يقرأ حاليا
شكرا كورونا، بعد أن صالحت بين المغربي والإنتخابات
FR

شكرا كورونا، بعد أن صالحت بين المغربي والإنتخابات

شكلت نسبة المشاركة في انتخابات 8 شتنبر 2021، التشريعية والجماعية والجهوية، التي تجاوزت حاجز 50 %، واحدة من أكبر الرسائل السياسية الجديدة ضمن المسلسل الديمقراطي بالمغرب.

لحسن العسبي

لأنه إلى غاية يوم 7 شتنبر 2021، كان أغلب المهتمين بالشأن السياسي والإنتخابي بالمغرب، يجمعون على أن نسبة العزوف ستكون واحدة من أكبر النتائج المنتظرة من تلك المحطة الإنتخابية الجديدة والنوعية ببلادنا. ما جعل السؤال يكبر حول السر الكامن وراء تلك المشاركة الكبيرة، التي فاجأت الجميع.

في انتظار صدور كامل النتائج التفصيلية من قبل المصالح الإدارية الحكومية التي أشرفت على العملية الإنتخابية (بنك المعلومات الغني والهام الذي هو في حوزة وزارة الداخلية)، التي وحدها ستسمح بملامسة خريطة التصويت المدققة بكامل التراب الوطني، وحتى داخل أحياء المدينة الواحدة، من حجم مدن مثل الدار البيضاء وطنجة والرباط ومراكش وفاس وغيرها، مما سيمكن الباحثين والفاعلين السياسيين ومختلف مؤسسات تدبير الشأن العام بالمغرب، من امتلاك مرجعية مدققة حول مستويات المشاركة السياسية مغربيا. أقول في انتظار صدور تلك النتائج التفصيلية، ثمة معطى هام لابد من التوقف عنده، في ما يرتبط بالأسباب الكامنة وراء ارتفاع نسبة المشاركة في انتخابات 8 شتنبر تلك، يتمثل في الجو النفسي العام الجديد الذي ولد في العلاقة بين المواطن المغربي والدولة، الذي يمكن توصيفه بأنه جو نفسي مستند على ثقة جديدة، كان ثمة شبه يأس منذ سنوات أنها قد فقدت بغير رجعة. وهي “الثقة” التي أعادت نسجها جائحة كورونا.

نعم، جائحة كورونا، التي اجتاحت العالم، وأقعدت النشاط البشري إلى الأرض، وفتحت الباب أمام أزمات متراكبة خطيرة أمام الإقتصاد العالمي، والتي شكلت تهديدا على الحياة، يعود لها الفضل في عودة ميلاد “ثقة” بين المغاربة ودولتهم. وهي النتيجة التي كان من ترجماتها، عودة الثقة في العملية السياسية الإنتخابية مغربيا، كما ترجمتها النسبة المرتفعة، غير  المتوقعة، للمشاركة في انتخابات 8 شتنبر 2021.

هل هي “نعمة” في قلب ّ”نقمة”؟

الظاهر أنها مغربيا كذلك.

لأنه بالعودة، إلى شكل تدبير المغاربة (في الدولة وفي المجتمع) لأزمة جائحة كورونا، منذ القرار السيادي السريع لإغلاق الأجواء والمنافذ البرية والبحرية ، في 11 مارس 2020، والمسارعة إلى إنشاء صندوق وطني خاص للتضامن الوطني ضد تداعيات الجائحة بمساهمات مالية مفتوحة أمام كل المغاربة (في أقل من شهر ساهم المغاربة بما يتجاوز مليارين من الدولارات)، اتضح جليا على أن ثمة عناصر “وحدة وطنية” جديدة قد ولدت  بين الدولة والمجتمع، لمواجهة الكارثة العالمية. من حينها، بدأت تتبرعم ملامح “مغرب جديد” كان ثاويا أمام العالم، وأمام الذات. وكما لو أن المغاربة، قد أعادوا اكتشاف بلدهم وأنفسهم ومؤسساتهم التنظيمية. وكان لافتا التجاوب بين أمرين حاسمين، هما توفر آلية تنظيمية مؤسساتية للدولة فاعلة ومؤثرة، مبادرة وسريعة في الإنجاز (صرامة تنفيذ قرار الإغلاق الشامل)، وأيضا تجاوب شعبي وامتثال لشروط الحجر الصحي بشكل مسؤول لثلاثة أشهر كاملة (حتى لا أقول حضاري). وحين بدأ تنفيذ قرار تقديم الدعم المالي الشهري للعائلات، بتقنيات تنفيذية حديثة، شملت كامل التراب المغربي، مدنا وبوادي، اتضح أن هناك معنى للدولة مغربي، أعيد اكتشافه من قبل الجميع. مع توازي ذلك بتحقيق الإستقلال الذاتي في مجالات الوقاية (من قبيل سرعة إنتاج الكمامات وتوفير أدوية العلاج الفعالة وأدوات التعقيم)، حيث اتضح أن هناك آلية حمائية لمعنى “المواطنة” بالمغرب. وكان ذلك رسالة أمل كبيرة، وأيضا رسالة ثقة في الذات هائلة.

من حينها، عادت لتولد عناصر ثقة بين المغربي وذاته، وبينه وبين دولته، خاصة مع توالي أخبار ما يحدث في بلدان من العالم انهزمت أمام الجائحة، بعضها مصنف ضمن خانة الدول المتقدمة، وجزء كبير منها من جوارنا الإقليمي والقاري والقومي. حيث اتضح للفرد المغربي، المواطن، أن المقارنة بين حال بلده (دولته) وباقي البلاد والدول ممن هي في مستواه التنموي، تجعل الرضى يولد هائلا، بكل ما يعززه ذلك من ثقة في الذات وفي البلاد والدولة.

إن امتحان جائحة كورونا، بكل الفواتير المأساوية التي صاحبته، قد جعلت المغربي يعيد اكتشاف نفسه وبلده، ويعيد أساسا اكتشاف إمكانياتها، واكتشاف أن قوة المجتمعات والدول ليست في مستوى ما تمتلكه من إمكانيات، بل في مستوى ما تتوفر عليه من إرادة ومن استقلالية قرار، ومن منهجية تدبيرية تعزز من اللحمة الجماعية الوطنية. لقد توحد المغاربة أمام الخطر، دولة ومجتمع، وأبدعوا أشكال مقاومة، بما هو متوفر في اليد، لكن بقرار وطني محلي، مما جعلهم يعيدون اكتشاف معنى سؤال التدبير العمومي، ومعنى سؤال المسؤولية الوطنية في التسيير، ومعنى قيمة تدبير الشأن العام. حينها عاد سؤال السياسة من جديد إلى اهتمام الفرد المغربي.

إقرأ أيضا

بالتالي، فإن الجواب الأكبر، والأبرز على ذلك، مغربيا، قد كان في ارتفاع نسبة المشاركة عند أول محطة انتخابية عمومية ووطنية، من حجم انتخابات 8 شتنبر 2021، التشريعية والجماعية والجهوية، في زمن الجائحة. وهو ما يجعل الملاحظ يجزم أن امتحان جائحة كورونا، مغربيا، لم يكن كله سلبيا، بل كما لو أنه قد صالح من جديد بين المغربي وسؤال السياسة، وخيار الإهتمام بالشأن العام.

إنها لحظة تاريخية مغربية جديدة، مأمول أن نحسن جيدا استغلالها، بما يعزز من “تامغربيت”، ليس مجرد الشعار، بل الممارسة الفعلية على الأرض، تلك التي تجلت مبهجة حقا، من خلال شكل مواجهة امتحان عالمي كبير من حجم وباء كبير مثل كورونا، يذكرنا بجوائح وأوبئة سابقة واجهتها البشرية، ومن ضمنهم أجدادنا بالمغرب. 

اليوم في القرن 21، واضح أن مغربا جديدا قد ولد في مواجهة الوباء العالمي، وأن من عناوينه الكبرى، ليس فقط شكل تدبير المغاربة (في الدولة وفي المجتمع) لتداعياته، ولا مواصلة المعركة الوطنية الهائلة كمعركة وجود، التي من عناوينها محاولة الفوز بترسيم “السيادة الصحية” والنجاح في إنتاج اللقاحات، على الأهمية التاريخية والتدبيرية والحضارية لذلك. بل، إن عناوينه الكبرى عودة الإهتمام بسؤال الشأن العام عند الفرد المغربي، وعودة ثقته في السياسة عبر الآلية الديمقراطية لسلطة الإنتخاب. أي ذلك المعنى الأسمى لانتصار خيار “دولة المؤسسات”.. هل الفاعل السياسي الحزبي تفاعل إيجابيا مع هذا التحول؟ ذلك موضوع آخر على كل حال.

شكرا كورونا.

انتقل إلى أعلى