يقرأ حاليا
بلوان: محمد السادس يشارك المغاربة آثار الجائحة.. والمملكة “قوة هادئة”
FR

بلوان: محمد السادس يشارك المغاربة آثار الجائحة.. والمملكة “قوة هادئة”

اعتلى الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية، في يوليو 1999، إثر وفاة والده الملك الراحل الحسن الثاني؛ وأبرز الملك محمد السادس في أول خطاب للعرش له يوم 30 يوليوز 1999 الخطوط العريضة لسياسته الداخلية، للعمل على بث الاطمئنان في نفسية الشعب المغربي، على أنه سيواصل النهج الذي كان يسير عليه والده الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، خاصة فيما يتعلق بالإقلاع الشامل للمملكة المغربية في ميادين التنمية، والتطلع إلى القرن الحادي والعشرين بممكنات العصر العلمية ومستجداته التقنية.

وللسنة الثانية على التوالي، تقرر تأجيل جميع الأنشطة والاحتفالات والمراسم، التي تقام بمناسبة تخليد الذكرى الثانية والعشرين لتربع الملك محمد السادس على العرش، اعتبارا لاستمرار العمل بالتدابير الوقائية التي تستلزمها تطورات الوضعية الصحية؛ وذلك بحسب بلاغ لوزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة، يوم السبت المنصرم.

للحديث أكثر عن دلالات تأجيل احتفالات الذكرى الثانية والعشرين لتولي الملك محمد السادس للعرش، مع استحضار أبرز الإنجازات التي لاقت استحسانا من طرف المواطنين المغاربة، فضلا عن التطرق لعدد من النقط المهمة التي ترسم خريطة الطريق لحقبة جديدة في الاستراتيجية الملكية في التدبير والحكم، التقت “نقاش 21” حسن بلوان، وهو محلل سياسي وأكاديمي متخصص في العلاقات الدولية والصحراء المغربية، وأجرت

معه الحوار التالي:

• بداية، ما هي دلالات تأجيل احتفالات الذكرى الثانية والعشرين لتولي الملك محمد السادس حكم البلاد؟

الدولة المغربية عريقة بتاريخها وثقافتها وتراثها ومؤسساتها، والملكية جزء أصيل في الهوية المغربية، لذلك تحظى بالاحترام والتوقير الدائم، وقد اكتسبت الملكية في المغرب هذه المكانة من خلال القرب الدائم والتواجد المستمر بجانب المواطنين في إطار ما يعرف بالملكية المواطنة، التي تجسدت أكثر مع اعتلاء الملك محمد السادس العرش.

فلا غرابة إذن أن نتحدث عن تأجيل احتفالات عيد العرش لسنتين متتاليتين وهو ما يحمل مجموعة من الإشارات والدلالات، من بينها أن الملك محمد السادس يجسد صورة الملك المواطن الذي يتقيد بإجراءات وقوانين السلامة الصحية في البلاد، وبالتالي إلغاء جميع الاحتفالات المواكبة لعيد العرش، ثم إن الملك محمد السادس يشارك المغاربة آثار هذه الجائحة الصعبة التي فرضت قيودا استثنائية على العالم.

وبالتالي فإن إلغاء احتفالات عيد العرش يعطي النموذج والمثال في التحمل الجماعي لتداعيات جائحة كوفيد 19.

• بعد 22 سنة على تولي الملك محمد السادس للعرش ما هي أبرز الإنجازات التي لاقت استحسانا من طرف المواطنين المغاربة؟

لا يمكن تقييم الإنجازات التي عرفها المغرب منذ أزيد من عشرين سنة في بضعة أسطر، ولكن بعجالة يمكن القول إن المغرب عرف تغييرات وتطورات كبيرة في مجال البنيات التحتية وعلى مستوى السياسة التنموية الداخلية وكذلك بالنسبة للسياسة الخارجية وما رافقها من تحديث في القوات المسلحة الملكية وغيرها كثير.

فعلى المستوى الداخلي يعتبر تكريس الخيار الديمقراطي أهم إنجازات العهد الجديد في المغرب من خلال احترام آليات التداول السلمي على السلطة، بالإضافة إلى تطوير وتنويع آليات الاقتصاد الوطني من خلال إطلاق مشاريع تنموية كبرى تغطي جميع مناطق المملكة من الشمال إلى الجنوب.

أما على المستوى الخارجي فمكانة المملكة المغربية إقليميا ودوليا تلخصها الإنجازات الخارجية التي حققتها الدبلوماسية المغربية بقيادة جلالة الملك، وفي قلبها الدفاع عن قضية الصحراء المغربية التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الحل النهائي، رغم مناورات خصوم المغرب وأعداء وحدته الترابية.

وأعتقد جازما أن الاستراتيجية الملكية تقوم على معادلة أساسية، هي أن حل ملف الصحراء يُساوي مغربا جديدا يتفرغ لمشاريعه التنموية ورفاهية أبنائه من البوغاز إلى الصحراء.

• طيب، إن السنة المنصرمة كانت صعبة، ما هي قراءتكم للقرارات المُتخذة في ظلها من أجل حماية المجتمع؟

قبل ظهور جائحة “كورونا” اتسمت الخطابات الملكية بالقوة والصراحة في تجسيد مكامن الخلل التنموي في المغرب، وصلت حد انتقاد بعض مؤسسات الدولة أو قطاعات حكومية بعينها التي تديرها الأحزاب السياسية، وهو ما كان يبشر باستراتيجية جديدة في التدبير والتسيير على مستوى القطاعات العمومية وعلاقتها بالمواطنين والمرتفقين، لكن سياقات جائحة “كورونا” فرضت إغلاقا شاملا وتعطيلا اقتصاديا صعبا أربك جميع التوازنات المؤسساتية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

وأمام العجز الحكومي في مواكبة هذه التغيرات المفاجئة انبرت المؤسسة الملكية لإعادة الأمور إلى نصابها من خلال مبادرات ملكية كان لها الدور البارز في مرور تداعيات هذه الجائحة بردا وسلاما على المغرب والمغاربة، وذلك بشهادة الخصوم قبل الأصدقاء. وتم ذلك من خلال مجموعة من الإجراءات التي لاقت استحسان المواطنين وخلقت تعبئة وإجماعا وطنيا منقطع النظير وساهمت في تصالح الدولة ومؤسساتها مع المواطن، كل ذلك بفضل التدخل الملكي الناجع والذي حدد مجموعة من القطاعات ذات الأولوية القصوى:

– إعلان حالة الطوارئ الصحية وتجنيد جميع مؤسسات الدولة للحفاظ على الأمن والاستقرار من خلال إشراك القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والأمن الوطني ورجال السلطة الترابية.

-الحرص على ضمان التموين الكافي من السلع الضرورية والحاجات الأساسية لجميع المدن والمناطق المغربية في تناغم تام بين الجميع، مما جنب المغرب والمغاربة مشاهد الفوضى والعنف الذي عاشته دول أخرى خاصة في الجوار الاقليمي.

-إصدار قانون مالية تعديلي يتماشى مع ظروف الجائحة ويشدد على التقشف في نفقات الدولة وتوجيهه نحو إنعاش الاقتصاد المغربي وتخصيص إعانات مالية لذوي الدخل المحدود وترسيخ قيم التضامن الاجتماعي والمجتمعي بين المغاربة، والذي توج بإطلاق مشروع ضخم يعمم الحماية الاجتماعية لجميع المواطنين.

– وضع خطة شاملة لإصلاح القطاع العام يحصنه من الهزات المفاجئة والظروف الاستثنائية من خلال دمج مجموعة من الشركات والمؤسسات التابعة للدولة وإلغاء بعضها وإعادة هيكلة بعضها الآخر، بالإضافة إلى إعطاء الأولوية لوظائف الصفوف الأمامية كالصحة والأمن والتعليم والسلطات الترابية.

– سرعة تنفيذ الإجراءات الاحترازية الواقية من فيروس كورونا من خلال توجيه القطاع الصناعي لإنتاج لوازم وأدوات الوقاية الصحية، مما فوت على المغرب الدخول في الانهيار التام.

لكن تبقى أهم مبادرة ملكية في هذا الباب هو سبق المغرب لأخذ اللقاحات وتطعيم المواطنين، وقد حرص جلالة الملك على مجانية اللقاح والتطعيم وسرعة إنجازه ليشمل جميع فئات ومناطق المغرب.

• في سياق متصل، هل يمكن اعتبار أن ما تعيشه المملكة المغربية في ظل السنوات القليلة الأخيرة من تحامل البعض عليها هو ضريبة للمكانة التي باتت المملكة تحتلها دبلوماسيا واقتصاديا وأمنيا؟

هذا صحيح، المملكة المغربية حققت نجاحات مهمة على المستوى الإقليمي والدولي، وأصبحت تتمتع بمكانة متميزة عربيا وإفريقيا، وأضحت تفاوض في مجموعة من الملفات من موقع القوة الهادئة.

حققت المملكة المغربية إنجازات اقتصادية وسياسية ودبلوماسية جديرة بالتقدير، ويكفي أن نذكر العودة القوية للاتحاد الإفريقي الذي فتح آفاقا رحبة في ملفي الاقتصاد والوحدة الترابية بالإضافة إلى الملف الأمني خاصة في منطقة الساحل والصحراء.

هذه الإنجازات تحيلنا إلى السياسة الخارجية والدينامية الجديدة التي انخرطت فيها الدبلوماسية المغربية من خلال الفعالية والسرعة في الفعل والهدوء والمصداقية والحفاظ على المصالح المتبادلة وفق مبدأ رابح-رابح؛ كل ذلك مكن المغرب من أن يصبح شريكا موثوقا وله تأثير قوي في المنطقة ولا يمكن للفاعلين الدوليين الاستغناء عنه أو محاولة حصاره أو تقزيم دوره.

هذه النجاحات أغاضت خصوم المملكة وأدخلتهم في هيستريا الانتقام، فسخروا أموال شعوبهم من أجل النيل من سمعة المغرب ومصداقيته من خلال الترويج للأكاذيب والمغالطات التي وجدت مع الأسف منابر إعلامية دولية تدعي المهنية ولكنها تقبض الثمن ويكفي أن لها تاريخا طويلا في الهجوم على المغرب وابتزازه والتحريض عليه.

• في الختام، ما أهمية الحث على إخراج النموذج التنموي الجديد في سنة انتخابية بامتياز؛ هل يمكن اعتبارها نقطة انطلاق في مسار جديد للاستراتيجية الملكية في الحكم؟

إن تأخر إخراج النموذج التنموي الجديد عن موعده المقرر، كان بسبب تداعيات جائحة “كورونا” التي كادت أن تُعطل أو تعصف بمجموعة من المشاريع الكبرى والحيوية لولا التدخل الملكي المباشر وفي الوقت المناسب، لكن الإعلان عن تفعيل النموذج التنموي الجديد خلال هذه السنة وهي سنة انتخابية بامتياز يمكن أن ينطوي على مجموعة من المنافع؛ لأن مشروعا تنمويا استراتيجيا من هذا الحجم لا يمكن أن تباشره حكومة تعيش في وقت بدل الضائع من انتهاء ولايتها، ناهيك على أنها حكومة ضعيفة تفتقر إلى الانسجام والتجانس بين مكوناتها، وهي عرضة للانتقادات من طرف المعارضة والأغلبية.

إذن فالنموذج التنموي الجديد كمشروع ملكي طموح يجب أن تسعى لتنزيله حكومة جديدة منسجمة في بداية ولايتها الانتدابية، صحيح أن إنجاح هذا الورش التنموي الجديد مسؤولية جميع مؤسسات الدولة والأحزاب والمجتمع المدني والمواطنين، لكن السلطة الحكومية هي المسؤولة على تنفيذه وإخراجه للوجود لتعم التنمية ربوع المملكة ويقطف ثمارها جميع أفراد الشعب.

الملاحظ أن النموذج التنموي الجديد الذي أطلقه الملك محمد السادس رفع السقف، مما أربك برامج الأحزاب الانتخابية التي بقيت وفية لشعارات قديمة لا ترقى لمستوى تطلعات المواطنين، خصوصا ونحن على مشارف الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية.

إذن فتنزيل النموذج التنموي الجديد في هذا التوقيت له مبرراته، إذ يقتضي فهم المشروع واستيعابه من طرف المواطنين وجميع الفاعلين والمسؤولين الحكوميين وقتا ليس باليسير، وبعد ذلك تباشر الحكومة الجديدة تنفيذ برامجه التنموية، لذلك ما أحوج المغرب إلى استقرار وانسجام حكومي يسهر على تنفيذ التوجهات الملكية ويستجيب لتطلعات الشعب المغربي بعد سنتين من تأثيرات الجائحة. ويفتح حقبة جديدة في الاستراتيجية الملكية في التدبير والحكم نحو مغرب الأفضل ومغرب الممكن.

انتقل إلى أعلى