يقرأ حاليا
24 غشت.. خلفيات إعلان الجزائر لقطيعتها الدبلوماسية مع المغرب
FR

24 غشت.. خلفيات إعلان الجزائر لقطيعتها الدبلوماسية مع المغرب

تُخيم أجواء التوتر منذ سنوات طِوال على ملامح العلاقات بين المغرب والجزائر، غير أن إعلان الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في تاريخ 24 غشت، يُنذر بإحياء التوترات القديمة بين البلدين، إذ يُعد هذا التوقيت شديد الحساسية.

أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية، مساء يوم الثلاثاء 24 غشت الجاري، عن قطع علاقتها مع المغرب، ردا على ما وصفها وزير خارجيتها رمطان العمامرة بـ”الأعمال العدائية المُوجهة ضد بلاده” من طرف المغرب، والتي استمرت منذ ستينيات القرن الماضي، بحسب تعبيره.

وأضاف وزارة الخارجية الجزائرية، أن “المملكة المغربية لم تتوقف أبدا عن أعمالها العدائية ضد الجزائر”، مشيرا إلى ان القنصليات في البلدين ستظل مفتوحة؛ وجاء ذلك بعد أيام فقط من قرار الجزائر لـ”إعادة النظر” مع المغرب بعد اتهامه بـ”التورط في الحرائق التي اجتاحت شمال البلاد”.

هل كان إعلان الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في يوم 24 غشت بريئا؟

عدد من المهتمين بالعلاقات بين البلدين، اعتبر أن اختيار الجزائر ليوم 24 غشت لإعلان قطيعتها مع المغرب، لم يأتِ من باب الصُدفة، لأن “التاريخ لا ينسى”، فهل كان إعلان الجزائر في هذا اليوم مُجرد صُدفة أم أنه يحمل في طياته عدد من الرسائل السياسية التي أراد العسكر إيصالها للرباط، ومنها اعتماد أسلوب الرد بالمثل، بعد أن كان المغرب قد وجه أصابع الاتهام إلى الجزائر إثر التفجيرات التي شهدتها مدينة مراكش في 24 غشت 1994، إذ وصلت الاتهامات آنذاك حد إغلاق الحدود البرية مع الجزائر.

تفجيرات فندق أطلس إسني التي هزت مدينة مراكش في يوم 24 غشت سنة 1994، خلفت عددا من الوفيات، الشيء الذي جعلها لا تُنسى؛ فترسخت اتهامات المغرب لوهران في أذهان الجزائريين، فهل يُمكن الحديث اليوم عن رد جزائري على الملك الراحل الحسن الثاني الذي اتهم الجزائر بتورطها في التفجيرات الإرهابية التي عرفها مراكش قبل سنوات؟

“في العلاقات السياسية مع الدول، لا شيء يُترك للصدفة، فأي إجراء سواء من خلال توقيته أو تحديد سياقه يكتسي دلالة سياسية، ويعبر عن توجيه رسالة سياسية محددة” يقول محمد شقير، أستاذ باحث في العلوم السياسية والتاريخ المغربي الحديث، مؤكدا بذلك ما يتم تداوله من ربط بين التواريخ في العلاقة بين المغرب والجزائر.

وفي السياق نفسه، تساءل علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، عن مدى الربط الحاصل بين تفجيرات فندق اسني وبين “الطغمة العسكرية الحاكمة بالجزائر تقطع علاقاتها مع المغرب يوم 24 غشت 2021؟ هل هو احتفال بذكرى العملية الإرهابية وبالجهة التي كانت وراءها؟ أم إشارة قوية لها خلفياتها المستترة لإشعال النار؟ هل سنستعد لمواجهة مغامرات الجنرلات في وضعية انهزام وشرود نفسي وسياسي؟ أم أن الأمر يتعلق بحقد ودغينة الرئيس الفعلي الجنرال السجين السابق لدى الجيش المغربي في معركة أمغالا؟”.

ويواصل لطفي، استفساراته المفتوحة، مرجحا أن “القرار موجه خصوصا للرأي العام الداخلي للتغليط ولترويج لخرافة “عدو وهمي” هو المغرب لقطع الطريق على قيادة الحراك الاجتماعي المدني بالجزائر المطالبة بدولة مدنية ديمقراطية، وعودة الجيش إلى تكناته ومحاسبة المفسدين وناهبي المال العام بالجزائر”.

وختم المتحدث ذاته، حديثه بالقول “إن الشعب المغربي لن يقطع علاقات الأخوة والدم والأسرة والدين واللغة والعروبة والأمازيغ مع الشعب الجزائري رغم أنف حكامه، وعلى المغرب أن يتجاهل نعرات الجيران ومناوراتهم، ويتجه إلى الأمام ويواصل بناء مؤسساته الدستورية الديمقراطية، وفي تحقيق أهدافه في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص لأفراد شعبه تحت قيادة ملك البلاد مجندين ورائه لرفع التحديات”.

هل التاريخ يُكرر نفسه؟

“لا فخامةُ الرئيس الجزائري الحالي، ولا حتى الرئيس السابق، ولا أنا، مسؤولين على قرار الإغلاق. ولكننا مسؤولون سياسيا وأخلاقيًا، على استمراره”، بهذه الكلمات أكد الملك محمد السادس، السبت 31 يوليوز، بمناسبة عيد العرش والذكرى الثانية والعشرين لتوليه قيادة المغرب، على ضرورة العمل لحل الخلافات التاريخية بين المغرب والجزائر، وبالتالي فتح الحدود بين البلدين؛ الشيء الذي قابله الرئيس الجزائري بما وصف بـ”التجاهل”.

النزاع في الصحراء المغربية يُعد السبب الأبرز لهذا التوتر المستمر لسنوات طويلة بين البلدين، منذ سبعينيات القرن الماضي؛ وتأجج منذ الإعلان الصريح للجزائر عن دعمها لجبهة “البوليساريو”، وإعلان الولايات المتحدة الأمريكية دعم المغرب في ملف الصحراء، خلال السنة الماضية، الشيء الذي أثار حفيظة الجزائر؛ فزاد المشهد تعقيدا باندلاع أزمة معبر الكركارات.

وسبق للمغرب إعلان قطع علاقته مع الجزائر في 7 مارس سنة 1976 على خلفية اعتراف الجزائر آنذاك بقيام كيان وهمي تابع لـ”جبهة البوليساريو”، ولم تُستأنف العلاقات إلا في سنة 1988، إلا أن المياه لم تعد يوما صافية إلى مجاريها في العلاقات بين الجارتين، فتم إغلاق الحدود مُجددا سنة 1994 عقب اتهام المغرب لعدد من الجزائريين بالتورط في تفجيرات مراكش.

“منطلق اختيار 24 غشت 2021 من طرف السلطات الجزائرية، هو تذكير بـ 24 غشت 1994، عندما بادرت السلطات المغربية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني بإغلاق الحدود بعد العملية الإرهابية بفندق اسني بمراكش، والتي عمدت السلطات الجزائرية لتذكير السلطات المغربية مطالبتها بالاعتذار عن هذا الإجراء” يضيف شقير في حديثه لـ”نقاش 21″.

ويردف الباحث في العلوم السياسية أن “مسارعة السلطات الجزائرية بقطع العلاقات الدبلوماسية في هذا التوقيت هو رد سياسي على هذا الإجراء بعد أكثر من عشرين سنة”.

علاقات متذبذبة

يظل التوتر والأخذ والرد هي السمات البارزة في العلاقات المغربية الجزائرية، على مر السنين، فبالرغم من أنه في يوم 11 يوليوز 1987، التقى الملك الراحل الحسن الثاني، وزير الخارجية الجزائري آنذاك، وفي 22 نونبر من نفس السنة، زار وزير الخارجية المغربي، الجزائر؛ لتُعلن في تاريخ 16 ماي، كل من الجزائر والمغرب استئناف العلاقات الدبلوماسية، وفتح الحدود بينهما بتاريخ 5 يونيو من نفس السنة، ومن تم الاتفاق على مشروع أنبوب نفطي لربط الجزائر بأوروبا عبر المغرب.

لكن ما هي إلا سنوات قليلة، وتُغلق الحدود من جديد بين البلدين، على خلفية استنكار المغرب تصريحات الرئيس الجزائري، اليمين زروال، إذ اعتبر أن الصحراء “بلد محتل”، وذلك بتاريخ 16 غشت من سنة 1994؛ ليُلزم المغرب الجزائريين ضرورة الحصول على التأشيرة لدخول أراضيه في 26 غشت، مباشرة بعد الهجوم الذي استهدف فندقا في مراكش.

“إن استدعاء السفير المغربي بالجزائر إلى الرباط هو نوع من المعاملة بالمثل بعد سحب الجزائر لسفيرها، أما فيما يخص إعلان الحرب بين الدولتين فمن الصعب التكهن بما يدور في ذهن سياسيين عسكريين أعماهم الحِقد السياسي، ويواجهون أزمة سياسية داخلية، قد يعرفونها من خلال عمل مسلح، خاصة وأن هناك استنفار عسكري على حدود البلدين، حيث يمكن أن يتم استغلال أي انفلات عسكري أو مناقشة على الحدود لإشعال حرب ولو كانت محدودة” يوضح شقير في سياق حديثه لـ”نقاش 21″.

ويردف الأستاذ الباحث في العلوم السياسية أن “القوى الكبرى وبالأخص الولايات المتحدة لا يمكن أن تسمح بأي حرب، قد تزيد من عدم استقرار منطقة شمال إفريقيا، التي تعرف بالأساس عدم استقرار سياسي في كل من تونس وليبيا” مشيرا أن “أن الولايات المتحدة ليس من مصلحتها أن ينشغل حليفها الأساسي في المنطقة في حرب قد تسهل انتشار الحركات المتطرفة والمسلحة في منطقة دول الساحل بما يحمله من تداعيات على القارة الإفريقية، التي تتهيأ للتوسع فيها بعدما ضعفت الدول الأوربية في مواجهة التوسع الصيني في هذه المنطقة”.

انتقل إلى أعلى