يقرأ حاليا
تقرير: أرقام مهولة للطلاق بالمغرب.. كورونا والفهم الخاطئ للزواج وأسباب أخرى
FR

تقرير: أرقام مهولة للطلاق بالمغرب.. كورونا والفهم الخاطئ للزواج وأسباب أخرى

أرقام رسمية تكشف استفحال ظاهرة الطلاق بالمغرب، وآخرها ما أعلنته المندوبية السامية للتخطيط قبل أيام، في تقرير، تحت عنوان “المرأة المغربية في أرقام: 20 سنة من التطور”، يؤكد أن هناك ارتفاع الطلاق في صفوف النساء البالغات ما بين 45 و49 سنة بالمغرب، مقارنة مع الرجال، سواء في العالم القروي أو الحضري.”

 

وقد عزا بعض السوسيولوجيين، ارتفاع حالات الطلاق بالمغرب، للأزمة التي عرفتها “كورونا”، إذ أكد عبد الهادي الحلحولي في حديثه لـ“نقاش 21”، أن “الحجر الشامل الذي عرفه المغرب له أثر كبير في ما عرفته ارقام حالات الطلاق بالمملكة، مشددا على أن المغرب عرف زعزعة استقرار الأسر والمهن والعلاقات”.

وشهدت عدد قرارات الطلاق النهائية الصادرة عن المحاكم زيادات مقلقة، إذ انتقل من 44408 عام 2014، إلى أكثر من 70 ألف حالة طلاق سنة 2020. كما تظهر المعطيات أن حوالي 78٪ من الحالات كانت عبارة عن طلاق رضائي.

وتتقارب نسبة الطلاق في صفوف الجنسين في العالمين القروي والحضري، إذ بلغت في صفوف النساء، سنة 2014، 77.6 في المائة بالمجال الحضري، و74.5 في المائة في المجال القروي؛ بينما بلغت في صفوف الرجال 22.4 في المائة في العالم الخضري، و25.5 في المائة في المجال القروي.

وقد شهد المغرب بعد تخفيف قيود حالة الطوارئ الصحية، ارتفاعاً في عدد ملفات حالات الطلاق التي تتقاطر على المحاكم، في العديد من مناطق المملكة، ولتسليط الضوء أكثر عن الأسباب الكامنة وراء ارتفاع ظاهرة الطلاق الطلاق بالمغرب، حمل “نقاش 21″ أسئلة جوهرية في الموضوع إلى  الباحثين في السوسيولوجيا وعلم النفس، أبرزها ماهي الأسباب ارتفاع ظاهرة الطلاق بالمغرب؟ وما هي الظواهر التي قد يخلفها ارتفاع نسب الطلاق بالمغرب؟، وماهي الحلول الكفيلة بالحد ولو قليلا منه؟.”

الطلاق من الجانب السوسيولوجي والبسيكولوجي.

وفي هذا السياق، اعتبر الأستاذ الجامعي عبد الهادي الحلحولي، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، أن “الجائحة زعزعت استقرار الأسر والمهن والعلاقات”، مشيرا إلى أن “الغالبية فقدت العمل وخصم الأجور، وبالتالي كلها أمور ساهمت بشكل مباشر في استفحال الطلاق بالمملكة”.

ومن جهته، أبرز محسن بنزاكور أستاذ علم الاجتماع النفسي، أن “الأرقام الرسمية التي تم تسجيلها ” تهدد المجتمع بعدم الاستقرار، وتهديد في  مضمونها الأطفال وحياتهم الشخصية والنفسية” مشيرا إلى أن “هناك أسباب كثيرة جدا، إذ لا يمكن حصرها في العلاقة بين الزوجين، ولا من حيث ما يتم تداوله حول تغيير منظومة العدل من حيث الشقاق، بل الأسباب متداخلة”.

حالات الطلاق  في المغرب تعود بالأساس إلى الفهم الخاطئ، لمفهوم الزواج، يقول بنزاكور، “لأننا في المغرب مازلنا نعيش على وقع الفهم الخاطئ للزواج، وأفكار تقليدية للزواج، وهذا يجعلنا في تفاوت ما بين مفهومنا وتمثلنا للزواج، وبين تشبعنا بالحريات الفردية، بالحقوق الشخصية، وبكرامة المرأة والرجل، وبالتالي هنا نسقط في التعارض لم يهيئ له  الطرفين”.

“هناك من مجموعة من الأشخاص مقبلون على الزواج ولكن يجهلون مفهوم الزيجة”، فكل واحد يأتي  بحمولة شخصية اكتسبها من محيطه الخاص، وبالتالي نسقط هنا أمام تنافر الطرفين ويفشل على إثرها  الزواج”، كما أكد المتحدث ذاته، أن “العامل المادي له دور كبير في حالات الطلاق التي تستقبلها المحاكم المغربية، إذ هناك بعض العائلات لا تستطيع توفير حتى الحد الأدنى من حاجياتها الأساسية”. 

ومن جهته، اعتبر السوسيولوجي الحلحولي، أن “أهمية أسباب الطلاق في ترتيبها لا تتوقف عند ما هو مادي، “النفقة ومتطلبات العيش اليومي”، بل يمس كذلك حتى الفئات التي لا يطرح لديها مشكل من هذا الصنف. مما يعني أن الظاهرة واحدة وأسبابها متعددة، ترتبط بالمجتمع وسيرورته الاجتماعية والثقافية، إذ بات قبول الآخر والعيش في كنف قيمه، مسألة نسبية، تقبل الرفض كما تقبل القبول”.

اختلاف وضعية المرأة

أكدت سعيدة الزين، أستاذة و باحثة في علم الاجتماع، في تصريح لـ”نقاش 21″، أن “مغرب اليوم يختلف عن مغرب الأمس”، مشيرة إلى أن “وضعية المرأة المغربية شهدت تغيرات كبيرة واكبت التحولات المجتمعية ككل، وخصوصا بعد صدور مدونة الأسرة سنة 2004، والتي جاءت بمكتسبات جديدة للمرأة المغربية، إضافة الى جهود الجمعيات المنادية بحقوق المرأة. ولعل أكبر كاسب المدونة   تيسير مساطر المطالبة بالطلاق لدى محاكم الأسرة”.

إقرأ أيضا

“هذه الترسانة القانونية ليست وحدها المسؤولة عن واقع أرقام المندوبية السامية للتخطيط في تقريرها،” توضح المتحدثة ذاته، أن “المرأة المغربية في أرقام: 20 سنة من التطور”، التي أظهرت ارتفاع مطالبة النساء بالطلاق بحيث وصلت هذه النسبة 77.00% سنة 2014 في مقابل 23.00% لدى الرجال  في نفس السنة؛ هذا الواقع الكمي يعكس التغيير الحاصل داخل المجتمع الذي كان يعيش تحت نير العار الذي يلحق المرأة المطلقة ” الحشومة”، ومصطلح “هجالة””.

وأبرزت المتحدثة ذاتها أن “مطالبة المرأة بالطلاق اليوم بشكل كبير يعكس تغيير التمثيلات حول الطلاق نفسه، والدهنيات المجتمعية، التي أصبح معها الصبر على سوء المعاملة أو المعاشرة إمكانية مستبعدة في ظل وجود إمكانية الانعتاق، ناهيك أن مغربية اليوم هي أكثر استقلالية ماديا وأكثر تعلما من مغربيات الأمس، وبالتالي قادرة على رفض سوء الظروف الاجتماعية والزوجية داخل مؤسسات الزواج”.

“هذا الارتفاع في نسب مطالبة النساء بالطلاق لا يخضع للتقسيم المجالي أي حضري وقروي؛ فالتطور الحاصل مجتمعيا تجاوز التقسيمات المجالية،  فهنالك  مساواة مجالية في الأرقام  الخاصة بالمطلقين بحيث  تتقارب بشكل كبير  النسب المسجل في المجال القروي 74.5% في مقابل 77.6 % وهي نسب جد متقاربة، تعكس أن المشاكل التي تدفع “فاطمة” في أعالي جبال الأطلس؛ يمكن أن تكون قريبة وشبيه بتلك التي دفعت “ريهام” في وسط العاصمة الإدارية. وأن فكرة الطلاق والمطالبة به ليست حكرا على الحضريات بعيدا عن الريفيات  فهو واقع مغربية واحدة حيثما وجدت طبعا مع بعض الخصوصيات في الدوافع واحدة.”

 مُخلفات الطلاق

 أكد الحلحولي، أن “ارتفاع نسب الطلاق يُخلف جملة من الظواهر  الأخرى، خاصة التي تمس الأطفال، موضحا  أن “الطفل الذي ينمو في مثل هذا الجو الأسري، يتأثر به كما يتأثر بغياب الدور الذي من المفروض أن تشغله البنية الأسرية في علاقتها ببناء طفل ككائن اجتماعي، يتنفس روح الأسرة وقيمها. من ناحية أخرى، في اعتقادي، تعتبر المرأة أول متضرر من حالات الطلاق في مجتمع مازالت الانثى تسير وفق نمطية عامة والينبغيات الأخلاقية. لذلك يخلق لنا الطلاق ظواهر من جنس ثان، أولى ضحاياه الطفل، ثم الام/الانثى، والمجتمع في نهاية المطاف، لأن كلفته ليست اجتماعية، بل هي كذلك اقتصادية وتنموية”.

وللحد من هذه الظاهرة التي تضرب في العمق سلامة المجتمع ككل، والتي تنخر جسده، وتؤدي إلى ظهور عاهات وظواهر أخرى أخطر حدة، يقترح الحلحولي مجموعة من الحلول على الدولة، أولها “بناء سياسة أسرية قائمة الذات، تقوي من وجود الفرد داخل البنية الأسرية، والقضاء على أشكال التفاوتات الاجتماعية، مع الحد من إشكالية السكن خاصة بالمدن المتوسطة والكبيرة.”

انتقل إلى أعلى