يقرأ حاليا
بالصور. من الميدان إلى المنصات الرقمية.. التحرشُ بـ”مترشحات الأحزاب” واحدٌ
FR

بالصور. من الميدان إلى المنصات الرقمية.. التحرشُ بـ”مترشحات الأحزاب” واحدٌ

بالرغم من سن قانون يجرّم التحرّش الإلكتروني بالنساء في المغرب، إلا أنه يظل دون تلبية الطموحات والمُراد المنشود، حيثُ لا يزال عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، يبيح لنفسه إعادة نشر صور الفتيات مرفَقة بعبارات تغزّل تصل حد الوقاحة أو الدلالة الجنسية، وهو الشيء الذي لم تفلت منه حتى مُترشحات الأحزاب السياسية، في ظل الانتخابات الجارية.

ويتداول عدد من رواد التواصل الاجتماعي صورا للمُترشحات، مُرفقة بوابل من التعاليق، وهو ما جعل محمد ألمو، محامي بهيئة الرباط، يقول في حديثه لـ”نقاش 21″: “لو كانت صور النساء اللواتي يلجن المجال السياسي، سواء كُن قبيحات أو جميلات، صغيرات أو كبيرات في السن، مُتواجدات في الساحة على طِوال الخمسة سنوات الماضية، لم يكن ليُخلق هذا المشكل أبدا، ولكانت حينها العقلية الذكورية قد ذابت مع المشهد، لكن الأمر حاليا بالنسبة لعدد من المواطنين هو مشهد فُجائي”.

وأعطت الإجراءات التي أقرها المجلس الوزاري المُنعقد في 11 فبراير 2021، الضوء الأخضر لرفع تمثيلية النساء، خلال الانتخابات الحالية، وذلك بتخصيص ثلثي الترشيحات للنساء في اللوائح الجهوية، بما يرفع عدد المقاعد التمثيلية لفائدة النساء إلى 90 مقعداً في مجلس النواب الذي يضم 390 عضواً؛ وهو الشيء الذي يُفسر زيادة نسبة الحضور النسائي في المنشورات الدعائية، خلال الحملة الانتخابية الحالية.

الأحزاب السياسية تُكرس للتحرش الإلكتروني بالمُترشحات !

“إن الأحزاب السياسية هي التي تُساهم في تكريس هذه العقلية الذكورية، والإبقاء في هذا الوضع، لأنها تُقصي المرأة من المشهد الحزبي على مر السنوات، ولا تظهر بكثرة إلا أثناء الحملات الانتخابية في لائحة الترشيحات” هكذا يُفسر ألمو، هذه الظاهرة المُتفشية خلال هذه الأيام على مواقع التواصل الاجتماعي.

من جهتها، زينب إحسان، الكاتبة العامة لحركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية، تصف تداول عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي لصور المُرشحات بـ”التحرش الجنسي الإلكتروني” مشيرة “لا زلنا نعيش في ظل مجتمع يُشيء المرأة، في الوقت الذي يجب التعامل معها اعتبارها للبرنامج الانتخابي ومدى كفاءتها، بعيدا عن شكلها”.

“المرأة على غرار الرجل حين تتقدم للانتخابات فهي لا تتقدم بشكلها، لأنه كيفما كان شكلها لا يجب أن يؤثر على البرنامج الذي يحمله الحزب الذي ستترشح باسمه” تضيف إحسان في حديثها لـ”نقاش 21″ معتبرة أن هناك مشكل في تطبيق القوانين التي تحمي كافة النساء المغربيات من كافة أنواع التحرش سواء الفعلي أو اللفظي أو خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي السياق نفسه، يقول ألمو: “الغريب في الأمر أن عدد من الأحزاب السياسية لا تسعى إلى اختيار المُرشحات بناء على مِعيار كفاءتهن ونضالهن المستمر، والتي تم التطبيع مع حضورهن وتواجدهن في الساحة السياسية، بل إنه مع اقتراب الانتخابات يلجئون إلى استقطاب نساء بناء على معايير أخرى، من قبيل قربهن من فلان وفلان داخل الحزب السياسي، أو لتوفرهن على الأموال، أو لكونهن قادرات على استقطاب الأصوات”.

ويشير ألمو، إلى أن عدد من المنشورات الحزبية المُتداولة خلال هذه الأيام، تسيء للمرأة، من قبيل وضع أسماء مُرشحات بدون وضع صورتهن، أو أن صورة وكيل اللائحة كبيرة، وخلفه صورة صغيرة للمُرشحة المرأة، مردفا “هذا الأمر أنا شخصيا أعتبره إهانة للمرأة، فضلا على أنه من باب احترام ذكاء المواطن، لا بد من جعله يتعرف على كامل هوية المرشح، كي لا يجد المواطن في نهاية الأمر يُصوت لصالح الأشباح”.

من الميدان إلى المنصات الرقمية.. التحرشُ واحدٌ !

“جرائم التحرش انتقلت من الشارع العام إلى الفضاء الإلكتروني” يوضح ألمو، مشيرا أن “هناك عدد من المنشورات وصلت لحد التعاليق ذات الطابع الجنسي، لكن السبب الرئيس في هذه المسألة هم الأحزاب السياسية نفسها”.

“فضلا عن كون عدد من الأحزاب تسعى فقط لتأثيث اللوائح من طرف النساء، الشيء الذي جعل ربات المنازل كذلك تُستقطب للتأثيث فقط، إذ لازالت الأحزاب السياسية تستغل أجساد النساء، فأصبحنا نرى مُرشحات أشبه بعارضات الأزياء” يضيف المحامي بهيئة الرباط.

وتتساءل إحسان “لماذا حين يتقدم الرجل إلى الانتخابات لا نرى عدد من التعاليق العارمة التي تُساهم في تشييئه” مؤكدة أن الانتخابات ليست حكرا على الرجل، وهناك سعي حثيث من الدولة المغربية لتخوض المرأة غمار المجال السياسي، ولكن للأسف هناك مشكلا كبيرا من طرف عدد من المواطنين واقعيا، الذين يصعب عليهن استيعاب أن مكان المرأة الفعلي ليس هو المطبخ.

إقرأ أيضا

وتضيف المتحدثة نفسها، بأنه “أكيد هناك عدد من الرجال الذين يدعمون المرأة ويدافعون على حقهن في التواجد في قلب القرار السياسي، لكن في المقابل عدد من الرجال الذين لا يأخذون النساء سياسيا على محمل الجد، ويعطي لنفسه الحق في التعليق على شكلها”.

من جهتها، أسماء مهديوي، باحثة في العلوم السياسية، اعتبرت أن “التعاليق على صور المُترشحات، يمكن تقسيمها لشقين، يدخل الأول بجانب من السخرية السياسية، وشق ثاني وهو الأكثر سلبية وخطورة، إذ تتعلق بالتنمر، وأخرى تدخل في التحرش الإلكتروني للمترشحات باستغلال صورهن بشكل غير لائق للدعاية الانتخابية وهذا النوع من الممكن أن يتم اللجوء فيه للقانون”.

هل يُجرم القانون “التحرش” بالمُترشحات إلكترونيا؟

“أنا كمُرشحة فتاة تعرضت لعدد من المضايقات، وللأسف كان بعضها من لدن بعض الفاعلين السياسيين الرجال، ولو تعرضت مرة أخرى لأي نوع من التحرش سألجأ إلى القانون، وهي دعوة لكافة النساء كذلك” تختم إحسان حديثها لـ”نقاش 21″ مشيرة أن هذه الظاهرة تُعد “نوعا من التحرش المبني على النوع، وهو حاط من كرامة النساء، وللمرأة الحق أن تُأخذ بأفكارها وليس بشكلها، وأن تُعامل كما يُعامل الرجال، لأنه لا فرق فيما بينهما من ناحية الحقوق والواجبات”.

أما من الناحية القانونية، فيقول ألمو: “تُرفع صفة الشخصانية والسرية على صور المرشحين بالانتخابات، المُستعملة في المنشورات الدعائية، إذ يُمكن لأي شخص إعادة نشرها، ومن حق المُواطن التعليق كيفما شاء عليها، لكن حين يتعلق الأمر بالسب أو الألفاظ القدحية، فهنا تتدخل مُقتضيات القانون الجنائي”.

فيما أكدت مهديوي أن “استغلال صور النساء للضرب في الأحزاب السياسية، من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ينم عن عقلية مأزومة، وهي جريمة من جهة في حق نساء تلك الأحزاب، ومن جهة ثانية في حق صورة المرأة المغربية عامة التي سطرت تاريخا ناصعا في سبيل هذا الوطن، فلا يمكن السماح لتلك الدعاية الرخيصة بأن تؤثر على مسار طويل لإثبات كفاءتها”.

“أعتقد أنه في ظل غياب الردع القيمي الذي يغيب مع الأسف في مثل هذه المناسبات، بات على القانون أن يردع هذه النوعية من الممارسات؛ فكما يتم منع استغلال الرموز الدينية في الدعاية الانتخابية يجب أن يمنع الاستغلال المشين لصورة النساء في الدعاية ذاتها، الذي يشكل عنفا رمزيا بحق المغربيات” تختم مهديوي حديثها لـ”نقاش 21″.

انتقل إلى أعلى