يقرأ حاليا
من يحاكم الآخر بالجزائر، الصحفي أم السلطة المتجبرة؟
FR

من يحاكم الآخر بالجزائر، الصحفي أم السلطة المتجبرة؟

لحسن العسبي

طويلة هي قصة الإعتقالات التي طالت وتطال المناضل الحقوقي والصحفي الجزائري حسن بوراس، من غرداية حتى العاصمة الجزائر.

فالرجل ليس طارئا على المشهد الحقوقي ببلاد الأمير عبد القادر، فهو متمرس على ضرائب النضال من أجل دولة المؤسسات والحق هناك منذ سنوات، منذ أول اعتقال طاله سنة 2003. وهو متمرس على ذلك، من موقعه كواحد من قادة الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان ، حكم عليه بسنتين سجنا سنة 2003، ومنع بعدها من ممارسة الصحافة خمس سنوات كاملة، واحتجز بدون محاكمة لأكثر من سنة ما بين 2015 و 2016، واشتهر اسمه في تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، بسبب إضرابه الطويل عن الطعام سنة 2016.

هو الذي اعتبر من بين أكثر الصحفيين الجزائريين، فضحا لتورط عدد من الجنرالات في فضائح فساد مالية أو في عمليات تصفية أثناء سنوات العشرية السوداء. مما يجعله واحدا من الأصوات الحقوقية والإعلامية المزعجة جدا للسلطة بالجزائر، وأساسا لمركب النخب الحاكمة بها، مدنية وعسكرية.

لكن الجديد، هذه المرة، هو أن قرار اعتقاله قد تم بتهمة ثقيلة جدا، هي تهمة “تمجيد الإرهاب”، قد يصل فيها حكم المحكمة إلى 15 سنة سجنا نافذا، فقط لأن الرجل لم يتردد في نشر تدوينات على حسابه بفايسبوك، تعتبر أن منهجية قمع الحريات بالجزائر تجعل بلاده “ديكتاتورية عسكرية مبطنة”، وأن فساد السلطة محمي بقوة تلك المؤسسة العسكرية. ولعل من التدوينات التي جرت عليه غضب أصحاب القرار بالعاصمة الجزائر، واحدة اعتبر فيها أن المغرب نجح في مشاريعه التنموية المهيكلة، معززا ذلك بعدد من الصور، لأن القدر حماه من نجاح انقلابات عسكرية به في بداية السبعينات. وهي تدوينة في مبناها ومنطوقها، تعتبر أن الأنظمة العسكرية بلاء على كل أسباب دولة المؤسسات وفصل السلط وتحقيق أسباب التنمية والسلم الإجتماعي، مما فسر أنه نقد غير مباشر لطبيعة نظام الحكم في بلده ولاستشراء الفساد فيها.

الحقيقة، إن المنهجية المعتمدة اليوم بالجزائر، هي التفاف على الآمال التي كان قد أطلقها الحراك الشعبي هناك، المتمثلة في الإنعطاف نحو أفق للإصلاح السياسي، كان مأمولا أن يفضي إلى ميلاد “الجمهورية الثانية للجزائر”، بدستور جديد، وآلية تدبيرية سياسية جديدة، تكون متصالحة مع دفتر تحملات القرن 21، الذي هو قرن التكتلات الجهوية، والتعاون والتكامل بين القوى الإقليمية، والإنخراط ضمن منظومة القيم العالمية لنظام السوق والعولمة. أي منظومة قيم الحريات وحماية الحقوق السياسية للمواطن وحقوقه الإقتصادية التنموية وحقوقه الثقافية والبيئية والإجتماعية. وأن ذلك الإلتفاف يتم اليوم من خلال منهجية قمعية، تراهن على تصدير الأزمة الداخلية الخانقة إلى الخارج، من خلال خلق “فزاعة العدو الخارجي” و “فزاعة التهديد الإرهابي”، أي منهجية للتخويف، تجيز اعتماد القبضة الحديدية ضد كل صوت معارض أو منتقد أو مطالب بالإصلاح.

إن المثير في هذه المنهجية المعتمدة اليوم بالجزائر، على مستوى السلطة، هو اعتمادها على آليات متجاوزة لم تعد قائمة سوى في أنظمة شمولية قليلة بالعالم من قبيل كوريا الشمالية. وهي آليات “البروباغندا” التي تؤمن بمبدأ تأطير الناس من خلال خلق واقع مواز للحقيقة، عبر اعتماد منظومة تواصلية ترتكز على “الأخبار الزائفة” التي من قوة تكرارها يكون الأمل قائما أن تنتهي إلى خلق قناعة جماعية داخلية مؤطرة ضمن “الزيف”، مما تكون نتيجته بلقنة الوعي العمومي للناس. وكل من يفضح ذلك المخطط، تكون الشراسة في مواجهته عالية جدا، وتهمة التخوين جاهزة للقضاء عليه ماديا ورمزيا. وهو ما يقع اليوم مع الزميل الصحفي، والفاعل الحقوقي الجزائري، حسن بوراس.

إقرأ أيضا

إن الغاية من تحريك ملفات متابعات قضائية، مثل تلك التي فتحت ضد هذا الفاعل الحقوقي الجزائري، هي ترسيخ خيار “التخويف” داخل كافة مستويات النخب والشرائح الإجتماعية بالجزائر. أي إنها منهجية للحكم بالتخويف. وهي منهجية تكون فاتورتها دوما ثقيلة على مستوى خرق حقوق الإنسان، بدليل ما أصبحت تصنف ضمنه دولة الجزائر من مراتب متأخرة ضمن سلم احترام حقوق الإنسان بمختلف المنظمات والهيئات الحقوقية بالعالم. وفي الحالة الجزائرية، على مستوى المركب الحاكم فيها (بشقيه العسكري والمدني)، فإن افتعال أزمة دائمة مع جار قوي ووازن مثل المغرب، هو خيار استراتيجي للحكم. وأن كل من يحاول اعتبار الجار الغربي نموذجا للنجاح السياسي والتنموي التراكمي السلمي والمؤسساتي، هو متهم ب “الخروج من الجماعة” وأنه منخرط في منظومة ل “الإرهاب” تستهدف “وجود الجزائر”. وهذا لعمري عنوان مقلق كبير لأزمة في “الوعي السياسي” للطبقة الحاكمة بالجزائر، لا يرى إلى المستقبل سوى بمنطق “تدمير الآخر” الذي يرى أنه أفضل تنمويا ومؤسساتيا وتدبيريا، لأنه للأسف يقوم مرآة على فشله على طول الخط في كافة مستويات التنمية والتدبير السياسي والمؤسساتي ببلده. بالتالي، فهذه حالة “سياسية عصابية” نادرة في مجال مسؤوليات ممارسة الحكم، لا نظائر لها في العالم، غير كوريا الشمالية.

هل المستقبل أسود بمنطقتنا المغاربية إلى هذا الحد؟. 

في مجال حركية التاريخ، كما تصنعها الشعوب ويفرضها منطق المصالح المركبة بين القوى العالمية، هناك دوما تفاؤل الإرادة أمام تشاؤم الواقع. ولعل الحقيقة الوحيدة القائمة اليوم، التي تسجلها كل القوى العالمية ذات التقاطعات المصلحية مع منطقتنا بغرب إفريقيا وغرب المتوسط، هي تعمق عزلة النظام الحاكم بالجزائر داخليا وخارجيا. ولعل تحريك متابعات قضائية ضد فاعل حقوقي وصحفي مثل حسن بوراس، بتهم ثقيلة جدا، ليس سوى تجليا من تجليات عدة على ذلك.

انتقل إلى أعلى