يقرأ حاليا
“التقاف” بالمغرب.. بضاعة في سوق الشعوذة بين الخرافة والعلم
FR

“التقاف” بالمغرب.. بضاعة في سوق الشعوذة بين الخرافة والعلم

مروان حميدي

“بنتنا حيط ولد الناس حيط والحيط ما يدخل فحيط”، إنها تعويذة من تعويذات ما يعرف بـ”التقاف” في الثقافة المغربية الشعبية. فرغم تطور المجتمع المغربي وارتفاع نسبة المتعلمين، إلا أن مفهوم العذرية عند الفتاة غير قابل للنقاش، فهو من أكثر الأشياء المقدسة في ذهنية العديد من المغاربة، خاصة وأن هذا المفهوم يقع تحت سلطة الدين والتقاليد أيضا.

 

ومن أجل هذا فالعديد من النساء، خاصة في الوسط القروي يلجأن لما يعرف بـ “التقاف”، بغية تحصين بناتهن من شهواتهن المستقبلية، فلهم إيمان راسخ بقدرة التقاف على منع الممارسة الجنسية قبل الزواج.

خديجة “اسم مستعار”، تؤكد في حديث مع جريدة “نقاش21″، أنها “قامت بـ “التقاف” لإحدى بناتها لتحصينها من الرذيلة وحماية شرفها. فبعد المدرسة عن المنزل جعلها تتخوف من أن تمارس الفتاة الجنس خارج إطار الزواج، أو التعرض لإغراءات بعض الشباب الذين يستغلون الفتيات الساذجات”.

تقول خديجة المنحدرة من مدينة صفرو “لم أتوجه يوما لدى المشعوذين، فقط أردد بعض التعويذات المتوارثة من عند أجدادي، مع وضع الماء وحبات من الذرة في “القصعة” والعمل على تشبيك ما يعرف بـ “القرشال” فينتهي الأمر، وفي حالة أرادت الفتاة الزواج، نقوم بنفس الطقوس مع تغيير التعويذات وحل “القرشال”، فتصبح المرأة قادرة على ممارسة الجنس مع شريك حياتها”.

“هذه الطريقة فعالة مئة بالمئة فهي ليست بسحر او شعوذة بل فقط طريقة لحماية شرف الفتاة”، تقول خديجة.

مصطلح الثقاف في الثقافة المغربية يعني عدم تقبل المرأة ممارسة الجنس، كما أن الظاهرة مرتبطة بالرجال أيضا، فـ”التقاف” يستعمل كوسيلة لجعل الرجل غير قادر على معاشرة زوجته، بعد أن يكون قد فقد القدرة كليا أو جزئيا على الانتصاب ليلة الدخلة.

رهاب الثقاف

الدكتورة أمال شباش، أخصائية في العلاج النفسي والجنسي، توضح لـ “نقاش21″ أن ما يصطلح عليه بـ”التقاف” في الثقافة المغربية، ما هو إلا تشنج لعضلات المهبل، فيصبح الإيلاج مستحيلا نتيجة للخوف الذي يمتد لحدود “فوبيا” أو رهاب الإيلاج، فتعتقد المرأة أن الإيلاج يساوي الموت”.

بدوره أقر الدكتور أبو بكر حركات، أخصائي في الطب النفسي والجنسي، أن “التقاف مجرد خرافة من صنع المجتمع، فالمجتمع حينما يتحدث عن التقاف بالنسبة للمرأة، نكون أمام ظاهرة التشنج المهبلي فيستحيل الإيلاج، أو حينما يكون غشاء البكارة سميك فيصعب فض البكارة دون اللجوء للطبيب الذي يعمل على إزالتها، موضحا أن هذا المشكل هو مشكل نفسي بالأساس ولا علاقة للشعوذة والخرافات به”.

وأردف المتحدث ذاته، أن “هذا المشكل لا يقتصر على النساء فقط بل يلمس الرجال بدورهم فحينما يتسرب الخوف لنفس الرجل، يفقده الثقة في نفسه ويجعله غير قادر على الانتصاب لتحقيق عملية جنسية كاملة”.

في الثقافة الشعبية، ترى أن “الرجل تعرض لعملية شعوذة ضربت فحولته، المرتبطة في الذهنية العامة بقدرته الجنسية، لكن هذا غير صحيح فحدوث فشل في الانتصاب يكون وراءه عارض نفساني أو مرض عضوي”.

الحل

في معظم الأحيان حينما يتعرض الرجل أو المرأة على حد السواء لمثل هذا المشكل، يعتبرون المشعوذ أفضل وأقرب طريق يلجؤون إليه لإبطال مفعول “التقاف”، والغريب في الأمر أن مجموعة من الأشخاص خاصة الرجال، يؤكدون أنه بعد لجوؤهم لهذه الممارسة استطاعوا الدخول بزوجاتهن في الليلة الموالية.

إذن فهل طرق المشعوذين قادرة على علاج مثل هذه المشاكل والتخلص من ضعف الانتصاب؟

جوابا على هذا السؤال يشدد أستاذ علم النفس الاجتماعي، محسن بن زاكور، أن “هذه الحالات خير دليل على أن المشكل نفسي بامتياز، فإيمان الرجل بخرافة “التقاف” هي من جعلته غير قادر على تحقيق الانتصاب، وبالتالي فزيارة المشعوذ وقيامه ببعض الطقوس تعيد للرجل نوع من الثقة بنفسه فتتحسن حالته النفسية ويتخلص من الضغط ليصبح قادرا على استعادة انتصابه مرة أخرى”.

إقرأ أيضا

وأضاف بن زاكور في حديثه مع “نقاش21″، “يتعين على من يعانون من هذا المشكل استشارة متخصص من أجل تحديد المشكل أولا، وبعدها الذهاب لمختص في طب النفس الجنساني، في حالة تعلق الأمر بمشاكل نفسية أدت إلى التشنج بالنسبة للمرأة أو ضعف الانتصاب بالنسبة للرجل، خاصة وأن هذا الموضوع مرتبط بـ سعادة الزوجين”.

وبدوره أكد أبو بكر حركات أنه “من المستحيل أن يعالج الفقيه مشكلة التشنج المهبلي لدى المرأة أو سرعة القذف لدى الرجل، فالولوج للفقهاء مفيد فقط لمن يؤمن بالخرافات. ففي الأخير فهذا مشكل نفسي لا دخل للخرافات فيه. وأوضح حركات أنه “من الواجب الإقبال على الأخصائيين في مجال الصحة الجنسية عوض الذهاب لدى الفقيه”.

ثقافة جنسية

قالت الدكتورة أمال شباش، إن “الأسر المغربية لاتزال ترتكب أخطاء كبيرة في حق أولادها، حينما تكرس لديهم بعض الأفكار المغلوطة حول ليلة الدخلة، أو حينما ينعتون المرأة حديثة الزواج بـ “المفششة” في حالة أصيبت بالرهاب ليلة الدخلة، ولم تتقبل حدوث الإيلاج، مشيرة إلى دور الزوج وما يمكن أن يلعبه كسند للمرأة، للتغلب على خوفها”.

 “غياب الثقافة الجنسية داخل المجتمع المغربي بحجة “حشومة” أكبر تحد” تضيف الطبيب أمال أخصائية العلاج النفسي والجنسي، “فعدم الحديث عن مثل هذه الأمور داخل البيت هو ما يجعل هذه الظواهر والمعتقدات تنتشر داخل المجتمع”.

نفس المنحى سار عليه أستاذ علم النفس الاجتماعي، محسن بن زاكور، فهو الآخر يرى أن “التربية الجنسية من شأنها تنوير الفكر البشري وجعله بعيدا عن الخرافة والاعتقاد بمسائل لا تمت للواقع بصلة، مضيفا أن “التربية الجنسية تجعل الإنسان متصالحا مع ذاته أولا، وقادرا على فهم جهازه التناسلي ومعرفة أن العلاقة الجنسية هي علاقة تقتضي الحب والثقافة والرضى، فيستحيل أن تكون الثقافة الجنسية تكريس لسوء الأخلاق كما يدعي البعض”.

وأوضح بن زاكور، أن “تأهيل الأسر لقبول مثل هذه الأفكار، هي مسألة في غاية الأهمية وإلا سوف تبقى خرافة “التقاف” وغيرها من الخرافات قائمة، فغياب العلم يسمح للبعض الاصطياد في الماء العكر”.

انتقل إلى أعلى