يقرأ حاليا
التليدي: الملك يشعر بمعاناة المغاربة.. وقدم فرصة للجزائر
FR

التليدي: الملك يشعر بمعاناة المغاربة.. وقدم فرصة للجزائر

لم يخلُ خطاب العاهل المغربي، المُوجّه للمغاربة بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لعيد العرش المجيد، من لغة “العطف” حينما قال: “عندما أرى المغاربة يعانون، أحس بنفس الألم والشعور”.

ووجه الملك محمد السادس، خلال نفس الخطاب، دعوة صريحة للنظام الجزائري لمراجعة أوراقه وتصحيح وضعية التوتر التي تستهدف مصالحه أولا، دون أن يشير إلى موضوع الوحدة الترابية للمملكة.

فما هي دلالات الخطاب الملكي، وما هي الرسائل التي يمكن استخلاصها منه؟

 

بحسب الباحث والمحلل السياسي بلال التليدي، كان الخطاب الملكي واضحا وصريحا فيما يهم الوضعية الوبائية ومخلفاتها السيئة، متحدثا عن البدايات الأولى والجهود والتحديات التي لاتزال تواجه المغرب من أجل تجاوز هذا الوضع المرتبك. وهو وضع لم يمنع المغرب من اغتنام الفرصة من أجل الحصول على كميات وافرة من اللقاحات، الأمر الذي لم يكن يسيرا بالنسبة لدول أخرى، مع الأخذ بعين الإعتبار حجم التنافس الشرس على هذه اللقاحات.

وبالتالي فخطاب الملك كان متوازنا، تحدث عن مخاطر عدم الإلتزام بالتدابير الإحترازية، وعن الآثار الجانبية للأزمة، ثم الجهود التي تحاول الدولة القيام بها، فكان بذلك واقعيا يضع المعطيات أمام الشعب المغربي كما هي، وهو ما يعطي للتجربة المغربية مصداقيتها في التعامل مع الوباء

تعاقد اجتماعي

تحدثت ديباجة الخطاب عن المغرب كدولة عريقة لها جدور، تختلف نظاما ومجتمعا عن الدول الطارئة، وهو ما يمنحها خصوصية تجعلها صامدة أمام كل محاولات اختراق استقرارها.

وأكد في هذا السياق الباحث في العلوم السياسية، بلال التليدي، خلال حديث جمعه مع “نقاش21″، أن الملكية في المغرب ملكية توافق بين الأسرة الملكية والشعب مبني على البيعة، وهذه الخصوصية تجعل المغرب ممانعا لكل التحديات التي تحاول أن تستهدف أمنه واستقراره، وبالتالي فهي رسالة مهمة للداخل والخارج، مفادها أن المغرب لا يشبه تونس أو أي بلد مغاربي آخر.

وفي هذا الإطار أشار الباحث أن الخطاب حمل رؤية ملكية يحضر فيها النموذج التنموي كوثيقة تعاقدية بين الفاعلين السياسيين والإقتصاديين، منبها أن كل حكومة ستنتخب خلال الولاية المقبلة لن تشتغل بشكل عبثي، وإنما وفق التوجهات والإطار التعاقدي، وعزز الملك خطابه بالحديث عن إلزامية النموذج التنموي بتطرقه لدوره الدستوري كضامن لتنزيل مضامين تقرير بنموسى.

أشعر بمعاناتكم

هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الملك عن شعوره بمعاناة شعبه، عبر طرح أسئلة مقلقة تؤرق المجتمع المغربي وتحتاج أجوبة شافية من قبل صانع القرار، يقول التليدي، وما ورد في خطاب محمد السادس في هذا السياق هو محاولة لمخاطبة الشعب بلغة تعترف بأنه ورغم المجهودات المبذولة تظل هناك نقائص يصعب تجاوزها لكن الدولة ومؤسساتها تسعى لذلك.

ويضيف الباحث، هناك نوعان من الخطاب يمكن لرئيس الدولة استخدامهما، إما الهروب إلى الأمام، والادعاء أنه ليس هناك مشكل وإنتاج خطاب وردي، وبالتالي خلق هوة كبيرة بين صانع القرار والشعب، وإما خطاب واقعي بمعطيات مقبولة، كما جاء في حديث الملك عن كورونا وعن الاقتصاد، ومجهودات الدولة في هذا الباب، وفي نفس الوقت الإشارة إلى أن هناك أزمة تنتظر تظافر الجميع لحلها، “كان من الممكن أن يتكلم فقط عن الجهود وينتهي عند هذا الحد ولكن عندما يكون الحديث عن المعاناة فهذا يعني أن الملك يشرح الواقع كما هو، ويؤكد أن هذه المعاناة ليست غائبة عن اهتمامه وأنه ينظر إلى هذه الشرائح المتضررة أكثر مما ينظر إلى الفئات المستفيدة”.

فرصة تاريخية للجزائر

إقرأ أيضا

تضمن الخطاب نداء صريحا للجزائر من أجل مراجعة حساباتها، ودخل في مساجلة مع أطروحات يتم الترويج لها من طرف الجزائر كعوائق لإعادة العلاقة مع الجزائر.

وسجل ملك البلاد نقاطا قوية حين أشار إلى أن الوضعية التي يعيشها البلدان الشقيقان، لا يتحمل أحد من المسؤولين مسؤوليتها، وبالتالي لينتج بذلك أدلة قوية ستصل للعمق الجزائري من مواطنين، ونخب، وجزء من النخب العليا وغيرها، وستكسر كل المسلّمات التي حاول النظام ترسيخها داخل المجتمع، وتفكك حججا يدلي بها حكام الجزائر كونها السبب في توتر البلدين، ومنها ما يرتبط بالمخدرات وبالتحديات الأمنية التي يحملون المغرب مسؤوليتها، فالملك ينتج حجة جديدة مفادها أن المغرب مستعد للتعاون مع الجزائر أمنيا ليس فقط لحل مشكل المخدرات، وإنما جميع التحديات الأمنية بما في ذلك تجارة البشر وغيرها.

وهنا يلفت التليدي، الإنتباه إلى تناقض خطاب الجزائر، إذ في الوقت الذي يقولون إن الشر يأتي من المغرب يرفضون التعاون الأمني والإقليمي، مؤكدا أن التوقيت الذي اختاره الملك لهذه الرسائل، غاية في الأهمية لأن الجزائر تعاني وضعية وتحديات مركبة، اقتصاديا وإقليميا.

وبالإضافة إلى ما سبق هناك المشكل المرتبط بإسبانيا الذي ستتضرر منه الجزائر، باعتبار أن الغاز الطبيعي يمر عبر المغرب، فمع استحضار كل هذه المؤشرات يتبين أن دعوة الملك اليوم ستكون أكثر قوة، وسيتم استقبالها بقدر كبير من الجدية، إلا إذا اختارت الجزائر أن تتجه ضد مصالحها العليا، مع الإشارة أن الخطاب لم يثر أبدا قضية الصحراء، باستثناء كلمة “الدخيل” في إشارة إلى جبهة البوليساريو، وتجاوز كل الحساسيات وما وقع في الأمم المتحدة، واعتبرها مجرد مناكفات دبلوماسية.

ووقف المحلل السياسي على الأبعاد الإستراتيجية، والسياسية، والإقليمية للخطاب، مستحضرا الاستهداف الذي يواجه المنطقة المغاربية، بدأ بليبيا، وتونس، فالملك أعطى إشارة إلى الإطار العام الذي يمكن أن يكون مدخلا لتجاوز تحديات المغرب العربي، واستعمل خطابا دينيا وأخلاقيا حين تحدث عن الشعوب كأنه يتحدث عن شعبين بنفس التركيبة والجينات.

انتقل إلى أعلى