يقرأ حاليا
بنحمزة: فرنسا ابتزت الرباط بـ”بيغاسوس”.. والتحول في تونس لم ينتهِ بعد(1/2)
FR

بنحمزة: فرنسا ابتزت الرباط بـ”بيغاسوس”.. والتحول في تونس لم ينتهِ بعد(1/2)

في عالم متغير ومغرب يتفاعل مع محيطه الإقليمي والدولي، شهدت المملكة المغربية كما المنطقة عددا من المستجدات التي سيكون لها ما بعدها.

وتبقى قضية “بيغاسوس” أبرز الملفات الحارقة التي تعاملت معها الرباط، خلال الأسابيع القليلة الماضية، ونفى المغرب نتائج تحقيق أجرته 17 مؤسسة إعلامية، عن برنامج “بيغاسوس” للتجسس، حيث زعم التحقيق أن “حكومات 10 بلدان على الأقل، من بين عملاء شركة NSO الإسرائيلية، بينها المغرب والجزائر.

في هذا الجزء الأول من حوار “نقاش21” مع عادل بنحمزة، الباحث في العلوم السياسية، عرَّجنا على العلاقات المغربية التونسية خاصة عقب “التدابير الاستثنائية” التي اتخذها الرئيس قيس سعيد من بينها تعليق عمل النواب وإقالة رئيس الحكومة، ومدى تأثيرها على العلاقات بين البلدين التي شهدت فترة من الخمول، بالإضافة إلى أسرار تحرك “الماكينة” الإعلامية الفرنسية ضد المغرب علاقة ببرنامج “بيغاسوس” التجسسي.

وزير الخارجية ناصر بوريطة زار تونس قبل أيام وسلم رسالة للرئيس قيس سعيد؟ ما قراءتكم لهذه الخطوة؟

تونس توجد في العمق الاستراتيجي للمغرب، وهي دولة أساسية في المغرب الكبير حتى وهو في عداد العدم، لذلك من الطبيعي والمطلوب من المغرب أن يتحرك اتجاه تونس، لا يجب أن نغفل أن الأحداث التي عرفتها تونس بداية من ليلة 25 يوليوز هي أحداث فاصلة سيكون لها ما بعدها وقد لا تكون أقل أهمية من حدث إسقاط بنعلي.

إضافة إلى ذلك فتونس توجد في مواجهة قاسية مع وباء “كورونا” بما يمكِّننا من القول إن الدولة التونسية ومؤسساتها توجد في لحظة اختبار صعبة على مستويات متعددة، لذلك أعتقد أن زيارة وزير الخارجية المغربي تدخل في إطار تقديم الدعم لتونس علما أن المغرب لم يصدر عنه أي موقف رسمي بخصوص الوضع السياسي عقب القرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد، لهذا أتصور أن المغرب له رؤية واضحة بخصوص العلاقات مع تونس التي عرفت بعض الخُفوت في مراحل معينة.

زيادة على ذلك من مصلحة المغرب أن تكون علاقاته بتونس متطورة نظرا لوجود قواسم كثيرة مشتركة، وأيضا لدعم تونس التي توجد في موقع جغرافي يفرض عليها كثيرا من التحديات سواء من جهة الوضع في ليبيا أو من جهة طبيعة نظام الحكم في الجزائر واختياراته التي تعود إلى زمن الحرب الباردة، والذي كان يرغب دوما في عزل تونس عن المغرب، لذلك أرى أن التحرك السريع للمغرب في اتجاه تونس خطوة مهمة في انتظار أن تَرشَح معطيات تمكننا من بناء توقع معقول للاتجاه الذي ستأخذه العلاقات الثنائية بين البلدين.

كيف يمكن أن يؤثر ما وقع في تونس على العلاقات الخارجية مع المغرب؟

من المبكر الحديث عن تأثيرات ما وقع في تونس سواء على الداخل التونسي أو على علاقات تونس الخارجية ومنها العلاقة مع المغرب، ببساطة لأن ما يحدث في تونس لم ينتهِ بعد، هناك عملية تحول دقيقة جدا مستمرة وتنطوِ على تفاصيل معقدة تهم قوى مختلفة داخلية وخارجية، لكن كيفما تطورت الأوضاع هناك، في اعتقادي أن المغرب سيسعى إلى تقديم الدعم لتونس كشعب وكدولة، وليس لتيار سياسي على حساب آخر.

المغرب كان دائما وفيا لهذه المنهجية، التحول الذي سيحدث في اعتقادي سيتم على مستوى تونس، فالرئيس سعيد أبدى على مدى سنتين برودا اتجاه المغرب وجزء من النخبة التونسية لازالت حبيسة زمن بنعلي الذي كان ينظر للعلاقات الثنائية بين البلدين من زاوية المنافسة وليس من زاوية الشراكة والتعاون والتكامل، لذلك فالعلاقات بين البلدين كيفما كانت نتائج التحولات التي تعرفها اليوم، محكوم عليها أن تكون مؤطرة بمنطق الشراكة، صحيح أن الجغرافية بعدها السياسي تمثل عائقا أمام هذا الطموح لكن مع ذلك يمكن التغلب على هذا العائق إذا توفرت الإرادة السياسية وتم تثبيت الثقة.

هناك اتهامات عديدة بضلوع المغرب في التجسس عبر “بيغاسوس”، خاصة من الماكينة الإعلامية الفرنسية؟ ما دوافع باريس في نظركم؟

فرنسا أصبحت متضايقة ومنزعجة من الحضور الاقتصادي والسياسي المغربي في مواقع نفوذ تقليدية فرنسية خاصة في غرب إفريقيا، إضافة إلى ذلك ففرنسا فقدت مكانتها كشريك اقتصادي أول للمغرب منذ سنوات، بل تعدى الأمر ذلك إلى كون الميزان التجاري أضحى لصالح المغرب في السنوات الأخيرة، لذلك هناك طيف واسع من النخبة الفرنسية تطرح سؤال إلى أي حد سيصل المغرب؟ وماهي المكاسب التي تحققها فرنسا في علاقتها به علما أنها تلعب دور المحامي بالنسبة للمغرب على المستوى الدولي في عدد من القضايا وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية؟

بالتأكيد هناك منطق يحكم هذه التساؤلات وهي مشروعة من زاوية من يدافعون عن مصالح بلدهم فرنسا، لكن في المقابل هناك بلد اسمه المغرب لديه طموح أن يكون بلدا صاعدا، بلد تطور اقتصاده ونمت شركاته وفي قطاعات عديدة أصبحت السوق المحلية غير كافية، لذلك فهي تبحث عن أسواق خارجية، فإذا كان صعبا عليها دخول الأسواق الأوربية فإنها بصورة طبيعية تجد نفسها تعمل في اتجاه إفريقيا كامتداد طبيعي، وهناك تكون المنافسة مع الفاعلين الاقتصاديين الفرنسيين الذين مع الأسف لم يتخلصوا بعد من العقلية الاستعمارية.

المغاربة يتفوقون عليهم لأنهم أفارقة ويفهمون العقلية الإفريقية ويبنون شراكات بمنطق رابح ـ رابح، لذلك عوض تجييش الإعلام الفرنسي وابتزاز المغرب في قضاياه الوطنية الكبرى، كان مطلوبا من فرنسا أن تقبل أولا بواقع الطموح الاقتصادي للمغرب في مجاله الاستراتيجي الإفريقي، وثانيا بالاقتناع أن منطق التبعية أصبح متجاوزا وثالثا العمل على بناء شراكة قائمة على تقاسم المنافع والأرباح، هذا هو الطريق الواضح الذي يجب أن يسلكه الفرنسيون مع المغرب.

أما الرهان على القضايا التي تنفخ فيها وسائل الإعلام الفرنسية التي هي في النهاية صوت المصالح الاقتصادية الفرنسية، فإن ذلك يمثل منهجية ربما كان لها تأثير ودور في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، لكنني أعتقد أنها في عالم اليوم بلا تأثير، هذا الأمر عاشته تركيا في شرق المتوسط ويعيشه المغرب اليوم في غرب المتوسط، الحقيقة أن الأوروبيين يريدون جنوبا متخلفا تابعا وتزعجهم الدول التي تتمرد على هذه الصورة النمطية المحبوبة لدى أوربا.

من المستفيد من القصة كاملة؟

ليس هناك مستفيد حقيقي في الواقع بل مجرد مستفيدين محتملين لن يحققوا المكاسب التي يسعون إليها، الأمر هنا يتعلق بالمؤسسات الاقتصادية الكبرى في فرنسا والتي فقدت حظوتها في المناقصات المغربية بخصوص مشاريع البنية التحتية الكبرى التي أصبحت تتولاها اليوم مقاولات مغربية وهذا الأمر سيستمر مستقبلا، كما أن الاعتبارات السياسية لم يعد لها تأثير كبير.

يكفي أن نقارن تدبير المغرب لتطوير النقل السِّككي خاصة القطار فائق السرعة، فبينما حكمت الاعتبارات السياسية صفقة الخط الأول الرابط بين طنجة والدار البيضاء، والذي منح للفرنسيين وترتب عن ذلك مشاكل في التمويل، نلاحظ أن الخط الثاني الرابط بين الدار البيضاء وأكادير حكمته اعتبارات مالية وتقنية محضة حيث أثبت الصينيون تفوقهم، نفس الشيء بالنسبة للميناء الأطلسي في الداخلة الذي فازت بمناقصته شركة مغربية وهناك أمثلة أخرى في مجالات متنوعة.

 

 

انتقل إلى أعلى