يقرأ حاليا
اختلالات وفساد وريع.. بريد المغرب أو قصة غرق سفينة
FR

اختلالات وفساد وريع.. بريد المغرب أو قصة غرق سفينة

“ارتجالية التدبير، تركيز السلط بين أيدي لوبي بريدي يأتي على الأخضر واليابس، انخفاض متواصل في أرقام المعاملات بالمؤسسة وعجزّ مزمن..” هذه من بين خلاصات تقرير برلماني سلط الضوء على الفوضى التي تنذر بانفجار الأوضاع بمؤسسة “بريد المغرب”، وهو ما دفع الدولة للتدخل وتقرر استعادة السيطرة على هذه المؤسسة الحيوية.

 

لا تزال هناك مؤسسات عمومية في المغرب لا تعود إدارتها إلى زمن بائد فحسب، بل يَنظر إليها مُسيروها على أنها حظيرة خاصة، أو حتى بقرة حلوب وظيفتها الوحيدة هي خدمة مصالحهم الخاصة، ومؤسسة بريد المغرب خير مثال على ذلك. حيث صدر مؤخرا تقرير برلماني كشف حالة الاضمحلال التي تعرفها هذه المؤسسة، عن لجنة المهمة الاستطلاعية المتعلقة بمجموعة بريد المغرب، التي جرى تشكيلها، في 9 فبراير الماضي، ويرأسها إدريس صقلي عدوي، النائب المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية، ورئيس لجنة مراقبة المالية العامة في مجلس المستشارين.

ورصد التقرير البرلماني، العديد من النواقص، وعرى مجموعة من الاختلالات والانتهاكات التي تشهدها المؤسسة العمومية. وتتجلى مظاهر الفساد التي تنخر المؤسسة في عدة مستويات بدءً من سوء التدبير. فنحن أمام مؤسسة يديرها “عدد قليل من ذوي الحظ” يجعلونها مزرعتهم، ويجمعون بين الوظائف والمسؤوليات والمكافآت الشهرية، بالإضافة إلى رواتب خيالية تبلغ حوالي 57.000 درهم شهريا (وذلك باستثناء المكافآت والمزايا العينية)، موزعة بسخاء على ثلاثة مسؤولين كبار فقط. كل هذا مع تجاهل تام لمهام مجلس الإدارة وعلى حساب البريديين الذين يمرون بأزمة غير مسبوقة.

ولا يتردد التقرير في كشف الوضعية المالية الهشة للمؤسسة، حيث رصد هذا الأخير عجزا بنيويا مزمنا وتدنيا حادا في أرقام معاملات المؤسسة. حقيقة محزنة أكدها بوضوح مشروع قانون المالية 2022، قيد المناقشة حاليًا، والذي نقرأ فيه أن بريد المغرب سجل انخفاضًا بنسبة 11.5٪ في مبيعاته في عام 2020 (877 مليون درهم) مقارنة بعام 2019. وكانت النتيجة الصافية أكثر دراماتيكية، حيث بلغ الانخفاض 69.4٪ (45 مليون درهم مقابل 147 مليون في عام 2019)، علاوة على نسبة استثمار لم تتجاوز حتى 47٪ من توقعات الميزانية، حيث بلغت 95 مليون درهم فقط في 2020.

وتذهب لجنة التحقيق إلى أبعد من ذلك، من خلال إثارة الشكوك حول أفعال الفساد الكبير والاختلاس في بعض الصفقات، مرورا باقتناء السيارات الكهربائية إلى إدارة الموارد البشرية، بما في ذلك مثل “الصفقات العادية من قبيل شراء المعقمات الكحوليّة”، وكل ذلك على حساب العملاء والمستخدمين الذين يعيشون في وضع مزري.

إقرأ أيضا

ففي رسالة وجهها، الاتحاد الوطني للبريد التابع للاتحاد الديمقراطي للشغل، يوم 6 أكتوبر الماضي، إلى المدير العام لبريد المغرب استفسر فيها النقابيون إدارة المؤسسة، حول ردها على التقرير البرلماني وكذلك على الانتقادات وتوصيات اللجنة الاستطلاعية، كما تساءلوا عن مصير المستخدمين وعن الحوار الاجتماعي والمرتبات المجمدين منذ سنوات، إضافة إلى نقص صارخ في الموارد البشرية، وكذا التعيينات في مناصب المسؤولية التي تخضع لاعتبارات الزبونية والمحسوبية أكثر من المعايير الموضوعية.

في هذه الأثناء، فضل بعض المسؤولين مغادرة السفينة لحظات قبل غرقها، نتيجة انفجار الفضيحة. وفي غضون ذلك، قررت الحكومة تولي زمام الأمور. ففي فبراير 2021، أعلن المساهم الحكومي أنه سيعيد إعادة هيكلة رأس مال المؤسسة عن طريق تحويل رأس مال بنك البريد المملوك لبريد المغرب إلى الدولة. تدبير تم تضمينه كذلك في مشروع قانون المالية لسنة 2022.
الهدف من مبادرة الدولة، هو تحسين النموذج الاقتصادي لبنك البريد الذي سيخضع ” لعملية إعادة هيكلة جوهرية من أجل ضمان استدامته من خلال إعادة موقعته على رأس القطاعات المتنامية (الطرود، المراسلات، البريد الرقمي، وما إلى ذلك)، وترشيد محفظته، وكذلك تحسين تكاليفها التشغيلية “. وخلاصة بريد المغرب يحتضر وبات مصيره على المحك.

انتقل إلى أعلى