يقرأ حاليا
الزوايا والأضرحة بالمغرب.. ملاذ روحي ومعقل طقوس مُثيرة للجدل للزواج أو فك السحر
FR

الزوايا والأضرحة بالمغرب.. ملاذ روحي ومعقل طقوس مُثيرة للجدل للزواج أو فك السحر

“المغرب بلد الأولياء والمشرق بلد الأنبياء” مقولة مُتداولة منذ القِدم، في إشارة إلى احتضان المملكة المغربية ذات المذهب المالكي، لعدد كبير من الأضرحة والزوايا، لدرجة عُرفت بها بلقب “بلد المئة ألف ولي”.

الأضرحة أو الزوايا هي قبر ولي أو مجموعة من الأولياء، وعبارة عن بنايات مُكعبة الشكل تعلوها قُبة نصف كُروية؛ يبلغُ عددها 5038 ضريحاً تُشرف عليها وزارة الأوقاف المغربية، فيم يُقدر عدد الزوايا بـ1496 زاوية تتوزع في أرجاء البلاد، وهو ما اعتبره وزير الشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، “دليل على تأطير روحي جيد للمغاربة وتمسكهم بالقيم الإسلامية والأولياء الصالحين”.

وفي إطار مشروع قانون المالية 2022، كشفت الميزانية الفرعية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عن اعتمادات مالية تصل إلى مبلغ 12 مليون درهم من أجل العناية بالأضرحة، فيم تعدى الإنفاق عليها خلال السنة الماضية 146 مليون درهم مغربي، من أجل تجديدها وترميمها والمساعدة في أداء مهامها الدينية.

الأضرحة.. حين يُفهم الدين بطريقة مُختلفة

باتت الزوايا والأضرحة بالمغرب، ملاذا لآلاف المرضى والراغبين في قضاء جُل الحاجيات الدُنيوية من قبيل الزواج، مُعالجة العقم، أو تيسير الأحوال، أو غيرهم من الأمور التي يرغب فيها المرء حين تضيق به الدُنيا بما رحبت، فأضحى كل ضريح معروف بقضائه لنوعية مُعينة من الحاجيات، ولكُل ضريح عاداته وطُقوسه، وكذا عبر تقديم الذبائح، والهدايا للمشرفين عن هذه الزوايا والأضرحة.

من مُختلف المُدن والقرى المغربية، تتوافد المئات من النساء، لمناطق بعيدة، باحثة عن حل لمُشكل يعيق عنها الحياة، كأن تذهب مثلا لضريح بوشعيب الرداد، المتواجد على تُلة مُرتفعة ضواحي مدينة أزمور، طلباً للذرية والأولاد، فتعمد إلى التمسح بقبر الولي داخل القبر، والتماس البركة مع استحضار النية، لعل الله يراها فيُيسر لها الحمل بعد سنوات من الزواج، بحسب تصوراتهن.
أما بخصوص النساء الراغبات في الزواج وإبعاد عنهن ما يعتبرونه “شبح العنوسة”، فيذهبن إلى ضريح لالة عيشة البحرية”، فتلتزم باتباع مجموعة طقوس معينة قبل أن تطلب من صاحب الضريح الزواج؛ فتجد جُدران المكان يعُج بأسماء خُطت بأمل كبير في مُبارك الزواج وتيسيره.

وللمرضى ضريح “سيدي عري” المُتواجد نواحي مدينة الناظور، وهُنا قصص وحكايا المرض خُطَّت بحزن وترقب للشفاء، حيث تحُجّ إليه العائلات بأبنائها المرضى طلباً للعلاج من الأمراض النفسية والعقلية، عند “صاحب الكرامة”؛ أما في شرق المملكة فهُناك ضريح “يحيى بن يونس”، المُشتهر لدى عامة الناس بقُدرته على إبطال السحر والأعمال الشيطانية.

ومن المُتداول، أن دور الزوايا والأضرحة بالمغرب، لا يقتصر فقط على كونها ملاذا للباحثين عن “البركة” أو العلاج وتحقيق الأمنيات الدُنيوية، بل يتعداها إلى الدعم السياسي للنظام، وكذا التأطير الديني والتربوي للمواطنين، إذ كانت هذه الزوايا إلى عهد قريب تُعد مثل مدارس دينية تهدف لتلقين العلوم الإسلامية وتحفيظ القرآن والأحاديث النبوية، فضلا عن دورها في إيواء أبناء السبيل والمسافرين وإطعام الفقراء.

وكانت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، قد أصدرت مذكرة قبل سنوات طِوال، دعت فيها خطباء المساجد إلى إظهار دور هذه المزارات في تأطير المواطنين، وبيان وظيفتها في استتاب الأمن الروحي عبر وصفها بفضاء للذكر والتفقه في الدين.

مُمارسات شائكة.. “في مغرب 2021”

قضية مجموعة من التصرفات والممارسات المُثيرة للجدل، التي تُقام كطقوس أو عادات داخل جُل الأضرحة والزوايا المُنتشرة فير ربوع المملكة المغربية، وصل صداها لقلب البرلمان، حيث دعا مجموعة من النواب البرلمانيين، أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، إلى منع ما يجري داخل بعض الزوايا والأضرحة باعتبارها “ممارسات منافية للدين الإسلامي”.

وفي هذا السياق، قالت إيمان لماوي، نائبة برلمانية عن فريق الأصالة والمعاصرة بلجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين بالخارج، خلال مناقشة مشروع الميزانية الفرعية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إن “الوزارة خصصت ما يزيد عن 12 مليون درهم لترميم الزوايا والأضرحة، وهذا أمر جيد، لكننا نتساءل هل تراقب ما يحدث داخل بعض هذه الزوايا والأضرحة من ممارسات تتنافى وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف؟” مُردفة أن “العديد من الزوايا والأضرحة أصبحت اليوم تعرف طقوسا غريبة، لا تسهم بأي شكل من الأشكال في بناء مواطن مثقف وواع”.

“هذه الممارسات غير مقبولة في مغرب 2021، فهذه الزوايا والأضرحة، التي كان الهدف منها محاربة التخلف الاجتماعي خلال سنوات الاستعمار، أو سنوات بعد الاستقلال، أصبحت اليوم مقصداً لآلاف المرضى والراغبين في قضاء حاجيات دنيوية، لا علاقة لها بالجانب الروحي، من زواج وخصوبة وولادة” تضيف لماوي في حديثها مشيرة “لا داعي هنا لذكر الأسماء، ولو أنها معروفة لدى الجميع، فهذا ضريح لعلاج النساء العقيمات، وآخر مخصص لتزويج العوانس” بحسب المُتحدثة نفسها.

أما أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، في رده على مداخلات النواب البرلمانيين، أوضح أن “بعض الممارسات التي تعرفها بعض الأضرحة تدخل في ما يسمى الفهم الشعبي للدين، وهي ممارسة موجودة في كل دول العالم، بما فيها الدول المتقدمة”، بالإشارة إلى أن مُحاربتها شيء صعب، لكن ما الحل؟

إقرأ أيضا

حين تضيق السُبل وتشتد.. يرتفع صوت “الحاجة مع الفقر”

يقول إدريس الكنبوري، الخبير في الشأن الديني، إنه منذ الاستقلال “ظلت المؤسسة الملكية المغربية ترعى الزوايا وتُقدم لها المساعدات المالية والعينية، كما أنه منذ سنة 2001 بظهور الإرهاب، أصبحت الزوايا الطرقية جزءا من السياسة الدينية للدولة، حيثُ بات الرهان عليها لمحاربة التطرف الديني”.

من جهته إمام مسجد، بمدينة الرباط، فضل عدم الكشف عن اسمه، يقول في حديثه لـ”نقاش 21″ إنه “ليس لدي أدنى مُشكل في العناية بالزوايا والأضرحة عبر تخصيص مبالغ مالية كُبرى لها، لكنني أطالب بالحرص على ما يجري بداخلها من طُقوس تصل لحد الغرابة، وجُلها مُنافي لتعاليم الدين الإسلامي، وتُمجد للشرك”.

“كما أنني أتمنى أن يُقام حد لهذه التصرفات، وتُعاد لهذه الزوايا والأضرحة أدوارها الأولى، وهي مُحاربة التخلف الاجتماعي” يُضيف الإمام، مُردفا أن “هناك سبب آخر قوي يجعل المُواطنين يحجون إلى مختلف الزوايا والأضرحة المُنتشرة في المغرب، وهو عدم قُدرتهم على الذهاب إلى المُستشفيات، إما بسبب عدم توفرها في جُل القرى البعيدة عن العاصمة والمُدن الكبرى، أو لعدم قُدرتهم على شراء الأدوية، بناء على فقرهم وقلة حيلتهم، فيجدون هذه الأماكن ملاذا لهم للشعور بنوع من الأمان”.

الإيمان بالقُدرات “الخارقة” للزوايا والأضرحة.. بين النفي والتأييد

وكان عبد النبي عيدودي، باحث في الشؤون الدينية والسياسية، قد صرح في وقت سابق أن “الزوايا في المغرب تُعتبر جزء من الإرث التاريخي بما تعكسه من علاقات بين القبائل المغربية وشيوخ الزوايا والسلطة، وكذلك إنها تقوم بدور اقتصادي عبر تحريك عجلة الاقتصاد والترويج بطريقة غير مُباشرة للسياحة الداخلية، حيث يحج إليها المواطنين من مُختلف المدن المغربية في أوقات مُتفرقة عبر السنة”.

ومع تفشي فيروس كورونا، وفرض مجموعة من القيود الاحترازية، والحد من التنقل بين المُدن المغربية، تراجع الإقبال تدريجيا على جُل الزوايا والأضرحة، لكن الاعتقاد بها وبالقدرات التي توصف بالخارقة ظل قائما في ذهنية عدد كبير من المُواطنين المغاربة؛ حيث أكد مجموعة منهم في حديث لـ”نقاش 21″ أن هذه الأماكن “لها قُدرة عجيبة على فك العين الشريرة، وإبعاد الجن عن الجسم الانساني، والعلاج من مُختلف الأمراض”، فيم أكد آخرون “أن الذهاب إلى الزوايا والأضرحة هو شرك بالله، وطقس مُنافي لتعاليم الدين الإسلامي”.. ويستمر الجدل.

انتقل إلى أعلى