يقرأ حاليا
ثلاث سنوات على قانون يُخول للمغاربة طلب المعلومات من الدولة والحصيلة: إخفاء للمعلومة!
FR

ثلاث سنوات على قانون يُخول للمغاربة طلب المعلومات من الدولة والحصيلة: إخفاء للمعلومة!

seghrouchni-cndp-ni9ach21-maroc

مقتضيات دستورية تم التعسف عليها بحسب تعبير فاعلين حقوقيين، وذلك من خلال إقرار القانون 31.13، المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة، واصفين إياه بـ “التأويل السيء للفصل 27″، في المقابل لا ترى الحكومة في موقف رافضي المشروع سوى “عدمية وعدم اعتراف بالخطوات التي يخطوها المغرب تجاه ترسيخ منظومة حقوق الإنسان والديموقراطية التشاركية وتعزيز انخراط المواطنين في الحياة السياسية”.

 

ينص الدستور المغربي في الفصل الـ 27 منه، على التالي: ” للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام”.

“لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة”.

 

لجنة موقوفة التنفيذ ورئيس يحجب المعلومة

حين تقصِّي “نقاش 21” حول ورش “31.13”، أكد حاتم مورادي مسؤول في وزارة المالية والاقتصاد ـ قطاع إصلاح الإدارة، أن الوزارة قد استنفذت المهام التنظيمية المنوطة بها من أجل إنجاح ورش “31.13”، من تعيين للمكلفين، وتنظيم التكوينات، وتجهيز اللوجيستيك ومنصات استقبال الطلبات، وأن المراحل المقبلة تقع على عاتق “لجنة الحق في الحصول على المعلومة” التي يترأسها عمر السغروشني.

وأعطى القانون صلاحيات للجنة المذكورة ومكنها من أدوار مهمة نصت عليها المادة 22، من بينها التحسيس بأهمية توفير المعلومات وتسهيل الحصول عليها بكافة الطرق والوسائل المتاحة، وتقديم الاستشارة والخبرة للمؤسسات أو الهيئات المعنية حول آليات تطبيق أحكام هذا القانون، وكذا النشر الاستباقي للمعلومات التي في حوزتها، ثم إصدار توصيات واقتراحات لتحسين جودة مساطر الحصول على المعلومات، بالإضافة إلى معالجة الشكايات والقيام بما يلزم للبث فيها بما في ذلك البحث والتحري وإصدار توصيات بشأنها.

لمعرفة حصيلة اللجنة في هذا السياق وجه موقع “نقاش 21” عددا من الأسئلة المتعلقة بموعد نشر التقرير الأول (المتأخر عن موعده)، وبقضايا أخرى، لرئيس اللجنة عمر السغروشني، ووعدنا لأزيد من أربع مرات بتقديم الأجوبة في تاريخ محدد، إلا أنه في كل مرة كان يتخلف عن الموعد، وفي آخر اتصال لنا به والذي تم يوم الأحد 25 يوليوز، أرسل رسالة قال فيها بالحرف “أود أن أخبرك أنني فوجئت بالضغط الذي تمارسينه علينا في لجنة الحق في الحصول على المعلومات، واتصالك بأكثر من عضو، لذلك قررنا عدم إرسال الأجوبة على الأسئلة التي سبق أن أرسلتموها إلينا“.

أي أن رئيس لجنة الحق في المعلومة حجَبَ المعلومة عن الرأي العام، ثم انزعج من إصرار مؤسسة إعلامية على تلقي معلومات من حق المواطنين الاطلاع عليها، وامتعض من محاولة الصحفية الوصول إلى المعلومة من خلال التواصل مع أعضاء آخرين بنفس اللجنة في ظل غياب أي تفاعل إيجابي من الرئيس.

اعتراف رسمي بصعوبة التنزيل

بالعودة إلى “الحق في الحصول على المعلومة”، والتي تُدرِجها المواثيق الدولية ضمن الحقوق المدنية والسياسية الأساسية، فإن المغرب قد بات ملزما بالعناية بهذا الحق مادام قد أقر العمل بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد؛ والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

فما هي حصيلة ثلاث سنوات من صدور قانون يفرض على المؤسسات والإدارات العمومية الكشف عن المعلومة لفائدة المواطنين والمواطنات؟

بعد دخول القانون حيز التنفيذ سنة 2020 صارت الإدارات مطالبة بتعيين أشخاص مكلفين دورهم تلقي طلبات المواطنين ومعالجتها والرد عليها داخل الآجال القانونية، في هذا الإطار كشف حاتم مرادي مسؤول بقطاع إصلاح الإدارة أنه تم تعيين لحد الآن ما مجموعه 1853 شخصا على مستوى القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية، وعلى مستوى الجماعات الترابية تم تعيين 1800 شخص مكلف.

وفيما يهم التفاعل مع طلبات المواطنين فقد تم إيداع 3879 طلبا، تمت الإستجابة لـ 64 بالمئة منها، فيما ظل ضعف المواكبة والتكوين لمعرفة كيفية الإجابة على الطلبات عائقا أمام 36 بالمئة من المؤسسات، لهذا قام قطاع إصلاح الإدارة بتنظيم تكوين لفائدة 60 شخصا دورهم تكوين المكلفين الذين سيتم تعيينهم، فيما نظمت باقي القطاعات الوزارية تكوينات لفائدة الأشخاص المكلفين والذي بلغ عددهم 1000 شخص.

وبالحديث دائما عن الحصيلة فقد تم تسجيل انخراط 100 إدارة في بوابة الحصول على المعلومات “شفافية”، وما يقارب 336 وحدة إدارية.

يقر المسؤول في قطاع إصلاح الإدارة، أنه بالرغم من تحقيق بعض النتائج الإيجابية إلا أن الأشخاص المكلفين يجدون صعوبات في التفاعل مع طلبات المواطنين، ويعزى ذلك إلى عدم اعتبار هذه المهمة وظيفة مستقلة عن باقي المهام التي يقوم بها الموظفون في الإدارات، ومن جهة أخرى هناك ضعف في استيعاب مضامين القانون وكيفية التعامل مع الطلبات، لذلك تم خلق شبكة خاصة بالأشخاص المكلفين لمد جسر التواصل بين الإدارات بغرض تبادل التجارب.

وبالرغم من الأرقام التي قدمها المسؤول الوزاري، فإن الحصيلة تظل محتشمة بالنسبة لهيئات المجتمع المدني المشتغلة في المجال، وهو ما أكدته زينب بوزار منسقة مشروع الحق في الحصول على المعلومة بـ “جمعية سمسم مشاركة مواطنة”، حيث قامت الجمعية باختبار لعدد من المؤسسات، عن طريق إرسال حوالي 80 طلبا، تمت الإجابة على 17 منها فيما ظل 63 طلبا بدون رد، وبعد تتبع المسطرة القانونية وتقديم طلبات الاستفسار لرؤساء المؤسسات المعنية لم يتلقَّ أعضاء الجمعية أية إجابة تذكر، ليتبين أن هؤلاء الرؤساء غير موجودين بالمنصة، بحسب ما أكدته بوزار في تصريحها لـ “نقاش21″، وكذلك الأمر بالنسبة لرئيس لجنة الحق في الحصول على المعلومات الذي لم يكن بدوره مسجلا بالمنصة، ليخلص الاختبار إلى أن المنصة لا تتيح إمكانية سلك مسطرة “التقاضي” كاملة بداية من رئيس المؤسسة المعنية إلى رئيس اللجنة، وإنما تقف عند المرحلة الأولى، أي مرحلة الحصول على المعلومة.

وسجل تقرير أعدته جمعية سمسم حول البوابة chafafia.ma الملاحظات التالية:

تم الرد على 17 طلب للحصول على المعلومات من أصل 80 طلب مقدم، أي بنسبة رد بلغت %21.

لم یتم الرد ولا إرسال إشعار بتمدید الإجابة عن 63 طلبا مقدما مما جعل نسبة عدم الرد تبلغ %79.

من أصل 17 طلبا تم التوصل بـ 11ّ رد إيجابي، بنسبة إجابة كاملة بلغت %14 فقط.

من أصل 17 طلب توصل برد، تم رفض الإجابة على طلبين

من  أصل 17 طلبا توصل برد، توصلت أربع طلبات بإشعار الرد من المنصة، لكن بعد ولوج فضاء الإجابة تبین أنها لا تتوفر على أي محتوى (إجابة فارغة).

إقرأ أيضا

الحلقة المفقودة

تفعيل “الحق في الحصول على المعلومات” رهين بتوفر مناخ سياسي ديموقراطي ومجتمع مواطن يعي حقوقه وواجباته، وبإجابة تدبير الشأن العام بالمغرب، عن سؤال الشفافية ومشاركة المواطنين، وأن تكون الدولة في خدمة المجتمع والمواطنين والمواطنات، أما عندما تختل الموازين وتغيب فعالية المؤسسات حتى وإن وجدت، وتغيب إمكانية تفعيل صلاحياتها الحقيقية فلن تكون القوانين أكثر من مجرد بنود صورية.

مرت عشر سنوات على ترسيخ دستور 2011 لمفهوم الديموقراطية التشاركية في المغرب من خلال فصوله التي تتحدث عن آليات الديموقراطية التشاركية، إلا أن هذا المبدأ يظل مرتبطا بمنظومة حقوقية متكاملة ، ” ليس المهم هو تثبيت مصطلحات ومفاهيم في الدستور، وإنما ينبغي الانتقال إلى إرساء منظومة متكاملة، لازلنا نفتقدها على أرض الواقع، سواء تعلق الأمر بمؤسسات الشراكة أو بآليات الإشراك والإستشارة”، يقول محمد العوني رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير الآن “حاتم”.

المنظومة التي ينشدها الحقوقيون بالمغرب لا ترتبط فقط بالحق في الحصول على المعلومات وإنما بكل ركائز المساءلة المجتمعية والشراكة من أجل الحكومة المفتوحة، ومن ضمنها النزاهة وحرية الجمعيات وشفافية الميزانيات وجودة الخدمات ومحاربة الفساد ثم إدماج المكتسبات التكنولوجية خاصة الرقمية في كل السياسات.

 مطلب دولي يعاقب طالب المعلومة

لقد تأخر المغرب في الاستجابة لهذا المطلب المجتمعي القديم، وهو ما دفع بعض المعارضين لوصف القانون بـ”المطلب الخارجي”، الذي استجابت له الحكومة فجأة من أجل تحسين صورة المغرب لدى الشركاء الدوليين، خاصة مع تبني مبادرة “شراكة الحكومة المفتوحة”، إذ أضحت البلدان المنخرطة في هذه المبادرة ملزمة بالتوفر على قانون “الحق في الحصول على المعلومة”، كما أنها تحصل على نقط جيدة تسهل جلب الاستثمار، “أي أن المغرب استجاب لمطلب دولي وليس لمطلب المجتمع، وهو ما يطرح سؤال خلق الإرادة السياسية الفعلية وتحويل ما تم التعبير عنه في نص قانوني إلى إرادة” يؤكد العوني.

وبالإضافة إلى أن المغاربة لم يحصلوا على “حق الحصول على المعلومة” لسواد عيونهم، فإن بنود هذا النص بحسب حقوقيين لم تحترم المعايير الدولية المتعارف عليها في قوانين الحق في الحصول على المعلومة، وهو ما جعل تنقيط أحد مشاريع القوانين التي مرت في البرلمان المغربي إبان النقاش المحتدم حول القانون، أفضل من القانون الذي تم إصداره، إذ كان المشروع يتضمن الديباجة، وينص على صلاحيات أكبر للجنة الحق في الحصول على المعلومة، ولم يكن يتضمن عددا كبيرا من الاستثناءات، كما لم ينص على معاقبة طالبي المعلومات عكس القانون الحالي، وهو الإجراء الذي يفرض سوء النية في كل طالب للمعلومات، بحسب العوني، الذي يرى أن هناك قوانين أخرى تحمي نوعا من المعلومات من سوء استعمالها، لذا فمن غير المقبول إحالة طالبي المعلومات على القانون الجنائي والنص على خمس سنوات عقوبة في حقهم في حال سوء استعمالهم للمعلومات، في الوقت الذي يغيب التنصيص على أي محاسبة لحاجبي المعلومات، وتم الاكتفاء بالعقاب الإداري على أقصى تقدير.

تبادل الاتهامات

بحثت “نقاش21” عن أجوبة حول أسباب جمود القانون، وعدم إشاعة ثقافة هذا الحق في صفوف المواطنين، فألقت الوزارة المسؤولية على المجتمع المدني كشريك عليه القيام بحملات تحسيسية وتعريف المواطنين بالقانون، وحملت جزء منها لوعي المغاربة، لكن العوني كان له رأي آخر يشدد على ضرورة إيمان مؤسسات الدولة بمنظومة حقوق الإنسان، مؤسسات حريصة على آليات التشارك المرتبطة بالهيئات المنتخبة، كمقاربة النوع والمساواة وتكافئ الفرص، وأيضا هيئات الشباب، وعلى الخصوص الجماعات والجهات.

واعتبر الحقوقي أن الحكومة والوزارة تحاول رمي مسؤولية الدولة على المجتمع المدني، مؤكدا أن الحكومة بنفسها تمارس الإقصاء تجاه الهيئات المدنية، في عدد من المحطات، “كأن نقصى من التمثيلية في منصة شفافية، وألا يتم إشراكنا في التكوينات إما عبر التأطير أو عن طريق مناقشة بعض القضايا ذات الصلة بالموضوع.

كما ينتقد الحقوقيون في هذا الباب منافسة المؤسسات الحكومية لجمعيات المجتمع المدني فيما يخص تلقي دعم المنظمات الحقوقية الدولية الفاعلة في هذا المجال، كما حصل في موضوع الحق في الحصول على المعلومة وشراكة الحكومة المفتوحة، حيث قامت الحكومة بشراكة مع منظمات دولية للاشتغال على مواضيع من صميم عمل المجتمع المدني، وعوض أن يتجه التمويل إلى الجمعيات استفاد منه قطاع إصلاح الإدارة.

انتقل إلى أعلى