يقرأ حاليا
انطفئ المصباح.. العدالة والتنمية من وهج “الشبيبة” إلى زمن العزلة
FR

انطفئ المصباح.. العدالة والتنمية من وهج “الشبيبة” إلى زمن العزلة

صفعة قاسية تلك التي حصل عليها حزبُ العدالة والتنمية خلال النتائج النهائية في الانتخابات التشريعية، بعدم تجاوزه لـ13 مقعدا، في وقت كان يرى فيه جُملة من المحللين السياسيين مُنافسا قويا في الانتخابات، وأن بإمكانه الفوز، أو على الأقل تصدر المراكز الأولى.

وتصدر نتائج الاستحقاقات الانتخابية، حزب التجمع الوطني للأحرار، بحصوله على أعلى نسبة من المقاعد، فيم حصل حزب الأصالة والمعاصرة على الرتبة الثانية. لكن هزيمة العدالة والتنمية وُصفت بـ”الصدمة” و”الانتكاسة” و”الصفعة” مما استدعى البحث في بدايات حزب المصباح، ومُحاولة فك لغز النتائج الهزيلة التي تحصل عليها في الانتخابات الأخيرة.

من البداية

حزب العدالة والتنمية تأسس على يد عبد الكريم الخطيب، سنة 1967، وكان يحمل في البداية اسم “الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية”، وفي سنة 1973 اقترح تحويل اسمه إلى “النهضة الإسلامية” غير أن هذا المقترح قوبل بالرفض من طرف عدد من قيادات الحزب أنفسهم، لكنه فتح الحزب على الحركة الإسلامية المغربية في بداية التسعينات، قبل أن يتغير اسمه إلى “العدالة والتنمية” سنة 1996.

ويُعتبر عبد الكريم الخطيب، مُؤسس حزب العدالة والتنمية والذي تولى أمانته العامة إلى غاية سنة 2004 قبل أن يتم اختياره رئيسا مؤسسا للحزب، وهو المنصب الذي ظل يتولاه إلى حين لحظة وفاته، أول طبيب جراح في المغرب، وكان رئيس أول برلمان في المغرب، ومن مؤسسي الكشفية الحسنية والجمعية المغربية لمُساندة الكفاح الفلسطيني ورابطة العالم الإسلامي؛ وُلد بمدينة الجديدة في المغرب في 2 مارس 1921، وتوفي بالرباط يوم 28 سبتمبر 2008.

ويقول حسن بلوان، محلل سياسي ومتخصص في العلاقات الدولية، إن “حزب العدالة والتنمية خرج من رحم أول حركة إسلامية في المغرب المعروفة بـ”الشبيبة الإسلامية” ذات النزعة الراديكالية التي تورطت في أعمال عنف أدت لاغتيال الاتحادي عمر بن جلون، والذي كان سببا في دخول مجموعة من أعضائها السجن، الذين سيشكلون الجماعة الإسلامية فيما بعد، ثم حركة الإصلاح والتجديد التي قدمت طلبا لتأسيس حزب سياسي بداية التسعينات دون أن تحصل على الترخيص وصولا إلى الاندماج في حركة التوحيد والإصلاح”.

مشاكل داخلية واستقالات بالجُملة !

قبل الانتخابات التشريعية بأشهر طِوال لاحت جُملة من الاستقالات في الأفق، أبرزها استقالة اعتماد الزاهيدي، النائبة البرلمانية السابقة لحزب العدالة والتنمية، وهي الاستقالة التي تلتها انتقادات حادة لأداء الحزب ولوضعه الداخلي، متهمة إياه بممارسة الاستبداد وسوء التدبير؛ فيما مضى على منوالها عدد من أعضاء الحزب الذين لاحوا باستقالاتهم.

ومباشرة بعد مصادقة المجلس الحكومي على مشروع قانون القنب الهندي “الكيف”، أعلن عبد الإله بنكيران على تجميد عضويته من الحزب، بعد أيام من وضع إدريس الأزمي، رئيس المجلس الوطني وعضو أمانته العامة، استقالته من مهامه الحزبية، فيما جمد المقرئ الإدريسي أبو زيد عضويته في وقت سابق لهما، ناهيك عن جُملة من الاستقالات المُتفرقة لعدد من الأعضاء، ساهمت في توسيع رقعة الشرخ.

حزب المصباح الذي انطلق منذ البداية من المرجعية الإسلامية، في ظل الملكية الدستورية القائمة على إمارة المؤمنين، فسعى منذ بداياته الأولى إلى الإسهام في بناء مغرب حديث، معتز بأصالته التاريخية، ومساهم بإيجابية في مسيرة الحضارة الإنسانية، غير أنه فرق شاسع بين البداية المُبشرة بأمل في المستقبل، والنهاية الأليمة التي أغلقت أبواب الأمل.

ومن المحليين والمهتمين بالشأن العام الوطني من اعتبر أن حزب العدالة والتنمية مر بعدد من الهزات التنظيمية في محطات سابقة، من بينها حراك 20 فبراير، وأزمة سنة 2016 وهي ما سُميت بـ”البلوكاج الحكومي”، غير أنه بالرغم من تدبيرها داخليا، إلا أنه فشل في تدبير الشأن الداخلي للحزب الذي مر بسلسلة أزمات داخلية.

فيما أكد عدد آخر أن كل من مسألتي استئناف العلاقات مع إسرائيل وتقنين القنب الهندي زعزعت الحزب داخليا، ونالت من مصداقية خطابه لدى المُتلقي، مما جعله يقف في مُنعطف طريق زاد من وُعورته اعتماد البرلمان لعدد من القوانين الجديدة المتعلقة بضبط الانتخابات، وأهمها ما يُعرف باسم “القاسم الانتخابي” الذي كان حزب العدالة والتنمية المُعارض الوحيد له.

بداية النهاية

ويرى بلوان، أن سنة 2011 كانت فأل خير على حزب المصباح، إن أن الأحداث التي سرت وعُرفت بالربيع العربي أطاحت بمجموعة من الأنظمة، وحين انطلقت أولى شراراتها الخافتة للمغرب، تشكل الاستثناء فكان لحزب العدالة والتنمية حينها دورا بارزا، خاصة بعد تصدره نتيجة الانتخابات التشريعية، بعد أن ظهر الحزب منظما ومنسجما يتوفر على ماكينة انتخابية قوية وقيادة تتقن الخطاب الشعبوي مقارنة مع الأحزاب المنافسة، هذا الانتصار مكنه من قيادة الحكومة في ظروف إقليمية مضطربة خارجيا، لكن بصلاحيات كبيرة داخليا لم يحصل عليها حزب سابقا، وفي ظل تطلعات أكبر للمغاربة الذين وضعوا ثقتهم في حزب جديد ذي مرجعية إسلامية عقابا للأحزاب الوطنية التقليدية وطمعا في تغيير حقيقي يحفظ حقوق المغاربة ويحافظ على استقرار المغرب.

وزاد المحلل السياسي في حديثه لـ”نقاش 21″ أن “قيادة حزب العدالة والتنمية للحكومة بالرغم من أنها لم تكن في مستوى التطلعات الشعبية باقترافه لأخطاء جسيمة في حق الطبقة الفقيرة والمتوسطة إلا أن الخطاب الشعبوي لعبد الإله بنكيران سينقذ الحزب مرة أخرى ليتصدر انتخابات 2016، لكن التصرفات الحزبية الضيقة والممارسات الشعبوية البعيدة عن كفاءة رجل الدولة لهذا الزعيم ستفشله في تشكيل الحكومة مع باقي الأحزاب، ليتم اختيار سعد العثماني لتشكيل الحكومة بعد شهور من هدر الزمن السياسي فيما يعرف بالبلوكاج”.

لم يتصور المُتابعون للمشهد السياسي المغربي، هذه الهزيمة المُدوية لحزب العدالة والتنمية، حيث وُصفت بـ”النكسة” لأول حزب إسلامي يصل لتولي المسؤولية الحكومية، إذ تقلص حجمه السياسي بشكل قياسي، وكأنه أعيد إلى مرحلة بداياته الأولى لسنة 1997، قبل تغيير اسمه للعدالة والتنمية، حيث حصل في الانتخابات التشريعية على 12 مقعدا برلمانيا.

فيم يقول متابعون أنه من بين أهم الأسباب التي أدت لانهيار حزب العدالة والتنمية هي إعفاء عبد الإله بنكيران، أمينه العام السابق، بسبب الخلاف مع سعد الدين العثماني، وفريق الأمانة الأمة حول جُملة من القضايا من قبيل اعتماد اللغة الفرنسية في التدريس، وتقنين القنب الهندي، واستئناف العلاقات مع إسرائيل.

نتائج انتخابات الثامن من شتنبر حملت الكثير من المفاجآت غير المتوقعة بحكم الظروف الاستثنائية التي نظمت فيها، إلا أن الصدمة الكبرى كانت من نصيب حزب العدالة والتنمية الذي حصد هزيمة مزلزلة جعلته على هامش المشهد الحزبي متذيلا الترتيب بـ13 مقعدا فقط؛ مما جعل قادة الحزب في وقع الهزيمة النكراء التي تكبدوها، فتعددت ردود الأفعال وسط قادة التنظيم السياسي بين دعوة إلى استقالة الأمين العام للحزب، سعد الدين العثماني، وبين أصوات تقول إن ما حصل كانت نتيجة متوقعة.

في آخر أيام الحملة الانتخابية، خرج عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية الأسبق والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، في بث مباشر على حسابه بالفيسبوك، شاهده آلاف المغاربة، مُحذرا المواطنين المغاربة من منح أصواتهم للاختيار الخطأ خلال الاستحقاقات الانتخابية يوم 8 شتنبر؛ كانت ملامح وجهه موسومة بالتشاؤم والقلق، وكأنه كان على علم أن حزب العدالة والتنمية في طريقه إلى نفق مُظلم بسلسلة من خيبات الأمل.

فرق شاسع بين ليلة الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2016 وبين نتائج الانتخابات المُعلن عنها الأسبوع الماضي في ظل السنة الجارية -2021-، فالأولى كانت الفرحة العارمة تجتاح المقر المركزي لحزب المصباح، ومشاعر البهجة تُسيطر على المكان، أما هذه السنة فكأن غمامة سوداء عمّت المكان، وأزاحت أي مؤشر للأمل يأتي مُتربصا.

ما العمل؟

ويرى عبد العلي حامي الدين، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، وقيادي في حزب العدالة والتنمية، أن “المرحلة التي يمر بها حزب العدالة والتنمية تحتاج إلى إعمال النظر بروية عميقة ومنهجية نقدية صارمة تتحرر من هول الصدمة وتستشرف المستقبل عن طريق وضع بعض المداخل المساعدة في بناء أطروحة نظرية جديدة”.

وزاد حامي الدين، في مقال له أنه “ربما سنتفق جميعا أن النتائج الرسمية التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية لا تعكس الوزن السياسي والانتخابي له، لكنها مع ذلك تبقى من المنظور الواقعي نتيجة حتمية لأسباب ذاتية بالدرجة الأولى وأخرى موضوعية لا يمكن إنكارها”.

وأكد على بعض المداخل الضرورية من أجل “تجديد النظار السياسي لحزب العدالة والتنمية وإعادة قراءته للمشهد الحزبي والسياسي الذي يتحرك فيه، وهو ما يحتاج في البداية لتجاوز المنطق التبريري” من خلال “تجاوز المنطق التبريري والنزوع الآلي لتبرير الفشل عن طريق اللجوء المسطري، وضرورة الخروج من نمطية التفكير التي أبدعها الجيل المؤسس”.

“يمكن القول إن الخروج من مرحلة ما يسميه البعض بالإسلام السياسي إلى مرحلة ما بعد الإسلام السياسي تبقى ضرورة حتمية لتحقيق الاندماج الضروري والاعتراف الموضوعي لهذه المدرسة السياسية الموجودة في البيئة المغربية، وهو ما لا يمكن تحقيقه عن طريق التناوب من داخل جيل التأسيس، ومن تم الخروج من الارتهان بالعلاقة مع جمعيات دعوية، وتقديم رؤية واضحة لديموقراطية توافقية”.

انتقل إلى أعلى