يقرأ حاليا
يوم قُصِف المغاربة وأدت المملكة تكلفة باهظة من أجل الجزائر!!
FR

يوم قُصِف المغاربة وأدت المملكة تكلفة باهظة من أجل الجزائر!!

السياسة المبنية على الإيديولوجيا وعلى مخلفات الحرب الباردة والحسابات الضيقة الناتجة عن التنافس حول الزعامة في المنطقة، كلها أسباب دفعت النظام الجزائري إلى خلق أزمة في المنطقة بدون مسوغات، دون أن يلتفت إلى خسائر المغرب المادية والبشرية من أجل أمن واستقرار الجزائر.

قصف من أجل الجزائر

وعلى الرغم مما يشوب التاريخ المعاصر من خلافات، بين الجيران، بسبب نظام عسكري يفكر في كل شيء باستثناء مصلحة شعوب المنطقة، إلا أن الماضي يشهد على علاقات من الترابط والتماسك والوحدة، وتعود بنا هنا أسماء مهديوي، الباحثة في العلوم السياسية،  إلى تاريخ احتلال الجزائر  سنة 1830 من قبل فرنسا والذي واكبته مقاومة جزائرية شرسة لم يتوانى المغرب بسلطانه وقبائله على دعمها، فالمقاومة الأكثر شهرة للأمير عبد القادر الجزائري في الغرب الجزائري، تؤكد الشواهد والوثائق التاريخية على احتضان المغرب لها وتوفيره المال والسلاح لاستمرارها بل وكان المغاربة يكتتبون لمساعدتها،  وكانت هناك مبايعة من قبل شيوخ القبائل لسلطان فاس فكانوا يدينون له بالولاء، ووقعت عدت مناوشات واحتكاكات بين جيش السلطان مع الجيش الفرنسي  دعما من المغرب للمقاومة الجزائرية والتي كان من نتائجها المباشرة قصف مدينة طنجة من البحر الأمر الذي أسفر على توقيع اتفاقية طنجة بين المغرب وفرنسا.

ويروي التاريخ كيف توغلت القوات الفرنسية في الأراضي المغربية الشرقية كما قامت بقصف مدينتي الدار البيضاء والصويرة لإلزام المغرب بالحياد، بل اكثر من ذلك دخلت فرنسا في حرب مباشرة مع المغرب تمثلت في معركة إيسلي سنة 1844 مع فرض معاهدة لالة مغنية التي حملت شروطا مجحفة واقتطعت أراضي شاسعة من المملكة الشريفة وتركت الحدود الجنوبية دون تحديد لتسهيل التوغل الاستعماري الفرنسي في الجنوب الشرقي المغربي.

أما على المستوى الشعبي فقد تميزت المنطقة الشرقية باحتضانها ودعمها لجيش التحرير الجزائري ومركزا  لقيادته خاصة المعروفين بجماعة وجدة ( بلمهيدي بنبلة، بوضياف، بومدين، بوتفليقة). ومن مظاهر التعاون الشعبي جمع التبرعات للثورة الجزائرية وامدادها بالسلاح والعتاد والمؤن والمال، كما احتضنت العائلات المغربية آلاف اللاجئين الجزائريين داخل البيوت والمنازل ووثقت معهم الارتباط بالمصاهرة والنسب حتى ذابت الفروق بينهم في اطار شعب واحد.

محمد الخامس

وفي حديثها مع نقاش21؛ أكدت أسماء مهديوي، أنه بالرغم من التكلفة الباهظة التي دفعها المغرب فقد استمر دعمه للمقاومة الجزائرية التي  خططت للكثير من معاركها من داخل الحدود المغربية، ولا يمكن إنكار أن الدعم المغربي للجزائر إضافة لعوامل سياسة واقتصادية عجلت بخضوع المغرب للحماية سنة 1912.

وحتى بعد القضاء على مقاومة عبد القادر الجزائري ونفيه لم يتوانى المغاربة وخاصة القبائل على دعم المقاومة الجزائرية بالسلاح والأموال، على الرغم من احتلال الجزائر من قبل فرنسا لما يناهز 130 سنة، إلا أن التنسيق المغربي الجزائري لم ينقطع والعلاقات لم تنقطع بين البلدين إلى أن أخذ كل بلد استقلاله، ونذكر هنا باستقبال الملك محمد الخامس سنة 1956 لكل من: أحمد بن بلة، وحسين آيت أحمد، ومحمد بوضياف، ومحمد خيذر، ومصطفى الأشرف. وقد أثار هذا الاستقبال غضب فرنسا آنذاك التي وجهت رسالة احتجاج للمغرب، تقول الباحثة.

وفتح محمد الخامس جميع القنوات الرسمية والمؤسسات الرسمية لاحتضان الثورة الجزائرية، وقد استقبل قيادتها ومدها بما يلزم من طعم مادي وعسكري ودبلوماسي، ويكفي احتضان المغرب لمؤتمر الدار البيضاء التأسيسي لمنظمة الوحدة الافريقية وتمثيل قادة الثورة الجزائرية فيه رغما عن الضغوط الفرنسية. ويبقى الموقف الأهم للملك محمد الخامس عندما رفض عرضا فرنسيا لترسيم الحدود مباشرة بعد استقلال المغرب، مفضلا حل هذا الملف الشائك مع اخوانه الجزائريين بعد الاستقلال.

حرب الرمال

أوضحت مهديوي، أنه بعد استقلال الجزائر سنة 1962 طالبها المغرب بالجلوس لتحديد الحدود التي رفض التفاوض بشأنها مع فرنسا، لكن رفض الجزائر  إرجاع مناطق بشار وتندوف للمغرب ساهم في اندلاع حرب الرمال سنة 1963 بين الأخوة والأشقاء والتي كلفت خسائر في الأرواح والأموال وساهمت في تأخر البلدين عن مسيرة التنمية .

ووصفت الباحثة العقلية التي حكمت الجزائر منذ الاستقلال بالعقلية الإيديولوجية الاشتراكية التي ترى في الملكية نظاما رجعيا وجب القضاء عليه، لذا سعت تاريخيا في تحالفات مع عبد الناصر والسائرين على فكره إلى عزل المغرب من محيطه العربي، وقد تفاقمت الخلافات خاصة مع المسيرة الخضراء سنة 1975 ودعم الجزائر الصريح لجبهة البوليساريو، بل واحتضانها على التراب الجزائري وامدادها بالمال والعتاد لتقوم بحرب ومناوشات دامت طويلا مع المغرب، ودائما ما أنكرت الجزائر كونها طرفا في هذا الصراع بالرغم من سعيها الحثيث وعملها بكل المقومات المادية واللوجستية التي تملكها على معاداة الوحدة الترابية للمغرب.

وقد تعمق الخلاف بإغلاق الجزائر الحدود سنة 1994، ومنذ ذلك التاريخ دخلت العلاقات المغربية الجزائرية مرحلة من الجمود الديبلوماسي مع حرب كلامية بين الفينة والأخرى. كما أن السياسة الرسمية الجزائرية لم تتغير منذ السبعينات إلى اليوم، على الرغم من نهج المغرب لسياسة اليد الممدودة ومطالبته الجارة بالجلوس على طاولة الحوار لحل جل الخلافات، لكن التحركات المغربية الأخيرة خاصة منذ 2016 مع الانفتاح الكبير على المجال الإفريقي من خلال آلية الاستثمار وتوسيع دائرة الشركاء عبر سياسة رابح رابح، تصاعدت التحركات العدائية عبر التصريحات والبيانات الجزائرية لوضع المغرب في دائرة الاتهام وجره دائما لمنطقة التجاذبات.

وهناك أيضا من يربط هذا العداء بعقلية إيجاد عدو تاريخي لاستمرار الحكم التاريخي وهذا يجد مبرره في أسلوب خطاب المؤسسة العسكرية الجزائرية حول المغرب واعتباره عدوا يحاول النيل من الجزائر ويعمل حسب الرواية الرسمية الجزائرية على الإضرار بها.

انتقل إلى أعلى