يقرأ حاليا
فاطمة الركراكي.. عاشقة الرُّكح وأيقونة الزمن الجميل
FR

فاطمة الركراكي.. عاشقة الرُّكح وأيقونة الزمن الجميل

“الشمس”، كان أول فيلم سينمائي ظهرت فيه المشخصة المغربية فاطمة الركراكي، رفقة الراحل حميدو بنمسعود، كان دورا صغيرا نعم؛ إلا أنه بدايةٌ مبهرة لتوالي الأدوار وتفتُّق الإبداع الذي غمرت أشعّتُه الجمهور المغربي والساحة الفنية بسناء الفن والرقي والجمال.

 

سُئلت فاطمة الركراكي مرة عما تفضله، ما بين خشبة المسرح والسينما والتلفزيون، فلم تترد بأن تجيب بأن المسرح مَلَك شِغاف قلبها، كانت له العاشقة فكان لها الحضن الكبير الذي وَسِع أحلامها وتطلعاتها وإبداعاتها ولم يتأخر في رد الجميل شهرة ونجاحا ونجومية.

بعد عقود ممتدة من العطاء، آخرها الفيلم التيلفزيوني ” يمّا” للمخرج حسن بنجلون والذي تم إنتاجه عام 2012، غادرتنا الفنانة المغربية فاطمة الركراكي مُسلمة الروح لباريها فجر الـ 2 من غشت 2021 عن عمر ناهز الـ 80 عاما، بعد زهاء 8 سنوات من المرض، وأزيد من نصف قرن من العطاء وإثراء الساحة الفنية المغربية.

وَلَجَت المُشخِّصة والمسرحية المغربية فاطمة الركراكي عالم التمثيل منذ بداية الاستقلال، في وقت كانت المهنة حِكرا على الرجال ممن كانوا يقومون بالدَّورين معا، بسبب الطابع المحافظ جدا للأسر المغربية التي كانت تمنع بناتها من ممارسة التمثيل على خشبات المسارح، وبدأت مشوارها الفني بدور زوجة الأب في مسرحية مستوحاة عن “موليير”، ومن تلك اللحظة بدأت في تطوير موهبتها، لتلعب بعد ذلك أدوارا متعددة ومتنوعة.

لم تكن الطريق سالكة ولا مفروشة بالورود أمام ممثلة شابة وجميلة بدأت مشوارها الفني للتو، وسط ميدان محفوف بالكثير من أحكام القيمة، خلال سنوات الاستقلال الأولى، تقول الراحلة الركراكي في هذا الشأن خلال حوار صحافي سابق: ” (..) كنا طفلات صغيرات نلبس اللثام ونخرج للدراسة في المسجد. حين نال المغرب استقلاله عام 1956، فُتحت الأبواب وخرجت بعض النساء المثقفات بالمغرب منهن زوجة المرحوم علال الفاسي وغيرهن في المجال الثقافي، وفكرت لم لا أفعل مثل هؤلاء النساء”.

يعود الفضل في دُخول الركراكي لعالم التمثيل للممثل المسرحي عبد القادر بنسليمان الذي كان له احتكاك كبير مع العربي الدغمي وغيرهم، وحين احتاجت فرقتهم لممثلة غابت بسبب المرض، اقترحها بنسليمان وأوْكَل إلى أستاذة قريبة له تلقينها الدور وتمكينها من الأبجديات الأولى للتمثيل، لتنطلق الرحلة.

الحضور المسرحي المستمر، كان يُوازيه حضور لا يقل عنه أهمية في أعمال إذاعية مع فرقة التمثيل التي كان يشرف عليها رائد المسرح الإذاعي بالمغرب عبد الله شقرون، وفي أعمال تلفزيونية منها أفلام “آخر طلقة” (1995) لعبد الرحمان ملين، و”أمواج البر” (2001) من إخراج محمد إسماعيل، و”للأزواج فقط” (2008)، و”يما” (2012) لحسن بنجلون، ـ فازت فاطمة الركراكي عن دورها في هذا الفيلم بجائزة أحسن ممثلة في الدورة الثانية لمهرجان مكناس للفيلم التلفزيوني ـ، والسلسلة التلفزيونية الفرنسية البلجيكية “أرض النور” ( 2008 ) للمخرج الفرنسي من أصل أوكراني سطيفان كورك وغيرها.

أما السينما فشخَّصت فاطمة الركراكي دور البطولة إلى جانب الراحل الطيب الصديقي في الفيلم القصير “من أجل لقمة عيش”، وبعده ببضع سنوات شاركت إلى جانب المسرحي الراحل الدكتور محمد الكغاط في أول أعمالها الأجنبية وهو فيلم قصير كذلك من إنتاج ألماني فرنسي أخرجه جيمس هاستون سنة 1964 تحت عنوان “شهر عسل بالمغرب”.

بعد هذين الفيلمين القصيرين توالت الأفلام واختلفت الأدوار، وشاركت الراحلة في “شمس الربيع” ( 1969 ) للطيف لحلو، و”السراب” ( 1979 ) لأحمد البوعناني، و “غراميات” ( 1986 ) للطيف لحلو، و “كريستيان” ( 1989 ) لغابريال آكسيل، ـ وهو فيلم درامي من إنتاج دانماركي إيطالي شارك فيه من الجانب المغربي عبد الله العمراني ونزهة الركراكي وعبد القادر مطاع وآخرين ـ ، و “ياريت” ( 1994 ) لحسن بنجلون و”أنا الفنان” (1978 – 1995) لعبد الله الزروالي و”المقاوم المجهول” ( 1995 ) للعربي بناني و”وداعا أمهات” ( 2007 ) لمحمد إسماعيل و”جوق العميين” (2014) لمحمد مفتكر.

رحلت فاطمة الركراكي بعد تاريخ طويل من الإبداع والفن والعطاء، وخلال لقاءاتها الإعلامية الأخيرة وعلى قِلَّتها، فقد كانت لا تتأخر في إخبار جمهورها بحبها له: “أقول لجمهوري، كنحبُّو، كنحبُّو، أحب الكبير والصغير، وأحب بلادي كثيرا، وأوصي الفنانين بالصبر كما صبر أوائل الفنانين على ظروف العمل القاسية والأجر الزهيد”.

 

انتقل إلى أعلى