يقرأ حاليا
مرسوم التعليم عن بعد.. تسهيل للولوج أم مقامرة بمستقبل المغاربة؟
FR

مرسوم التعليم عن بعد.. تسهيل للولوج أم مقامرة بمستقبل المغاربة؟

 مواد المرسوم الذي سبقه (خَرَس حكومي) وتكتم حول مضامينه، إذ لم تحصل “نقاش 21” على نسخة منه إلا عن طريق مصادرها الخاصة، أثارت جدلا في صفوف الأطر التربوية المتوجسة مما سيفرض عليها من قبل الوزارة، وفاعلين نقابيين يتهمون الحكومة بوضع الحسابات المالية فوق أي اعتبار لجودة التعليم وتكافؤ الفرص بين أبناء الأسر الميسورة والعائلات المعوزة، ووضعية هيئة التدريس.

صادق المجلس الحكومي الخميس (15 يوليوز 2021) على المرسوم 2.20.474 يتعلق بالتعليم عن بعد ليتم بذلك ترسيم نمط جديد من التعليم والتعلم بالمغرب، بعد تجربة لم تكن مرضية بالنسبة لعدد من الأسر المغربية والتلاميذ ورجال ونساء التعليم.

يأتي هذا المرسوم طبقا لمقتضيات القانون الإطار 51.17 ولاسيما المادة 33 منه التي تنص على تطوير التعليم عن بعد باعتباره مكملا للتعليم الحضوري، وهو مرسوم ينص على إعطاء تعريف محدد للتعلم عن بعد وأنواعه، وكذا تحديد الجهات المعنية بتقديمه بالقطاعين العام والخاص، وتحديد شروط وضوابط وكيفية تقديم التعلم عن بعد والفضاءات والمقرات التي سيتم فيه.

كما ينص المشروع على كيفية إعداد الموارد الرقمية السمعية والبصرية الخاصة بالتعلم عن بعد، وتحديد الحقوق والواجبات المرتبطة بالتعلم عن بعد، الخاصة بالمتعلمة والمتعلم وكذا الأطر التربوية والتكوينية والإدارية والتقنية، وإخضاع هذه الأخيرة لتكوين خاص في مجال التعلم عن بعد.

وستتولى بحسب النص المذكور لجنة وطنية ولجان جهوية، تتبع وتنمية وتطوير التعلم عن بعد وتقييمه، مع تحديد تركيبتها وطريقة عقد اجتماعاتها.

خوفا من الرفض

سبق لنواب الأمة أن انتقدوا لجوء الحكومات لتمرير عدد من القرارات عن طريق سنها بمراسيم عوض مشاريع قوانين تتم إحالتها على غرفتي البرلمان للتداول حولها وإخضاعها للمسطرة التشريعية بالبرلمان، إلا أن الحكومة سلكت مرة أخرى نفس الطريق عن طريق إقرارها للتعليم عن بعد عبر مرسوم يقطع الطريق أمام ممثلي الأمة لإبداء أي تحفظات حول مضامينه.

من جهة أخرى يحق للحكومة سن القوانين بمختلف الطرق، منها المرسوم والمذكرة والبلاغ ومقترح القانون ومشروع القانون، باعتبارها مساطر وإجراءات وآليات يمكن من خلالها تقنين بعض القطاعات والمجالات والميادين المجتمعية، وفي هذا الإطار أوضح خالد بنيشو مدير الشؤون القانونية والمنازعات بوزارة التربية الوطنية، أنه ينبغي التمييز بين ما يتعلق بالتشريع وما يدخل في مجال التنظيم، مؤكدا أن المادة 33 من القانون الإطار تتحدث عن “قيام الحكومة باتخاذ الأليات اللازمة لتمكين مؤسسات التربية والتكوين بشكل عام من تطوير موارد ووسائط التدريس والتعلم والبحث في المنظومة التربوية، من خلال اعتماد مجموعة من الآليات من بينها تطوير التعلم عن بعد مكملا للتعليم الحضوري” وحديث المادة عن الحكومة يعني مباشرة آليات التنظيم وليس التشريع.

بالنسبة للبرلمانية عن فريق التجمع الدستوري وعضوة لجنة التعليم والثقافة بمجلس النواب، خديجة الزياني، فإن مشروع المرسوم جاء في وقته، وتمريره عن طريق المجلس الحكومي يعدا أمرا إيجابيا لحاجة المنظومة المستعجلة لمقتضياته، خاصة وأن الموسم الدراسي المقبل لا تفصلنا عنه سوى أسابيع قليلة، بالإضافة إلى أنه مرسوم كانت الحاجة إليه شديدة منذ انطلاق الموسم الدراسي المنصرم.

خلفية غير معلنة

بين الرغبة في تسهيل ولوج أبناء المغاربة لخدمات التعليم والخلفيات غير المعلنة تأرجح المرسوم الجديد، فهو بحسب عبد الغني الراقي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم، المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديموقراطية للشغل، يحمل أهدافا لا يتم إخبار المغاربة عنها بشكل رسمي، ومن تلك الأهداف تخفيف المناصب المالية المخصصة لقطاع التعليم سنويا، و”ذلك عن طريق تعويض التعليم الحضوري الذي يتطلب حضور الأستاذ داخل فصل دراسي يضم عددا محددا من التلاميذ، بتعليم عن بعد يتيح إمكانية تدريس عشرات التلاميذ في نفس الوقت، عن طريق دروس مسجلة بشكل مسبق، وحيث يكون الأستاذ مجرد مساعد وموجه”.

وجهنا هذا السؤال للمسؤول عن الشؤون القانونية والمنازعات بوزارة التربية الوطنية، فنفى نفيا قاطعا أن يكون هذا المعطى يشكل هاجسا للحكومة، إذ يتم توظيف 15000 أستاذ بشكل سنوي على مستوى الأكاديميات، من ضمنها 12 ألف منصب يعوض المتقاعدين أو الذين توجهوا نحو التقاعد النسبي، والحكومة لا توفر مناصب أكبر علما أن حاجيات القطاع تتجاوز ما هو متاح، علما أن المنظومة في حاجة لموارد أكبر لتعميم التعليم الأولي، وتفعيل إلزامية التعليم الأساسي، وبالتالي لا يمكن الحديث عن أهداف تقليص المناصب المالية.

مرسوم يخدم الطبقية

طرحت تجربة التعليم عن بعد خلال فترة الجائحة بالمغرب، عدة تحديات راح ضحيتها عدد كبير من التلاميذ خاصة المنحدرون من أسر فقيرة ومن مناطق قروية، وهو ما دفع هيئات حقوقية لمراسلة الوزارة المعنية ودق ناقوس خطر “الطبقية” الذي يهدد منظومة التربية والتكوين،  وجاء هذا المرسوم اليوم، يقول الراقي، ليشرعن وضعا جربه المغاربة طيلة فترة الجائحة، والذي أنتج موسما دراسيا فاشلا، مستدلا على حكمه بعدم اعتماد الوزارة الدروس التي قدمت عن بعد في تقويم مكتسبات التلاميذ، وفي الامتحانات الإشهادية،  حيث لم يتم اعتماد سوى الدروس التي قدمت حضوريا قبل فترة الجائحة، و “هو ما يعد إقرارا رسميا بفشل التعليم عن بعد في تعزيز المكتسبات والكفايات، وفي ضمان تكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص، وبين الفئات الاجتماعية “.

بالرغم من التحذيرات من جعل خدمة اجتماعية أساسية وحق دستوري رهين الموارد المالية للأسر، تقدم الحكومة ووزارة التربية الوطنية تطمينات ووعودا بالعمل على توفير وسائل عمل المتعلمين والمعلمين، عبر توزيع الألواح الإلكترونية على أبناء الفقراء والرفع من صبيب الإنترنت، ويذكر المسؤول الوزاري في هذا الصدد، تدخل مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لتقديم خدمات لتسهيل شراء الحواسيب، وتقديم بعض الوسائل التقنية، مؤكدا على أن التلفزيون سيكون أيضا فاعلا رئيسيا في العملية بما أنه متوفر داخل كل بيت مغربي.

وتعتبر الوزارة سن هذا المرسوم خطوة أولى ستليها مجهودات لحل المشاكل المرتبطة بالتعليم عن بعد لكن “فضلنا أن نشعل شمعة بدل لعن الظلام، وأن نعمل على تقوية التجربة من خلال تصحيح الأخطاء التي بدأت تصادفنا منذ إقرار هذا النمط من التعليم”.

أجور هزيلة ومهام إضافية

بعد اطلاع عدد من الأساتذة بمختلف مستوياتهم على مضامين المرسوم طفى على سطح النقاش بالمجموعات الخاصة بهم على مواقع التواصل الاجتماعي حديث عن مخاوف بإثقال كاهل المدرس بمهام جديدة دون تقديم تعويضات مالية وتحفيزات، علما أن أجر رجل التعليم بالمغرب يعد من أكثر الأجور هزالة عبر العالم.

إقرأ أيضا

وفي الوقت الذي بدأت المطالب ترتفع من أجل تحسين وضعية أسرة التعليم الاجتماعية  لتتمكن من أداء واجباتها المهنية بالجودة اللازمة، كشف المسؤول الوزاري في حديثه مع “نقاش21” أن العمل بالتعليم عن بعد لن يكون خارج الإطار الزمني الذي يحدده القانون للأطر التربوية، كما تنص المادة 11 من المرسوم المذكور على “تستفيد أطر هيئة التدريس والتكوين التي تقوم بتقديم حصص التعلم عن بعد وكذا الأطر الإدارية والتقنية من نفس الحقوق المخولة لهم عند قيامهم بممارسة مهامهم بشكل حضوري بمقرات عملهم، كما يستفيدون عند الاقتضاء من التعويض اليومي عن مصاريف التنقل إذا قاموا بتسجيل حصص التعلم عن بعد خارج المدينة التي يوجد بها مقر عملهم وذلك طبقا للمقتضيات التنظيمية الجاري بها العمل”.

ضرورة مقيدة بشروط ملحة

لا شك أن التعليم عن بعد كخيار تعتمده مجموعة من الدول في العالم وتتبناه بحكامة متواضعة عدد من الدول العربية والإفريقية، له دور حيوي في تسهيل العملية التعلمية خاصة في فترات الأزمات والأوبئة، ويمكنه في حالة توفير بنيته التقنية والتكنولوجية واللوجيستيكية والبيداغوجية والنفسية أن يزيد من فعالية التعليم ومن جودته وكفاءته.

إلا أن ذلك بحسب فاطمة حسيني، الأستاذة الجامعية والمتخصصة في علوم التربية، لا يمكن أن ينجح إلا بمعالجة الاختلالات، والبحث عن صيغ جديدة للتعليم وتأطيره بما يقتضيه من مستلزمات، وتأهيل الأساتذة بشكل يطور من الكفايات المهنية، وتعزيز القدرات والكفايات التكنولوجية والرقمية للموارد البشرية وتجديد الصيغ الإلكترونية التي تواكب عملية الرقمنة في مختلف المناهج والبرامج والعمليات الإدارية المواكبة، والاهتمام أيضا بمركزية المتعلم وبضرورة ضمان شق التعلم الذاتي لكي لا يبقى رهين ما يقدمه الأستاذ والكتاب المدرسي، بالإضافة إلى توعية الآباء بأهمية التعليم، واعتبار لغة التدريس مدخلا لنجاح التعليم بجميع أشكاله، وذلك عبر جعل اللغة العربية هي الأساس مع الانفتاح على اللغات الأخرى.

من جهة أخرى فالمغرب مطالب باستحضار تجارب الدول المتقدمة في مجال التعلم عن بعد، وإِنْ اختلفت البيئات والظروف الأسرية والاجتماعية للشعوب، لأن للتجارب في هذا الميدان قواسم مشتركة وخاصة التقنية منها والعلمية والتربوية، دون إغفال الحاجة إلى العدالة المجالية لمعالجة الهشاشة الاجتماعية التي تتحكم في حياة كثير من الأسر، وتقليص الفجوة بين مناطق المغرب وأقاليمه ومدنه وخاصة من حيث البنية التحتية.

 

 

 

انتقل إلى أعلى