يقرأ حاليا
“روتيني اليومي”.. حيث تُعرض الأجسادُ رقميا لجني الأموال الباردة
FR

“روتيني اليومي”.. حيث تُعرض الأجسادُ رقميا لجني الأموال الباردة

“اليوتوب خلصني من الجوع، فأصبحت أعيشُ الحياة التي أحلم بها”، بهذه الكلمات تحدثت فتيحة عن التغييرات التي طرأت على حياتها، متابعة “بداية ولوجي المنصة كنتُ أشارك وصفات للطبخ وأفكار مفيدة للنساء، وكنت دايرة عقلي، لكن المشاهدات كانت جد ضعيفة بالرغم من مجهودي الكبير حينها، وبمجرد أن تحررتُ قليلا صُدمتُ بالنتيجة، فأحببت الأمر، وواصلت مسيرة إنشاء محتوى يُقابَلُ بمشاهدات تُرضيني، وتشفي غليلي” .

بثقة كبيرة في النفس، واقتناع كبير بما تقوم به، واصلت فتيحة، وهي سيدة في عقدها الرابع، الحديث عن قناتها التي تنال ملايين المشاهدات، قائلة لـ “نقاش 21” : “المُشاهد المغربي يُريد هذه النوعية من المحتوى، وإلا لما تصاعدت نسب المشاهدات بعد أن غيرت نوعية المحتوى؛ أما المنتقدون علنيا لما أقدمه، فهم في الواقع أول المشجعين في الخفاء، وهم سبب نجاحي وتحقيقي لذاتي”.

مثل فتيحة هناك العديد من النساء اللواتي اخترن طواعية التوجه نحو عرض “روتينهن” على منصة اليوتوب، معتمدات على مؤهلات بارزة لإثارة الانتباه، وجلب المزيد من المشاهدات، مما يعني المزيد من الأموال، التي تمنعُ الفقر عنهن، وتجعلهن في مأمن عن مد اليد، وفق تعبير الكثيرات منهن.

“أجي نعلمكم تصاوبو البطبوط”، “أجيو نسيقو الدروج”، “اليوم عندي التخمال كثير”، عناوين وأخرى تُخفي خلفها الكثير من “الإثارة الجنسية” الرقمية، وتعكس محتوى يلقى الكثير من النقد والسخرية، وفي المقابل يحظى بمشاهدات مليونية، ويجعل صاحباتها تتصدرن “الطوندونس” المغربي؛ ذلك أن من بين مستعرضات “الروتين اليومي” من تحقق قنواتهن أكثر من مليون مشاهدة في اليوم.

أموال بدون مبرر منطقي

خلال الأشهر القليلة الماضية، تم رصد تزايد في عدد القنوات المختصة فيما بات يُعرف بعرض تفاصيل الجسد تحت مسمى “روتيني اليومي”. وقناة “رباب تيفي” (اسم مستعار)، واحدة منها، والتي عملت “نقاش 21” على تتبع نسب المشاهدات بقناتها، مسجلة ارتفاعا مطردا لأعداد المشاهدين لفيديوهاتها خلال وبعد الحجر الصحي معتمدة على “الروتين اليومي” بعد أن كان عدد الزوار قبل هذا التاريخ متدنيا بشكل ملحوظ.

بالعودة إلى أواخر شهر مارس 2020، أي مع بداية الحجر الصحي المنزلي، عرفت قناة “رباب” ارتفاعا مضطردا في أعداد المشاهدات على امتداد 15 شهرا الأخيرة قبل أن تسجل 4 ملايين في غضون ثلاثين يوما الأخيرة، وفق ما عاينته “نقاش 21” على موقع “سوشيال بلايد” الذي يقدم نسب المشاهدات والأرباح، ما يعني حصول صاحبتها على أزيد من 3 ملايين سنتيم شهريا كدخل مادي صافٍ.

“نقاش 21″ رصدت أن عددا كبيرا من القنوات على اليوتوب غيرت محتواها في فترة الحجر الصحي، من تقديمها لـ”خدمة نقية” تتعلق بمشاركة محتوى مفيد بالرغم من بساطته، إلى استعراض للأجسام تحت مسمى الروتين اليومي؛ اعتبارا أنها كانت تعرف مشاهدات ضئيلة، فيما ارتفعت بشكل صاروخي في الوقت الذي تزايد فيه منسوب الجرأة.

واستنادا لأرقام إحصائية لعدد من القنوات الأخرى التي تم تتبع نسب المشاهدات فيها، ومقارنته بنوعية المحتوى المُقدم، فإن هناك من تصل نسبة أرباحها لأزيد من ثلاثة آلاف درهم مغربي في اليوم الواحد، فقط جراء “العرض السخي” لتفاصيل الجسد.

دعارة رقمية!

تعليقا على الموضوع، قال يوسف البيتي، أستاذ باحث في المعلوميات بجامعة روان بفرنسا، إننا “نشهد تحولا في المشهد الرقمي على المستوى العالمي، وخصاما مع التلفزيون، وبالتالي فإن المواطن في سعيه للبحث عن البديل يتوجه صوب منصات التواصل الاجتماعي؛ وللأسف في المغرب هناك صدارة لفيديوهات روتيني اليومي، بسبب قلة أصحاب المحتوى الجيد، وبالتالي فإن التفاهة وجدت لها مكانة. الأمر في الحقيقة مخيف ومحزن”.

الأستاذ الجامعي قال لـ “نقاش 21″، إن “الأرباح التي تتحصل عليها هاته النساء عبارة عن أرقام مخيفة، وروتيني اليومي ظاهرة تتفاقم أكثر بتناسل عدواها بين نوعية من النساء، في غياب المراقبة والتقنين” يزيد البيتي، مؤكدا أنه “خلال فترة الحجر الصحي زادت حدة جرأتهم، والأمر أخطر من كونه مجرد موضة، إذ بات بالنسبة إليهم وسيلة سهلة لجني الأموال؛ وفي المقابل هناك من بات مدمنا على مشاهدتها من جانبها الإباحي”.

وأكد البيتي في السياق ذاته أن الأمر هو “دعارة رقمية جديدة، وللأسف هي ليست مُشيطنة كالسابق، وباتت تُمارس على العلن بوجه مكشوف، ومن قلب المنازل، وأمام أعين الأزواج والأهل”.

إقرأ أيضا

من عرض للحياة اليومية إلى عرض للجسد

من جهتها، ترى عزيزة البقالي، رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، أن “فيديوهات روتيني اليومي إذا كان الغرض منها هو تقاسم المعلومات مع النساء فالأمر طبيعي وعادي، وجاري به العمل في عدد من الدول الأخرى، لكن إذا تجاوز الأمر ذلك ووصل حد استعراض المؤخرة وباقي تفاصيل الجسد، فالأمر هنا بات يمس الذوق العام، وننتقل إلى الحديث عن الإخلال بالحياء العام”.

وينص الفصل 483 من القانون الجنائي المغربي على أن “من ارتكب إخلالا علنيا بالحياء، وذلك بالعرى المتعمد أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من مائة وعشرين إلى خمسمائة درهم. ويعتبر الإخلال علنيا متى كان الفعل الذي كونه قد ارتكب بمحضر شخص أو أكثر شاهدوا ذلك عفوا أو بمحضر قاصر دون الثامنة عشرة من عمره، أو في مكان قد تتطلع إليه أنظار العموم”.

الغاية تبرر الوسيلة

“بعض النساء للأسف الشديد تبحث عن زيادة عدد المشاهدات، بغض النظر عن الوسيلة المخولة لذلك، ولا يهمها أي شيء آخر باستثناء ضخ المزيد من المال لحسابها البنكي”، تضيف البقالي مستدركة “أكيد أن الأمر أساسا هو حرية شخصية، لكنهن أصبحن مؤثرات على الذوق العام للأسف، وبالتالي خطر على أخلاق الأجيال الناشئة، ويجسدن صورة سيئة عن التعبير الحر”.

وفي السياق ذاته، أشارت البقالي ضمن حديثها لـ “نقاش 21″، أن منتدى الزهراء للمرأة المغربية توصل في فترة الحجر الصحي بعدد من الرسائل من نساء مغربيات خارج أرض الوطن، يشتكين من الصورة السيئة التي باتت فيديوهات روتيني اليومي تسوقها عن المرأة المغربية، ويطالبن بالحد منها أو وضع رقابة على من أصبحن محترفات في تسويق مؤخراتهن، بحثا عن الزيادة في المال.

وبالتالي دعت البقالي لضرورة إدماج التربية الرقمية في المناهج الدراسية الأساسية، مع التأكيد على المواكبة الكافية للأجيال الصاعدة سواء من المجال التربوي أو الأسري، مشيرة إلى أن “المرأة المغربية سارت قدما وبشكل إيجابي في عدد من المجالات المشرفة، إلا أننا لا نراهن بالشكل الكافي على وسائل الإعلام، في الوقت الذي تحتكر فيه نساء روتيني اليومي النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي، وكأن النساء المغربيات لا ينتجن إلا التفاهة والانحطاط”.

انتقل إلى أعلى