع”.

وشدد بورقية على أنه “في إطار التنافس الرمزي بين المجموعات، وما يترتب عنه من عنف رمزي ومادي، بدأ ظهور أغاني وشعارات ذات حمولة سياسية واجتماعية واقتصادية، انطلقت في بادئ الأمر من وعي المشجعين -ليس الغرض التعميم لأن المشجعين خليط غير متجانس لذا يجب الفصل بين المشجع الذي يعيش من أجل “الألتراس” كعقلية ونمط حياة، وبين من يتخذها مطية الاستقواء والاسترزاق- بالمجال المفتوح أمامهم وفرصة للانخراط في الضغط على صناع القرار دون الحاجة إلى نسيج جمعوي أو لون سياسي إنما لهوية  “ألتراس”،ففي البداية كانت الشعارات والأغاني بسيطة وعفوية للتعبير عن المطالب الشعبية بعيش كريم وتعليم وصحة في المستوى والاستياء من الوضع الهش الذي تعيشه فئة كبيرة من المجتمع المغربي”.

وأضاف عبد الرحيم بورقية انه “بالرغم أن “الألتراس” تعرف ” لا سياسية” إلا أن المواضيع التي تتغنى بها سياسية، وحتى طريقة التعبير والتخطيط والعمل تنهل منآليات العمل السياسي. فأعضاء “الألتراس” ومن يتعاطفون معها واعون بتراجع العمل السياسي والجمعوي، الفاضح أمام اللوبيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفشله الذريع في بلورة سياسة اجتماعية اقتصادية وثقافية ورياضية تدمج الكل بدون تمييز أو إقصاء.  لذا فظاهرة “الألتراس” أصبحت أكثر فأكثر حركة اجتماعية تتخذ من الملعب والتشجيع منصة للتعبير بكل حرية وتملئ الفراغ المهول الناجم عن عدم تناغم الأحزاب والمجموعات السياسية والجمعوية مع نبض الشارع والمجتمع المغربي”.

إن التعبيرات السياسية التي ابدتها مجموعات “الألتراس” جعلتها صوتا للشباب المغربي، تعبير عن همومه وكأنها تقرع طبول المعارضة.

انتقل إلى أعلى