يقرأ حاليا
لماذا لا يصل الشباب المغربي إلى القيادة؟
FR

لماذا لا يصل الشباب المغربي إلى القيادة؟

في ظل الاحتفال المغربي، اليوم السبت، بذكرى عيد الشباب، التي تتزامن مع الذكرى الـ58 لميلاد الملك محمد السادس؛ ولما يُمثله هذا اليوم من مناسبة لإبراز الالتزام الراسخ للملك لفائدة الشباب، من أجل انخراطهم في الدينامية التي يشهدها المجتمع، تعود إلى الواجهة مسألة حضور الشباب في قلب المشهد السياسي والحزبي في المغرب.

ومع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية التشريعية، باتت عدد من الأسئلة الحارقة تلوح في الأفق، من قبيل مدى ضمان حق الشباب في المشاركة في العملية السياسية على مستوى البرلمان؟ وهل ستضم اللوائح الانتخابية أسماء سياسيين شباب أم ستُعيد إلى الواجهة من يطمحون إلى الاستمرار في مناصبهم كنواب للأمة لولاية سادسة وسابعة وحتى عاشرة؟

عدد من الأكاديميين، أكدوا أن المدخل الأساس لتجاوز هذا الإشكال يكمن في مأسسة تجديد النخب، عن طريق قانون الأحزاب السياسية، بإلزامها ترشيح نسبة معينة من الشباب لمختلف الاستحقاقات الانتخابية، خاصة بعد إلغاء لائحة الشباب، حتى تكون فرص التنافس متساوية بين الجميع؛ كما أنه على الأحزاب السياسية من قبيل الاستقلال، والأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار، والعدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي، وغيرهم، العمل على تأطير الشباب سياسيا وجعلهم يتصدرون المشهد السياسي الراهن، بدلا من تكريس حِدة الأزمة وإعادة نفس الوجوه إلى الواجهة.

غياب الديمقراطية ..من أسباب عزوف الشباب عن السياسة

لحسن أقرطيط، الكاتب والباحث في العلاقات الدولية، يرى أن عزوف الشباب عن المشاركة السياسية بدأ بعد حكومة التناوب، وترسخ كظاهرة سياسية بعد انتخابات 2007 التي سجلت فيها أعلى نسبة مقاطعة تقريبا 70%”، مرجحا أن الأسباب تكمن في غياب الديمقراطية داخل الأحزاب، وتفشي البيروقراطية داخل هياكلها التنظيمية، مما أدى لموجات تمرد داخلها أدت في نهاية المطاف إلى انشقاقات وتأسيس أحزاب جديدة”.

وكانت المندوبية السامية للتخطيط قد كشفت في وقت سابق أن 70 في المئة من الشباب لا يثقون في جدوى العمل السياسي، و5 في المئة يؤمنون بالعمل الحزبي، و1 في المئة فقط يزاولون الفعل السياسي من داخل الهيئات السياسية، بينما يشكل الشباب 40 في المئة من الكتلة الناخبة؛ في حين أن نسبة الشباب الذين يحضرون الأنشطة الحزبية لا تتعدى 4 في المائة.

“الخلافات داخل هذه الأحزاب لم تكن فكرية أو سياسية بل كانت في مجملها بسبب انسلاخ قيادة هذه الأحزاب عن قواعدها وتفردها بالقرار السياسي، دون العودة للقواعد الحزبية وخصوصا الشبيبات الحزبية التي أفرزت القيادات الحالية لبعض الأحزاب” يضيف أقرطيط في حديثه لـ”نقاش 21″ مشيرا أن “صورة الأحزاب لدى الشباب المغربي مرتبطة بشخصيات ترهلت في مناصب القيادة، أو بسيطرة الأعيان على بعض الأحزاب أو بارتباط بعض الأحزاب ببعض العائلات”.

ومما يزيد من حِدَّة إرباك الشباب المغربي وعزوفهم عن المشاركة السياسية، هي مسألة “تماهي الأحزاب فيما بينها على مستوى البرامج السياسية، لأن الأحزاب لا تحترم المرجعيات الفكرية والسياسية، كذلك حين يتعلق الأمر ببناء تحالفات يفترض أن تتم على قاعدة التقارب الفكري والسياسي، وليس على ضمان المقاعد الحكومية كيفما كان شكل هذه الحكومة، وهو الأمر الذي يفقد الأحزاب المصداقية”.

غير أن أسماء مهديوي، باحثة في العلوم السياسية، قالت إن “الشباب اليوم قد تأثر بزحف العالم الافتراضي على العالم الواقعي، وبالتالي تحول النضال السياسي من الواقع عبر الجسم الحزبي والنقابي وغيره إلى العالم الافتراضي، وبهذا لا يمكن أن نقول أن الشباب قد ابتعد عن الفعل السياسي أو الشأن العام لكن الفضاءات اختلفت فأصبح الافتراضي يُمثل الفضاء العام ويدفع الممارسة السياسية للشباب”.

“للأسف هناك أحزاب في المغرب ارتبطت بأسماء وأشخاص بعينها، وهناك أحزاب أخرى ارتبطت بالإدارة، وبالتالي لا يهمها التشبيب بقدر ما تهمها الأسماء التي تجلب لها الأصوات انتخابية، وبالتالي تكتفي بتقديم الأسماء التي تراها وازنة ولها القدرة على المنافسة والحصول على المقاعد”، تؤكد مهديوي في حديثها لـ”نقاش 21”.

ما الذي يدفع الشباب إلى النأي بالنفس عن العمل السياسي؟

يؤكد أقرطيط أن “صورة النخب المرتبطة بالمال والسلطة ساهم بشكل كبير في تشويه العمل السياسي، وبالتالي في دفع الكفاءات إلى النأي بالنفس عن العمل السياسي، وإلا كيف يمكن أن تفسر شريحة واسعة من الشباب الأكفاء نجحت في ميدان تدبير المقاولات وكان بإمكانها أن تشكل إضافة للعمل السياسي وللمراكمة الديموقراطية ببلادنا”.

من جهتها، أشارت مهديوي، إلى أن “المتتبع لمختلف التدوينات والتغريدات والتعبيرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات الإعلامية، يجد يلاحظ الانخراط الواسع للشباب في النقاش العمومي سواء بالنقد أو التأييد، أو طرح الأسئلة والنقاش؛ لكن الإشكال يكمن في أن عدد من الأحزاب أدركت متأخرة أهمية هاته الوسائل الجديدة في العمل السياسي”.

إقرأ أيضا

“الأحزاب السياسية يجب أن تكون أكثر انفتاحا وأكثر ديمقراطية وأكثر تقبلا للتغيير لكي لا تتحول إلى مجرد دكاكين انتخابية، فعليها مواكبة تطلعات الشباب، والمُساهمة في تأطره وتكوينه سياسيا، أما بالنسبة للعزوف هي كلمة نسبية فلربما يكون العزوف عن الصناديق الانتخابية وهي ليست غاية في ذاتها بل فقط وسيلة”، تُردف الباحثة في العلوم السياسية، مشيرة أن “الشباب فاقد للثقة في الصناديق، لذا يلجأ لوسائل أخرى للتعبير عن رأيه؛ لكن يبقى المشكل في وصول الشباب لأماكن صناعة القرار”.

8 في المائة من إجمالي الناخبين شباب

أشارت أحدث إحصائيات القوائم الانتخابية الحالية في المغرب إلى زيادة مليونين و280 ألفا و898 ناخبا خلال خمس سنوات الأخيرة، أي بنسبة 14,5 في المئة، مقارنة بسنة 2016؛ وتؤكد الأرقام أن جُل هؤلاء المسجلين الجدد هم من فئة الشباب المتراوحة بين 18 إلى 24 سنة، ويمثلون نسبة 8 في المئة من إجمالي الناخبين.

هذه المعطيات تُؤكد زيادة عدد المسجلين الذين هم في سن الاقتراع، مقارنة بإجمالي عدد السكان، كما تبرز أهميتها في كون أن التعديلات الأخيرة للقوانين الانتخابية في المغرب تُبرز أن “القاسم الانتخابي الجديد” يعتمد على عدد الناخبين المسجلين في القوائم وليس على أعداد الأصوات.

وفي هذا السياق، ختم أقرطيط حديثه لـ”نقاش 21″ بالقول: “أظن أن كل الوجوه المعروفة ستتصدر القائمة، بل أكثر من ذلك هناك محاولة لبعض القيادات وبعض الناخبين التفاف على العملية الديموقراطية، إما بالعودة إلى المشهد السياسي المقبل عبر لون سياسي جديد، أي انتقال إلى أحزاب أخرى في إطار ما يسمى بالترحال السياسي، أو عبر نمط جديد من الترحال يمكن أن أسميه بالترحال الجغرافي وهو لأسف ما يفوت على المواطن فرص المحاسبة”.

انتقل إلى أعلى